نبيل أبو صعب يقفل الباب على الزمن الجميل/ناضر كسبار
بقلم النقيب ناضر كسبار*:
كنا أربعة. سعدالدين الحوت، وأحمد صفصوف، ونبيل أبو صعب وأنا. نلتقي يومياً. نتحدّث، نناقش، ننتقد، نقترح. لم نختلف يوماً حول أيّ ملفّ أو موضوع. كلّهم رحلوا كأنّه رحيل الحياة.
يوم تلقيت خبر وفاته المحزن لم أصدّق. لم أصدّق أنّ إنساناً يضجّ بالحياة والحيوية يرحل بهذه السرعة وبهذه الطريقة. فهو لم يكن يشكو من أيّ مرض صحّي. ولا تزال عبارته الشهيرة التي كنا نتندّر بها:”صحّتي مثل الحديد … والأوراق في السيّارة”. أيّ نتائج الفحوصات الكاملة.
صديق لي وللعائلة منذ أربعين سنة. أجزم بأنّني لم أسمع منه كلمة خارجة عن المألوف. لم أسمع شتيمة أو نميمة. فهو كان يعيش كما ينبغي أن يعيش الأنقياء الراقدون التائقون العارفون المنتظرون. كيف لا وهو الإنسان اللبق اللطيف، الخلوق الشفيف، المسالم الراقي. يحترم نفسه والآخرين. يحيا في السلام الذاتي العميق الهادئ.
وهو المحامي الألمعي المناقبي الذي يعلم جيّداً أنّ المحاماة علم وثقافة وأخلاق ومنطق. المرافعة دفاع عن مظلوم لئّلا يهدر حقّه. دفاع ثقيف، قوي منطقي، عادل، ذو رؤية سليمة ورؤيا هادفة. لم ينقطع يوماً واحداً عن مكتبه وعن قصور العدل حيث كان يتابع قضاياه شخصياً بكلّ حماس واندفاع.
أمّا عائلته، فكانت نقطة ضعفه وخصوصاً شقيقته التي كان يهتم بها بصورة إستثنائية. وكانت محور حياته الإنسانية. كما كان متحمّساً لبلدته عين زحلتا، ويخبرنا عن تاريخها وعن شخصياتها، وزوّارها.
ويا نبيل،
رحلت بسرعة من دون إشارة أو كلمة وداع.
“أتاري الأحبة عا غفلة بيروحوا وما بيعطوا خبر”.
رحلت وأقفلت الباب وراءك على الزمن الجميل. زمن الوفاء، والرفعة والإخلاص.
رحلت وتركت الغصّة في قلوبنا. الغصّة على إنسان مسالم، خلوق، محبّ للحياة.
النقابة اشتاقت لطلّتك البهية، وابتسامتك اللطيفة. وزملاؤك اشتاقوا إليك وإلى حديثك اللائق وتحليلاتك المنطقية العميقة.
في القلب وفي البال، أخا عزيزاً، وزميلاً محترماً، وصديقاً مخلصاً .. ألا فاعبر بسلام … فإنّك الآن حيث يليق بالأخيار الأنقياء والأصفياء.
*ألقى النقيب ناضر كسبار هذا الرثاء في حفل تأبين المحامي الراحل نبيل أبو صعب الذي أقيم اليوم الجمعة في مسقط رأسه بلدة عين زحلتا في قضاء الشوف.
“محكمة” – الجمعة في 2022/4/29