العنف الأسري تحت سطوة “كورونا”: زوجها أحرقها لرفضها ممارسة الجنس/نجوى العرب
نجوى عبد الجليل العرب*:
تستمرّ تداعيات جائحة “كورونا” وإلزامية الحجّر الصحّي الناتج عنها في الإنعكاس سلبًا على شريحة لا بأس بها من النساء وكأنّ منازلهنّ تحوّلت إلى “معتقلات” “تحاكم” فيها على أسباب لا علاقة لها بها أبدًا، إنّما هي ارتداد مؤكّد لتفشّي هذا الوباء العالمي وللحجر المنزلي الذي فُرض قسرًا على الجميع وولّد ضغوطات نفسية كبيرة أثّرت بشكل سلبي على الرجل الزوج وسائر أفراد الأسرة.
ولا شكّ أنّ من أسباب تزايد العنف في ظلّ الحجر المنزلي: تراجع الأوضاع الإقتصادية وارتفاع الأسعار (أسعار المواد الغذائية، وأسعار المحروقات، و…)، والخوف من فقدان الأمن الوظيفي، أو فقدان مصدر الدخل، والقلق الدائم من الإصابة بفيروس “كورونا” أو فقدان الأحبّة بالموت.
إساءات لفظية
وتقول مروى(إسم مستعار) وهي إحدى ضحايا العنف الأسري لـ“محكمة” إنّ العنف لا يقتصر على “ضرب زوجي الرجل الأمّي لي، فهو يعتبر نفسه أفضل مني بكثير وذلك بحجّة أنّه صاحب قرار ولديه مردود مادي شهري، وهذا ما جعله يعتقد بأنّني خاضعة له لأنّ مستوى أهلي المعيشي متدنّ جدًّا، وهو دائمًا ما يذلّني بكلامه، وبين الحين والآخر يضربني ضربًا مبرحًا لأتفه الأسباب”.
ولا يقتصر هذا الأسلوب القبيح على الزوج، بل تستخدمه والدته أيضاً مع مروى، إذ إنّها تتعمّد أن تؤذيها لفظيًا بما يخصّ الموضوع المالي حتّى أمام زوجها”، وتقول:”إلى أين سأذهب هربًا من ضربه؟ سأموت من الجوع؟!”.
وتجهش وفاء(إسم مستعار) بالبكاء خلال حديثها لـ“محكمة”، وتقول بصوت مخنوق: “لا يزال صدى صوت أبي يلاحقني عندما قال لي بعنف أغلقي فمك واذهبي مع زوجك”، غير أنّها ما لبثت أن استجمعت كلّ قواها وقرّرت التخلّي عن صمتها بعدما تحمّلت ضرب زوجها المبرح لها على مدى ثلاثة أعوام حيث “كان يضربني على وجهي باستمرار، وصرت أخجل، لا بل أخاف من الخروج أمام الناس، إذ إنّ عيني دائماً تبدوان متورّمتين وعلامات الإزرقاق بادية عليها بوضوح، كما أنّ جسدي مزروع بالكدمات الزرقاء” على حدّ توصيفها.
وعندما قرّرت وفاء البوح بمعاناتها وبما يحصل معها خلف جدران منزلها، فوجئت بردّة فعل والدها الذي كانت تتوقّع منه أن يبادر إلى حمايتها، غير أنّه انتصر للزوج وأصرّ على بقائها معه رغم كلّ ما تعرّضت له وذلك بحجّة “العيب” وبوجوب أن تكون المرأة مطيعة لزوجها بكلّ شيء!
خُذلت وفاء من أبيها المتمسك بمعتقداته الذكورية التي تغلّبت على العاطفة الأبوية. وظلّ السؤال المحوري يشغل بالها هل ستقوى على العيش في منزل زوجها بعد كلّ الذي حدث؟ ومن يحميها من جهله وتعنيفه المستمرّ لها؟ فالدين كرّم المرأة ولم يسمح بإهانتها قطّ، فلماذا يفعل الإنسان ما لا يرضاه الدين؟
الجنس يجمعها بزوجها
ولسارة(إسم مستعار) قصّة مختلفة، تقول لـ“محكمة” أنّ “أبي أجبرني على الزواج في سنّ الرابعة عشرة، ولم أكن أحبّ من صار زوجي، ولم أكن أعلم ما هي الحياة الزوجية، ولا أقدر على تحمّل مسؤولية منزل ورجل وأولاد”. كان الزوج يكبرها بواحد وعشرين عاماً، وهو موظّف ولديه منزلان وأراض شاسعة وهذا ما كان يردّده والدها على مسمعها لكي ترضى وكأنّه يعمل لأن تعيش حياة هانئة.
تخبر سارة أنّه “لمّا رزقت بفتاة بعد سنة من زواجي أصابني اكتئاب ما بعد الولادة، وكدت أن أقتل نفسي، لأنّني لم أقدر على تحمّل هذا الكمّ من الضغوطات الجسدية والنفسية وحدي”. وتكشف أنّها لا ترى زوجها”إلاّ وقت العلاقة الجنسية حيث يجبرني على إقامتها، وإذا ما رفضت يبدأ بضربي وبالإساءة إليّ”. أنّى لجسد طفلة أن يحمل هذا الكمّ من الألم؟ وإلى متى سيبقى الإغتصاب الزوجي مسموحاً؟ من يحميهنّ من تشوّهاتهنّ النفسية والجسدية؟
أحرقها لرفضها الجنس
وتذكر “حنان” (اسم مستعار) في حديث مع موقع “DW عربية” أنّ زوجها يمارس العنف المنزلي بشكل يومي عليها وعلى أطفالها، حارمًا إيّاها من الراحة في المنزل وخارجه، وتقول إنّه “قام بحرقي ذات يوم لأنّني رفضت ممارسة علاقة جنسية معه.”
وفي ظلّ هذا العنف الدائم، فإنّ “حنان” تعبّر عن خوفها من إعلان حظر التجوّل، والسبب أنّها تتوقّع مسبقاً “أنّني سوف أتعرّض للضرب والإهانة أكثر، وأنا لم أعد أحتمل كلّ هذا الأمر الجنوني”!
العنف كالهواء
وسبق لفادية(اسم مستعار) أن كشفت لموقع “DW عربية” أنّ “العنف الجسدي أصبح جزءًا من حياتي، كالطعام والماء، والهواء الذي أتنفّسه.”
وفادية إمرأة خمسينية تزوّجت في عمر صغير من أحد أقاربها، ورزقا عائلة كبيرة تتألّف من ثماني فتيات وشاب، وهي عانت من العنف المنزلي لأكثر من ثلاثين عامًا.
تقول هذه الضحيّة إنّه “كلّما كان يضربني، كنت أهرب إلى منزل والدي، ولكنّني ما لبثت أن عدت له بحكم “العيب”، ومن أجل أطفالي.”
إذن الدافع هو الخوف على أطفالها والذي يفوق خوفها على نفسها، إذ لطالما استغلّ زوجها فترة غيابها لتعنيف الأطفال، “واستعبادهم”. وهي تشير إلى “أنّني كنت أعود إليه بسبب بكاء أطفالي على الهاتف مستغيثين بي”، وكلّما تحاملت على نفسها وعادت، وجدت أبناءها يتألّمون من كدمات “زرقاء”، وقد وجدت هذه الكدمات في كلّ مكان، في الوجه، والأطراف، والظهر ومن دون هوادة.”
وأنّى لأمّ أن تتحمّل رؤية هذا المشهد؟ لذا، كانت فادية تفضّل أن يتمّ ضربها وتعنيفها على أن تمسّ شعرة من أطفالها. ومن”حسن حظّها” كما وصفت فادية الأمر، فإنّ زوجها اعتاد الغياب لأسابيع بسبب طبيعة عمله، و”هذا أعطاني فرصة للتنفّس، والهروب من الواقع ولو لفترة قليلة، وقد كان غيابه يشبه الإحتفال بالنسبة إليّ وللأطفال”.
الزوج الكابوس
وجعلت إجراءات الحجر الصحّي وحظر التجوّل، وجود هذا الزوج داخل المنزل دائمًا، ممّا شكّل “كابوسًا” لها، خاصة بعد زواج جميع بناتها، وتشير إلى أنّ “زوجي عصبي، وبمجرّد حصول نقص في السجائر، وفي القهوة مثلًا، فإنّ هذا كان يقلبه رأسًا على عقب ويدفعه إلى حدّ الجنون، والآن في ظلّ الحجر الصحّي، فإنّني أنا وابني أمامه فقط؛ ليصبّ جام غضبه علينا!”
تضاعف العنف والشكوى منه
لا شكّ أنّ تصاعد وتيرة “كوفيد 19” في جياة الناس والمجتمع، يبدو واضحًا في زيادة العنف الأسري، فهو يؤجّج العنف ضدّ النساء في لبنان. وفي هذا الإطار، تكشف أرقام رسمية صادرة عن القوى الأمنية عن استقبال 1018 بلاغًا عن حصول عنف أسري على الخطّ الساخن 1745 بين بداية شهر كانون الثاني ونهاية شهر آب 2020، مقابل 458 بلاغًا سجّل في العام 2019، أيّ بزيادة تصل إلى 560 حالة، وهو رقم مهوّل.
كما أن هذا الإرتفاع في المعدّلات، إنسحب أيضًا إلى إحصائيات المنظّمات النسائية المعنية بمناهضة العنف ضدّ النساء حيث تلقّت منظّمة “أبعاد” بدورها 3085 اتصالًا بين بداية شهر كانون الثاني 2020 ونهايه شهر آب2020 أيضاً، مقابل 1193 اتصالًا في الفترة عينها من العام 2019، أيّ بزيادة 1892، وبمعنى آخر ضعف العدد، وهو لا شكّ مؤشّر خطر.
كما أنّ منظّمة “كفى” تلقّت 5755 اتصالّا في الفترة الممتدة بين كانون الثاني وآب 2020، بعدما كان الرقم قد وصل إلى4723 اتصالًا في الفترة ذاتها من العام 2019، أيّ بزيادة 21،8%. وأشارت إلى وقوع 12 حالة قتل، حصلت ستّ منها في شهر نيسان 2019 خلال فترة الحجر المنزلي الإلزامي.
يا لحزن النساء في زمن التفشّي المستمرّ لفيروس “كورونا” والذي يبدو أنّه مسلسل طويل لا يوجد أيّ أفق نهائي له في المدى المنظور بانتظار العثور على اللقاحات المناسبة، ويا لحزنهنّ ما دام العقلية الذكورية تتحكّم بالمصير حتّى ذوبان العمر.
وما يزيد الأمور تعقيدًا، أنّ الإجحاف واضح في القوانين وغياب الوعي التربوي والديني والأخلاقي لدى شريحة واسعة من الرجال أو الأزواج المتسلّطين الذين تنقصهم توعية دينية بالدرجة الأولى في ما يتعلّق بالمودّة والرحمة بين الزوجين، وتوعيه تربوية تتعلّق بقيمة جوهر المرأة أو الزوجة ودورها كربّة منزل وأمّ لأولاد وتسعى وتصبر وتتعب لتنشئة أولاد سليمين نفسيًا غير معقّدين، دون أن ننسى دور الدولة في تأمين الحماية اللازمة للنساء المعنّفات بإصدار قوانين عادلة تراعي المساواة في الحقوق بين الرجل والمرأة.
هذا هو المرتجى لئلاّ يتحوّل المنزل كملاذ آمن إلى مصدر أوّل للخطر على النساء ولا سيّما في فترة الحجر المنزلي وتمادي “كورونا” في الإستقرار والمكوث كضيف ثقيل؟!
“محكمة” – الإثنين في 2021/1/18
*حفاظاً على حقوق الملكية الفكرية، يمنع منعاً باتاً نسخ أكثر من 20% من مضمون الخبر، مع وجوب ذكر إسم موقع “محكمة” الإلكتروني، وإرفاقه بالرابط التشعّبي للخبر(Hyperlink)، كما يمنع نشر وتبادل أيّ خبر بطريقة الـ”screenshot” ما لم يرفق باسم “محكمة” والإشارة إليها كمصدر، وذلك تحت طائلة الملاحقة القانونية.