للمرّة الأخيرة…أقفلوا البلد/ناضر كسبار
المحامي ناضر كسبار:
لا يكاد يمرّ يوم إلاّ ويتخذّ القرار بإقفال هذه المحكمة أو تلك، وهذه الدائرة أو تلك لعدّة أيّام بسبب الإصابة بكورونا، وكان آخرها اليوم الأربعاء حيث أفيد عن إصابات في عدّة محاكم ودوائر.
منذ بدء انتشار جائحة كورونا طلبنا “إقفال البلد” بشكل كامل. إلاّ أنّ عدّة قرارات صدرت عن المرجعيات تارة “بالمفرد والمجوز” وتارة بالإقفال ليلاً والعمل نهاراً، وتارة بالسماح لأشخاص ولعمّال في مؤسّسات حتّى زادت الإستثناءات على الحجْر. والملفت للنظر أنّه كلّما طلبنا الإقفال لمدّة أسبوعين أو ثلاثة أسابيع ينبري من يقول بأنّ السلطة تطلب ذلك حتّى تمنع المظاهرات، أو كيف يعيش من يؤمّن قوته كلّ يوم بيومه، أو هل نستطيع أن نضع شرطياً على كلّ باب من أبواب المواطنين…الخ.
وما زاد في الطين بلّة أنّه عندما طالبنا بإقفال المحاكم والدوائر، لمدّة معيّنة بدأت بعض الأصوات تستنكر على أساس “أنّ الشغل مقتّل بعضو” وهذه الأصوات هي ذاتها التي تصرخ دائماً أن لا عمل لديها على الإطلاق. واضطررت مرّة لتذكير أحدهم وهو صديق لي بمسرحية الرحابنة عندما صرخت أم ملحم: “دهباياتي دهباياتي سرقولي دهباياتي.” فيسألها أحدهم: “وهل عندك ذهب”؟. فتصرخ “يا حسرتي مننلي”.
في الثمانينات، كنا نفرح عندما تأتي فترة الهدنة على أساس أنّ القصف العشوائي قد توقّف. فنسرع إلى بيروت وبعبدا والمتن…الخ ونطلب تعيين الجلسات وبعد التعيين نحمل التبليغات ونسلّمها للمباشرين، ويوم الجلسة يبدأ القصف. ولا نعود نعلم ماذا نفعل. هل هناك جلسات أم لا ؟. وهل حضر القاضي أم لا ؟. ولم يكن هناك هاتف خلوي، والخطوط الأرضية شبه معطّلة، كلّ ربع ساعة حتّى “يأتي خطّ” ونصبح في حالة ضياع. وتطير الجلسات وتطير التبليغات، وتطير المصاريف، ويطير المجهود.
من هنا، على السلطة أن تحزم أمرها ولا تلتفت إلى “القيل والقال” وتأخذ القرارات الرصينة والشجاعة وتقرّر “إقفال البلد” لمدّة أسبوعين أو ثلاثة إقفالاً تاماً بعد اتخاذ الإجراءات الغذائية والأدوية اللازمة، وإلاّ فسوف نبقى في هذه الدوّامة: كلّ يوم مئات الإصابات وعدّة وفيات، والخطر الداهم بإصابة أيّ واحد من المواطنين في أيّ مكان وفي أيّ لحظة.
“محكمة” – الأربعاء في 2020/9/16