قراءة في العريضة المعنونة “فخامة الرئيس أنت متهم”/جهاد طربيه
المحامي جهاد طربيه:
مجموعة محترمة من أهل السياسة والعلم أطلّت على اللبنانيين بكتاب موقّع من أعضائها، تتهم فيه رئيس الجمهورية بمخالفة الدستور وتدعو المواطنين إلى التوقيع عليه.
تضمّن الكتاب سردًا لوقائع من الحياة السياسية اللبنانية، فضلًا عن مطالعة فقهية قيّمة حول المسؤولية الدستورية لرئيس الجمهورية، إلّا أنّ موضوع البحث سيقتصر حصرًا وباختصار، على قراءة الأفعال الموصوفة بخروقات دستورية لرئيس الجمهورية.
يمكن توزيع الأفعال الواردة في الكتاب ضمن بابين:
الأوّل – الأفعال التي لا يرعاها أيّ نصّ دستوري:
عرض الكتاب ثلاثة أفعال وصفت بأنّها مخالفة للدستور:
– مرسوم التشكيلات القضائية
– مرسوم التجنيس
– كتاب صادر عن وزير
في حين أنّ الدستور اللبناني لم يأت على ذكر أيّ من هذه الأفعال للنظر في ما إذا كانت مخالفة للدستور.
وبالفعل،
– فالتشكيلات القضائية لا تدخل ضمن أحكام المادة 56 من الدستور للبحث في ما إذا كان الرئيس قد خالف تطبيقها. فمرسوم التشكيلات القضائية هو من المراسيم العادية التي تصدر خارج مجلس الوزارء.
أمّا الإحتجاج بأنّ السلطة القضائية هي سلطة دستورية مستقلّة عن السلطة التنفيذية، فهو دستوريًا صحيح، لكن عمليًا غير مطبّق لعدم وجود القانون الراعي لاستقلالية السلطة القضائية.
وعليه لا يمكن وصف امتناع الرئيس عن التوقيع على مرسوم التشكيلات القضائية بالمخالفة الدستورية.
– إنّ مرسوم التجنيس يدخل أيضًا ضمن إطار المراسيم العادية، والتاريخ القضائي يشهد على العديد من مراجعات الطعن بمراسيم التجنيس أمام مجلس شورى الدولة. ولم يسبق في التاريخ السياسي اللبناني أن وجّه لأيّ رئيس جمهورية بأنّه خالف الدستور في ممارسته لهذه الصلاحية.
– واقعــة تحميل الرئيس المسؤولية الدستورية عن تصرّف وزير، فهـــي واقعة تفتقر أيضًا إلى نصّ دستوري يبرّرها، بل على العكس، فالمادة 70 من الدستور تتكلّم عن مسؤولية الوزير.
الثاني – في الأفعال الداخلة ضمن إطار الدستور:
– يُحتجّ على رئيس الجمهورية في مخالفة الدستور لعدم توقيعه علــى مرسوم تأليف الوزارة، في حين نصّت المادة 53 من الدستور على أنّه “يصدر بالإتفاق مع رئيس مجلس الوزراء مرسوم تشكيل الحكومة”، وعليه فالسؤال يتمحور حول المقصود بعبارة “بالإتفاق”؟
فالبديهي أن لا يكون القصد هو إلزامية توقيع الرئيس على أيّ تشكيلة حكومية يقدّمها له رئيس الحكومة المكلّف، تحت طائلة وصف فعله بمخالفة الدستور.
– في واقعة تسمية الرئيس للوزراء المسيحيين،
ورد حرفيًا في مقدّمة الدستور:”فقرة “ح” – إلغاء الطائفية السياسية هدف وطني … “،
” فقرة “ي”- لا شرعية لأيّ سلطة تناقض العيش المشترك”، ممّا يعني أنّ النظام السياسي اللبناني هو نظام ديموقراطي توافقي قائم على الطائفية السياسية.
وعليه، عندما تمتنع الكتل النيابية الأكبر تمثيلًا للمكوّن المسيحي عن المشاركة في الحكومة، فلمن تعود تسمية الوزراء المسيحيين؟
وهــــل إقدام رئيس الجمهورية المسيحي على القيام بهذا الدور يشكّل مخالفة للدستور؟
– فـــي واقعة مسؤولية الرئيس عن سيطرة “حزب الله” على المؤسّسات الدستورية.
من مراجعة التاريخ السياسي بعد اتفاق الطائف لم يسبق تسجيل أيّة واقعة متعلّقة:
• باحتجاج لرئيس مجلس النوّاب أو لأيّ كتلة نيابية على سيطرة “حزب الله” على السلطة التشريعية، علمًا أنّ للحزب ممثّلين في المجلس النيابي منذ سنة 1992.
• باحتجاج لرئيس وزراء أو لوزارء ممثّلين لأيّ مكوّن من مكوّنات الشعب اللبناني بأنّ “حزب الله” يسيطر على السلطة التنفيذية،علمًا أنّ للحزب ممثّلين في الوزرات المتعاقبة منذ سنة 2005.
فما هي المؤسّسات الدستورية المقصودة في الكتاب موضوع القراءة الحاضرة؟
ومع علمي الأكيد برحابة صدر موقّعي الكتاب – العريضة، أطرح قراءتي هذه المبنية على خبرتي القانونية المتواضعة.
“محكمة” – الثلاثاء في 2021/5/4