لماذا وقف تنفيذ عقوبة نجل عقل هاشم؟ جرائم عملاء إسرائيل غير قابلة للنسيان/علي الموسوي
كتب علي الموسوي:
“طيّ صفحة الماضي” عبارة أطلقها معاون مفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكرية الدائمة القاضي فادي عقيقي خلال إبداء مطالعته الشفهية في محاكمة نجل كبير عملاء إسرائيل عقل هاشم، المدعو إلياس هاشم، وسط استهجان كلّ من كان موجوداً في قاعة المحكمة يوم الإثنين الواقع فيه 20 آذار 2017، قبل أن يستدرك ويقول:” إنّما كان عليه التمسك بعودته” إلى لبنان، طالباً إدانته وفقاً لمواد الإتهام، فصدر الحكم بتجريمة سنة واحدة مع وقف تنفيذ هذه العقوبة المخفّفة أساساً، ولم يجر تمييزه لتشديده أسوةً بما حصل في حالات سابقة.
وليس جديداً أنّ كلّ ما يتعلّق باللبنانيين الذين تعاملوا مع العدوّ الإسرائيلي يستدعي التوقّف عنده، خصوصاً وأنّ هؤلاء العملاء تركوا بصمات وعذابات واضحة في جسد الوطن لا تمحى بالسهولة التي يتوقّعها مَنْ لم يذق طعم ويلاتهم وانتهاكاتهم الصارخة لحقوق الإنسان وتعدّيهم على الناس والأرزاق، والأهمّ من كلّ ذلك طعنهم الوطن ووقوفهم إلى جانب العدوّ بالسلاح الخفيف والثقيل واعتقال الأبرياء والتنكيل بهم في معتقلاتهم.
ولا يمكن لهذه الصفحة من تاريخ لبنان أن تطوى بسهولة تامة، كرمى أحد، لا عين هذا الزعيم ولا تلك المرجعية، حتّى ولو كان العميل من الدرجة العاشرة التي لم تقم بعمليات إجرامية كبيرة، فكيف إذا كان الحال مع عميل من الصنف الممتاز وكان يعرف ما يقوم به من أفعال لا تقع تحت طائلة الملاحقة الجزائية وحسب، بل ويندى لها جبين البشرية، والمثال الواضح على ذلك أنطوان لحد وعقل هاشم وكلّ من دخل عن قناعة تامة، في الجهاز الأمني لميليشيا العملاء والتقى الضبّاط الإسرائيليين ومدّ لهم يد العون، واللائحة طويلة ومعظمهم لا يزال فاراً من وجه العدالة ومتوارياً عن الأنظار خارج لبنان منذ تحرير الجزء الأكبر من الجنوب والبقاع الغربي في 25 أيّار من العام 2000.
إنّ أفعال هؤلاء الجرمية لا تسقط بمرور الزمن، ولا تطوى بسهولة تامة، ويكفي سؤال أمّ فجعت بابنها ظلماً وعدواناً على يد مجرمي ميليشيا لحد، عمّا لاقته من آلام شاركت روحها وليس أيّامها فقط، ويكفي سؤال عائلة تعرّضت للتنكيل لرفضها الشديد التعاون ضدّ وطنها فطردت من بيتها وملاذها الآمن وشرّدت خارج القرية، كيف عاشت أيّامها تحت خيمة الخوف حتّى استطاعت النجاة بالنفس قبل المال، والأسئلة طويلة والمآسي كثيرة ولا يكفي سردها كلّها لمجرّد التعنيف الفكري والتذكير بها، وجلد الذات، فهي صارت منحوتة في تاريخ الوطن وغير قابلة للنسيان والعزل من الماضي والمستقبل.
ليس من حقّ أحد أن يطوي صفحة عملاء إسرائيل بحسب رغباته وتطلّعاته، وليس من حقّ أحد أن يدافع عنهم بذريعة انتهاء المفعول الآني لوحشيتهم مع كلّ اللبنانيين وليس أهل الجنوب والبقاع الغربي فقط. والحقّ العام ليس ملكية فردية، أو لتنفيذ رغبة سياسية يمكن التعاطي معها بمزاج سياسي بخلاف إرادة المجتمع. الحقّ العام يطلب تشديد العقوبة وأقلّه تطبيق مواد الإدعاء والإتهام، وليس التساهل والتهاون بعبارة “طيّ صفحة الماضي”، وقد زاوج ممثّل النيابة العامة العسكرية بين هاتين العبارتين!.
صحيح أنّه من حقّ هؤلاء العملاء أن يعودوا إلى وطنهم الذي خانوه ذات يوم من قذارة أرواحهم، ولكنْ شرط أن يلقوا المحاكمة المناسبة والموازية لجرائمهم حتّى ولو كان هناك قانون يسهّل لهم هذا الرجوع، لكنّه لم يقل بأنّ جرائمهم غير قابلة للمحاكمة، أو أنّها صارت من الماضي تمهيداً لإصدار أحكام مخفّفة عليهم، أو إتباعها بـ “وقف التنفيذ” إرضاء لهذا وذاك، فالوطن أكبر من الجميع، ومن خانه يوماً، يجب أن يُحاكم ويسجن، وإلاّ فإنّ التهاون معه يعني دفع آخرين للتواصل مع العدوّ وتقديم الخدمات الأمنية له، وهذا الأمر ليس لمصلحة الوطن، ولا يرضي ضمير الوطن على الإطلاق.
وقد أصدرت المحكمة العسكرية الدائمة برئاسة العميد حسين عبدالله، حكماً بحقّ إلياس عقل هاشم قضى بسجنه سنة واحدة مع وقف التنفيذ، وتغريمه مبلغ خمسة ملايين ليرة بعد إدانته بجرم “دخول بلاد العدوّ وحمل جنسيته”.
واللافت للنظر أنّ المحامي الذي توكّل عن هاشم خالف قرار نقابة المحامين في بيروت والداعي إلى الإمتناع عن حضور الجلسات طوال أيّام الإثنين والثلاثاء والأربعاء في 20 و21 و22 آذار 2017 دفاعاً عمّا تعتبره حقوقاً للمحامين والمنخرطين في نقابات المهن الحرّة، ومن أجل حضّ السلطة التشريعية على عدم فرض ضرائب إضافية عليهم.
وتردّد أنّ هذا المحامي نال إذناً خاصاً من النقيب أنطونيو الهاشم لحضور الجلسة لأسباب طارئة لم تتضح معالمها!، مع العلم أنّ إلياس عقل هاشم وصل إلى بيروت قبل يوم واحد من موعد محاكمته إنفاذاً لحكم غيابي صادر بحقّه، فلماذا هذه العجلة في محاكمته، وهناك آخرون صادرة بحقّهم أحكام غيابية في جرائم مختلفة يسلّمون أنفسهم ويتمّ توقيفهم فترة من الزمن تمهيداً لتعيين جلسة لمحاكمتهم بغضّ النظر عن نتيجة هذه المحاكمات، سواء أكانت براءة أو إدانة؟.
ولماذا أصدرت المحكمة العسكرية حكماً بتجريم هاشم وارتأت بما لها من استنسابية وحقّ التقدير، أن توقف تنفيذ هذه العقوبة المتعلّقة بنجل كبير العملاء وأحد رموز الحقبة الإسرائيلية السوداء في تاريخ لبنان؟.
واستغلّ الياس هاشم الجنسية الإسرائيلية ليدرس ويبني مستقبله، فيما هناك لبنانيون كانوا يعيشون في منطقة “الشريط الحدودي المحتلّ”، ومُنعوا من الخروج منها للدخول إلى الجامعات في لبنان، وأخذهم العدوّ الإسرائيلي وعملاؤه وعلى رأسهم عقل هاشم، عنوةً، إلى التجنيد الإجباري، ووضعوهم في المواقع المتقدّمة، ولم يهربوا باتجاه فلسطين المحتلة عند حصول التحرير في العام 2000، بل سلّموا أنفسهم ونالوا أحكاماً متفاوتة العقوبات ومن دون “وقف تنفيذ”!.
وللتذكير فقط، فإنّ إلياس هاشم أصيب بجروح طفيفة عندما فجّرت المقاومة الإسلامية عبوة ناسفة أودت بحياة أبيه في 30 كانون الثاني من العام 2000 داخل مزرعته في حرج يقع في مسقط رأسه بلدة دبل الجنوبية، وظلّ الياس هاشم خارج لبنان، بينما عادت أمّه ليا كسّاب وشقيقه جريس وشقيقته شانتال في العام 2013، وحوكموا أمام المحكمة العسكرية حيث نالوا عقوبة السجن سنة واحدة مع وقف التنفيذ وغرامة خمسة ملايين ليرة، بينما بقي إلياس هاشم في ألمانيا التي انتقل إليها في العام 2005، من فلسطين المحتلة حيث درس في جامعة حيفا وحمل الجنسية الإسرائيلية “مؤقّتاً” قبل أن يعود ويتنازل عنها، إلى أن تمّ ترتيب ملفّه قانونياً، فعاد إلى ربوع لبنان!.
وتجدر الإشارة أخيراً، إلى أنّ ليا كسّاب، قالت للموقع الإلكتروني الرسمي “للبنانيين في إسرائيل”، في حديث معها نشر في شهر أيّار من العام 2012،”لو لم تطل يد الغدر زوجي عقل هاشم، لكان حجر عثرة في وجه الإنسحاب الإسرائيلي من الجنوب”!.
(نشر في مجلّة “محكمة” – العدد 16 – نيسان 2017)