محاولة في قراءة دستورية لصلاحية حكومة مستقيلة في ظلّ شغور رئاسة الجمهورية/جهاد طربيه
المحامي جهاد طربيه:
يعيش لبنان في ظلّ حكومة مستقيلة منذ بدء ولاية المجلس النيابي الحالي بفعل أحكام الفقرة “ه” من المادة ٦٩ من الدستور، والظروف الحالية لا توحي بسهولة تأليف حكومة جديدة بالرغم من تكليف رئيس لتأليفها .
وهناك احتمال مرتقب بحسب الظروف السياسية القائمة يتمثّل بشغور موقع رئاسة الجمهورية في ٢٠٢٢/١٠/٣١ بفعل عدم انتخاب رئيس .
ممّا برّر طرح مسألة مدى دستورية جواز تولّي حكومة مستقيلة صلاحيات رئيس الجمهورية، ممّا استوجب هذه القراءة .
بالعودة إلى الدستور، فقد نصّت المادة ٦٢ منه على أنّه عند شغور سدّة رئاسة الجمهورية تنتقل وكالةً صلاحيات رئيس الجمهورية إلى مجلس الوزراء .
وللتذكير، فإنّ مجلس الوزراء هو من يتولّى السلطة الإجرائية بحسب المادة ١٧ من الدستور، بينما كانت السلطة السلطة الإجرائية مناطة برئيس الجمهورية بمعاونة الوزراء قبل تعديل الدستور سنة ١٩٩٠ .
فقبل التطرّق للمسألة الدستورية المتعلّقة بصلاحية حكومة مستقيلة بتولي صلاحيات رئيس الجمهورية، من البديهي الإجابة على السؤال التالي:
هل يحقّ للحكومة المستقيلة أساساً أن تقوم بكامل صلاحيات مجلس الوزراء المناطة به السلطة الإجرائية، وهي صلاحيات حدّدتها تفصيلاً المادة ٦٥ من الدستور؟
فعلى سبيل المثال، هل يحقّ لحكومة مستقيلة وضع السياسة العامة للدولة في جميع المجالات؟
هل يحقّ لحكومة مستقيلة حلّ مجلس النوّاب؟
هل يحقّ لحكومة مستقيلة أخذ القرار بتعديل الدستور وبإجراء الاتفاقيات والمعاهدات الدولية؟
من الواجب منطقياً، قبل القول دستورياً حتمية الاقرار بعدم جواز قيام حكومة مستقيلة بتولي كامل دور السلطة الاجرائية .
فمن جهة، سار الاجتهاد والفقه على أنّ دور الحكومة المستقيلة يقتصر على تسيير المرفق العام بالحدّ الأدنى لحين تشكيل حكومة جديدة؛
ومن جهة أخرى، في ظلّ حكومة مستقيلة يسقط حقّ محاسبة السلطة التشريعية للسلطة الإجرائية باعتبار أنّ وظيفة المحاسبة التشريعية للحكومة هي حجب الثقة عنها لتصبح حكومة مستقيلة (الفقرة “و” من المادة ٦٩ من الدستور) .
وعليه، كيف يمكن لحكومة مستقيلة أن تقوم بكامل مهام السلطة الاجرائية، وهي غير خاضعة للمساءلة والمحاسبة أمام المجلس النيابي؟
وفي حال الجواز، فماذا يبقى من تمايز دستوري بين حكومة مستقيلة وأخرى غير مستقيلة؟
وعليه، فإذا كان من غير الجائز دستوراً لحكومة مستقيلة أن تتولّى كامل صلاحيات السلطة الإجرائية، فكم بالحري أن يكون لها الحقّ بتولّي صلاحيات هيئة دستورية أخرى هي رئاسة الجمهورية عند شغور سدّة الرئاسة؟
فهل يعقل لحكومة مستقيلة أن تمارس صلاحيات رئيس الجمهورية، وهي صلاحيات تخرج عن إطار تسيير المرفق العام، لا بل تدخل حصراً في السياسة العامة للدولة؟
ومن هذه الصلاحيات :
• الطلب إلى مجلس الوزراء حلّ مجلس النوّاب (بحسب المادة ٥٥ من الدستور).
• تأجيل انعقاد مجلس النوّاب (بحسب المادة ٥٩ من الدستور).
• تولّي المفاوضات في عقد المعاهدات الدولية وإبرامها (بحسب المادة ٥٢ دستور).
وعليه، فإنّني أضع هذه القراءة الدستورية المتواضعة بتصرّف المعنيين لعلّها تفيد في معرض بحثهم عن ما يفيد المصلحة العليا للدولة .
“محكمة” – الجمعة في 2022/8/26