في قانونية وجدوى تسعير السلع الإستهلاكية بالدولار الأميركي/فرانسوا ضاهر
القاضي السابق والمحامي فرانسوا ضاهـر:
لقد نصّت المادة 5 من قانون حماية المستهلك رقم 659 تاريخ 2005/2/4 على التالي:”يتوجّب على المحترف، الإعلان عن الثمن بالليرة اللبنانية بشكلٍ ظاهرٍ يُلصقه إمّا على السلعة أو على الرفّ المعروضة عليه.”
غير أنّ هذا القانون ينظّم التعاملات التجارية في الظروف العادية، أيّ تلك التي تكون فيها مرتكزات ذلك التعامل ثابتة ومستقرّة، وبخاصة عندما يكون سعر صرف العملة الوطنية مستقرّاً،
أمّا في الظروف الإستثنائية كالتي تعيشها البلاد، نتيجة التدهور المطّرد الذي يصيب العملة الوطنية، والإنحلال الذي يطال كلّ قطاعات الإنتاج والخدمات، والإنهيار الذي أصاب المالية العامة كذلك القطاع المصرفي، فإنه بات يتعيّن على السلطات العامة أن تقرّ قوانين إستثنائية أو خاصة لمعالجة كلّ هذه الوضعية أو أن تتخذ، أقلّه، التدابير والإجراءات الآيلة الى التصدّي للتدهور التراكمي لقيمة العملة الوطنية ولَجم تأثيره السلبي على سعر السلع الإستهلاكية المُحتسب والمحرّر بتلك العملة.
وإنّ هذا الأمر لا يمكن تحقيقه إلاّ من خلال اعتماد مؤشّر ثابت (coefficient fixe) لتسعير تلك السلع يُستخرج حكماً من كلفة استيرادها بالعملة الصعبة التي تُستورد بها، فتضاف إليها المصاريف والأعباء المختلفة، كذلك الهامش الربحي المجاز قانوناً لتاجر الجملة، ومن بعده لتاجر المفرق (retail market).
بحيث يشكّل تسعير السلع الإستهلاكية بالعملة الصعبة على النحو المتقدّم مرتكزاً ثابتاً لتحديد قيمتها الفعلية، فيتمّ إخراج تلك التسعيرة من دائرة التقلّبات الحادة التي تخضع لها العملة الوطنية، كما من التلاعب بالتسعيرة إنطلاقاً من تلك التقلّبات.
علماً أنّ تسعيرة السلع الإستهلاكية بالعملة الصعبة:
– لا تُلزم المستهلك بشرائها بتلك العملة. بل تعطيه إمكانية إتمام عملية السداد تلك، إمّا بالعملة الصعبة ذاتها، وإما بالعملة الوطنية على سعر صرفها في السوق الحرّة في هذا التوقيت.
– وهي لا تضاعف الطلب على شراء العملة الصعبة من السوق الحرّة، ما دام ثابتاً أنّ سداد قيمة تلك السلع يمكن أن يتمّ بالعملة الوطنية، بشكلٍ تلقائي.
– وهي لا تشكّل أيضاً أيّ انتقاص من القوّة السياديّة للعملة الوطنية، لأنها ما زالت تُعتمد وسيلة إيفاء كاملة ومنجزة، وتتمتّع بـ ” قوة إبرائية غير محدودة في أراضي الجمهورية اللبنانية” كما أراده لها قانون النقد والتسليف (7 و8 قانون نقد وتسليف).
– كما ولا تنطوِ على “أيّ (فعل) إمتناع عن قبول العملة الوطنية” وهو الفعل الذي جرّمه قانون النقد والتسليف وعاقب عليه (192 قانون نقد وتسليف).
وفي أيّ حال، إنّ تسعيرة السلع الإستهلاكية بالدولار الأميركي تأتي ضمن ذات السياق الذي تمّ فيه تسعير بعض الخدمات التي تقدّمها الدولة لمواطنيها، من كهرباء وهاتف وماء وغيرها لاحقاً.
حتّى بات يقتضي أيضاً دولرة جداول وقيم المداخيل والرواتب والمنافع والمساعدات والتقديمات والتعويضات على اختلاف أنواعها وفئاتها في القطاعين العام والخاص، دون أيّ استثناء، بمقدار معقول أو بنسبة مخفّضة من قيمتها الدولارية، محتسبة على سعر الصرف الرسمي السابق للعملة الوطنية (كما بتاريخ 2019/10/17 أو على سعر صرفها الرسمي الحالي (كما بتاريخ 2023/2/1)، وذلك وفق مقترح كنّا قد فصّلناه ونشرناه سابقاً.
على اعتبار أنّ مثل هذا التدبير من شأنه أن يثبّت القوّة الشرائية لمداخيل المواطن من أيّ نوع كانت وأيّاً كان مصدرها، وأن يثبّت أيضاً للدولة اللبنانية مداخيلها. فيُخرج تلك المداخيل بوجهيْها من دائرة التدنّي المطّرد الذي يصيبها نتيجة الخفض الحاد والمتواصل الذي يلحق بسعر صرف العملة الوطنية.
“محكمة” – الثلاثاء في 2023/2/28