فوضى مراكز التجميل في لبنان: ماذا يقول القانون؟/عطاف قمر الدين
الدكتورة عطاف قمر الدين:
في زمن السعي إلى الصورة الجمالية المثالية بأيّ ثمن، ساد اعتقاد عام لدى الناس بأنّ الإجراءات التجميلية الجراحية وغير الجراحية، هي الحلّ السحري لتحقيق ما لا يمكن تحقيقه فعليًا إلّا ببرامج تعديل الصور أو أدوات الشبكات الاجتماعية المعدّة لهذا الغرض، فاستغلّ البعض من عديمي المسؤولية والضمير هذا الجوع إلى تحقيق المثالية، لتسوّل لهم أنفسهم فتح “دكاكين” تحت عنوان “مراكز تجميلية”، توفّر خدمات التجميل بأسعار زهيدة مغرية وتقوم بإجراءات طبيّة لا يمكن إجراؤها قانوناً إلّا من جانب الأطّباء الإختصاصيين! والمحصّلة، نتيجة رائعة في الحال، ومخاطر صحيّة جدّية في وقت مؤجّل تبدأ بالتورّم والإحمرار المستمرّ وتصل إلى الندبات الغائرة وحتّى الشلل في الأعصاب والتشوّه الدائم…
هذا فضلاً عن تمادي البعض إلى حدّ تنظيم دورات تدريبية ومنح شهادات للآخرين تخوّلهم ممارسة “مهنة التجميل الطبّي” بغير وجه حقّ!
وهنا نسأل، ماذا يقول القانون؟ وماهي المعايير التشريعية التي وضعت لتحكم عمل المراكز التجميلية الطبّية في لبنان؟
أوّلاً: من يحقّ له ممارسة الطبّ في لبنان؟
لقد منع قانون ممارسة مهنة الطبّ لعام ١٩٧٩ وتعديلاته، في المادة ١٢ منه، من ممارسة المهنة في لبنان، تحت طائلة الملاحقة: “١- كلّ من لا يكون حائزاً على إجازة بممارسة مهنة الطبّ من وزارة الصحّة العامة(…)”، واشترط في الفقرة ٢ من المادة ١٥ منه، في من يرغب بنيل لقب إختصاصي في أحد فروع الطبّ (أحدها الطبّ التجميلي) أن يكون حائزاً على شهادة اختصاص من هيئة علمية أو من جامعة معترف بهما رسمياً.
نميّز هنا إذاً بين نوعين من الإجراءات التجميلية:
إجراءات التجميل العاديّة، وتشمل التدليك والخدمات التجميلية العاديّة كوضع مستحضرات التجميل (المكياج) وتقليم الأظافر وتصفيف وتلوين الشعر…إلخ، وهي تخضع للمرسوم رقم ٩٨٢٧ الخاص بوضع مشروع القانون المعجّل المتعلّق بالتدليك الطبّي والتجميل موضع التنفيذ لعام ١٩٦٢، ويجوز إجراؤها من غير الأطباء حيث يكتفى بالموهبة والبراعة الفردية والتخصّص المهني (من مدرسة أو معهد معترف به).
وإجراءات التجميل الطبيّة، وهي تلك التي تحتاج إلى مهارات وتقنيات طبيّة يلمّ بها أهل الإختصاص في الحقل الطبّي، وإجراؤها يعدّ ممارسةً لمهنة الطبّ بمفهوم الفقرة الأولى من المادة ١ من قانون تنظيم ممارسة مهنة الطبّ المشار إليه أعلاه، والتي نصّت على أنّه يعتبر ممارساً الطبّ ويتحمّل مسؤولية ممارسته “كلّ من قام أو حاول أو باشر بذاته أو بواسطة غيره أو بأيّة وسيلة أو طريقة كانت في شخص الإنسان أو صحّته، أحد الأعمال التالية:(..)٣- عمل أو مباشرة عمل طبّي أو جراحي أو نفساني في الإنسان”. وهذه الأخيرة هي التي تعنينا على وجه التحديد في هذا المقال، والتي تشهد فوضى كبرى ومخالفات لا تعدّ ولا تحصى في ظلّ غياب الضوابط الرقابية الصارمة لفرض احترام القواعد القانونية الناظمة لميدان التجميل الطبّي في لبنان.
ثانياً: ما هو التجميل الطبّي؟
التجميل الطبي، بحسب النبذة أ من المادة ١ من قانون تنظيم تراخيص مراكز التجميل الطبيّة رقم ٣٠ لعام ٢٠١٧، هو مجموعة أعمال طبّية تهدف إلى تحسين مظهر الشخص الخارجي بما فيها التخفيف من آثار الشيخوخة وتأخيرها، ويقصد بها حصراً لأغراض هذا القانون:
– إزالة الشعر وعلاجات البشرة ومشاكلها، بمختلف أنواع الأشعّة لا سيما بواسطة آلات LASER و IPL.
– زرع الشعر على مختلف تقنياته.
– تقشير البشرة العلاجي بمستوياته المتوسّطة والعميقة (peeling 2-3)
– التنحيف بواسطة آلات تهدف إلى تكسير الخلايا الدهنية في الجسم (lipolysis).
– حقن الجلد والجسم والوجه خاصة بهدف إزالة التجاعيد او زيادة الحجم أو تصغيره بواسطة الأبر بمواد مسموح بها علمياً، ومرخّص بها من وزارة الصحّة العامة.
– أيّ أعمال أو طرق علاجية تجميلية طبّية أخرى قد تظهر مستقبلاً ويتطلّب القيام بها مهارة طبّية وعلمية متخصّصة، على أن تحدّد هذه الطرق بموجب قرار يصدر عن وزير الصحّة العامة بناء على اقتراح المدير العام للوزارة بعد استطلاع رأي نقابتي الأطباء في لبنان.
ثالثاً: ما هي الأصول الشكلية لإنشاء وإدارة مركز تجميل طبّي؟
بالإستناد إلى أحكام المادة ٣ من القانون 2017/30، تنشأ وتدار مراكز التجميل الطبّي الخاصة بترخيص صادر عن وزير الصحّة العامة بناء على اقتراح المدير العام للوزارة*.
يصدر الترخيص باسم الجهة المستدعية ويدوّن في سجّل خاص علني بمراكز التجميل الطبية وفقاً لشروط تحدّد بقرار يصدر عن وزير الصحّة العامة بناء على اقتراح المدير العام للوزارة. ولا يجوز فتح أيّ فرع آخر لمركز تجميل طبّي بذات الترخيص.
رابعاً: من يحقّ له طلب ترخيص مركز تجميل طبّي؟
حدّدت المادة ٤ الفئات التي يحقّ لها أن تتقدّم بطلب ترخيص لمركز تجميل طبّي، وهي المبيّنة أدناه:
• الأطباء المرخّص لهم بإدارة مركز تجميل طبّي من الحائزين على لقب إختصاصي في: الأمراض الجلدية- جراحة التجميل- جراحة الأنف والأذن والحنجرة- جراحة ترميم الفكّ والوجه وأيّ اختصاصي يضاف لاحقاً على جدول الإختصاصات الطبّية وذلك بقرار يصدر عن وزير الصحّة العامة بعد استطلاع رأي نقابتي الأطباء في لبنان.
• المستشفيات، شرط أن تكون متعاقدة مع طبيب مرخّص له وفق الأصول.
وأضافت النبذة ج في المادة ٥ من القانون عينه، أنّه على مركز التجميل، ضمن شروط الترخيص، إجراء عقد تأمين إلزامي لتغطية الأخطار الطبّية (Malpractice) الناتجة عن العلاجات والأضرار الناتجة عن المعدّات والتجهيزات الطبّية واستعمالها، على أن لا تقلّ قيمة التغطية عن 20 ضعف الحدّ الأدنى للأجور السنوي الساري في كلّ حين.
خامساً: ما هي العقوبات الجزائية التي يتعرّض لها من ينشئ ويدير ويمارس مهنة التجميل الطبّي خلافاً للأصول السالفة الذكر؟
يتعرّض من يفتح أو يدير مركزاً تجميلياً دون ترخيص إلى عقوبة المادة ٩ من قانون تنظيم ترخيص مراكز التجميل الطبيّة رقم 2017/30، والمحدّدة بالحبس من سنة إلى ثلاث سنوات وبالغرامة من عشرة ملايين إلى خمسين مليون ليرة أو بإحدى هاتين العقوبتين.
كما يعدّ ممارس مهنة التجميل الطبّي خلافاً للقانون، مرتكباً لجرم المادة ٣٩٣ من قانون العقوبات اللبناني التي عاقبت من زاول دون حقّ مهنة خاضعة لنظام قانوني، بالحبس ستّة أشهر على الأكثر وبغرامة من خمسين ألف إلى أربعمائة ألف ليرة.
ختامًا، يقتضي التذكير بالمخاطر الجسيمة الناجمة عن غياب الرقابة على المجال الذي تناوله هذا المقال وعدم تفعيل المحاسبة وفقاً للآلية التي تضمّنتها القوانين ذات الصلة، للحدّ من الممارسات الطبيّة غير القانونية، مع التشديد على دور الوعي الذاتي الذي يجب أن يتمتّع به كلّ مهتم بالخضوع لأيّ إجراء تجميلي وعدم الإنجرار وراء الإعلانات الترويجية البرّاقة والأسعار الزهيدة لقاء الخدمات المزمعة، واللجوء إلى أطباء الإختصاص للإطّلاع على النتائج المرتقبة والمضاعفات المحتملة ومن ثمّ الإقدام على الإجراء وهو على بيّنة من أمره، لئلا يكون ضحية أخرى من ضحايا المستهترين المتاجرين بحقّ الإنسان في سلامة جسده!
*(للإطّلاع على المستندات المطلوبة للإستحصال على ترخيص بفتح وإدارة مركز تجميل طبّي، لطفاً راجع قانون تنظيم شروط مزاولة مهنة إدارة مركز تجميل طبّي وشروط فتح مركز تجميل رقم ١٠٧٦ تاريخ 2017/6/14).
“محكمة” – السبت في 2022/4/30
*حفاظاً على حقوق الملكية الفكرية، يمنع منعاً باتاً على أيّ شخص، طبيعيًا كان أم معنويًا وخصوصًا الإعلامية ودور النشر والمكتبات منها، نسخ أكثر من 20% من مضمون الخبر، مع وجوب ذكر إسم موقع “محكمة” الإلكتروني، وإرفاقه بالرابط التشعّبي للخبر(Hyperlink)، كما يمنع نشر وتصوير أيّ خبر بطريقة الـ”screenshot” وتبادله عبر مواقع التواصل الإجتماعي وتحديدًا منها “الفايسبوك” و”الواتساب”، ما لم يرفق باسم “محكمة” والإشارة إليها كمصدر، وذلك تحت طائلة الملاحقة القانونية.