أبحاث ودراسات
إحتواء الأملاك الوقفية وتآكلها/ فؤاد مطر
المحامي فؤاد مطر:
الوقف هو صدقة جارية مستمرة يراد بها محض الثواب، ولا يجوز ان تقترن بما يدل على توقيت وعدم تأييد، فهو صدقة دائمة وان توقيته ينافي شرعيته.
ان الوقف يخرج عن ملكية الواقف ولا يبقى له عليه أيّ تصرّف أو حق من حقوق الملكية، ويصبح في حكم ملك الله تعالى، فلا يدخل في ملك أحد الناس، ولا يُباع ولا يوهب ولا يوصى به ولا يُرهن، لأنه خرج عن ملكية الناس، ولا يملك الرجوع عنه، حتى لا يجوز للواقف نفسه ان يديره إلا اذا اشترط لنفسه هذا الحق في صك الوقف.
إن زوال ملك العين عن الواقف الى الله تعالى على وجه تعود الى المنفعة العامة لجمهور المسلمين، ومتى لزم لا يباع ولا يوهب ولا يورث، فهو مصروف إلى الفقراء والمساكين الذين يستدام بهم الثواب.
الوقف نوعان: خيري وذري.
الوقف الخيري: هو الوقف الذي وقف على جهات الخير من حين انشائه كالوقف على المساجد والمستشفيات.
إن الوقف الخيري المتعلق بالمعاهد الدينية والمؤسسات الخيرية تابع للأحكام الشرعية والقوانين المرعية الخاصة به وللقرارات التي يتخذها المجلس الاعلى له علاوةً أو تعديلاً لإحدى مواد تلك القوانين حسبما يقتضيه الحكم الشرعي، وهو يشمل جميع الاوقاف المضبوطة والملحقة التي تديرها ادارة الاوقاف العامة (المادة 3 من قانون الوقف الصادر في 1947/3/10).
ينشأ الوقف الخيري سواءً أكان جمعية ام مؤسسة، بموجب حكم شرعي يصدر عن المحاكم الشرعية وهو ليس بحاجة الى علم وخبر من وزارة الداخلية، بل ان هذه الوزارة لا تملك حله او مصادرة املاكه وعقاراته وامواله.
ان القاضي الشرعي لا يملك حق منع إنشاء الوقف اذا كان هدف الوقف الخير العام، ولا يملك حق مصادرته أو حلّه، انما يملك ان يُحاكم متولي الوقف عن سوء الإدارة بناءً على شكوى تُقدم من اي مسلم.
إن الوقف الخيري هو عام وأفضل وأعمّ نفعاً وافضل مرتبة.
الوقف الذري: هو الذي يكون مشروطاً للواقف نفسه ومن ثم على اولاده وعلى ذريته ونسله، واذا انقطعت ذريته توقف الى جهة خيرية او الى مؤسسة دينية او الى فقراء مدينة ما، ويجوز ان يكون الوقف الذري ابدياً او مؤقتاً.
اما اذا لم يترك الواقف ورثة عاد الوقف الى ادارة الاوقاف العامة اذا لم يشترط الواقف جهة بر مؤبدة.
إن تسجيل الوقف يتم في المحكمة الشرعية والدوائر الرسمية، وتخضع جميع العقارات الوقفية لإدارة مصلحة الاوقاف.
وان سجلات دار المحفوظات للمديرية العامة للطابو وتسجيل الاراضي في أنقرة ايام الحقبة العثمانية، والحرص على نشر هذه الاوقاف والاملاك والسجلات عامة مطلوب خوفاً عليها من الضياع والاندثار.
واذا كانت الاوقاف تشكل كتلة مالية ضخمة لو احسن توظيفها وتثميرها إلا انها بدأت منذ امد تتضاءل وتضعف وتضيع، بدلاً من انشاء مؤسسات استثمارية لتنمية الموارد وتأمين دخل للوقف والافراد ضماناً للاستمرارية والاستقرار.
إن القيمين على الاوقاف يعلمون ان بيع العقار الوقفي عمل مكشوف وفاضح، لذا يعمدون الى استبدال املاك الوقف بأخرى قد تكون أقل انتاجاً، ثم يدّعي القيمون بعد فترة بأنهم وجدوا عقاراً افضل من العقار البديل، فيبيعونه مجدداً، وفي كل مرة كانت تباع فيه املاك الاوقاف كانت هذه الاملاك تتآكل وتتفتت وتضيع بالرغم من ان عملية الاستبدال هذه لا تتم الا بعد موافقة القاضي الشرعي، كما ضاعت بعض الاوقاف بسبب عدم الاعتناء بها وعدم الانفاق عليها من وارداتها لصيانتها او ترميمها او اصلاحها، وان الاستبدال يتم على جميع العقارات الوقفية ما خلا الجوامع.
ويجوز استبدال الوقف بأموال وبأملاك اخرى في مناطق اخرى.
إن طلبات استبدال الاوقاف المضبوطة والملحقة الذرية والبت فيها، وبجميع ما يتعلق بها من معاملات التخمين والمزايدة يرجع الى مجالس الاوقاف الادارية المحلية وفقاً لأحكام القرار 10 الصادر في 1930/12/27 النافذة احكامه.
ومن شروط صحة الاستبدال:
1 – ان لا يكون المتولي متهماً بالتصرف تصرفاً مسيئاً في الوقف.
2 – الا يكون بيع العقار الموقوف بغبن فاحش، وان لا يُستبدل الوقف الجيد بوقف رديء.
3 – ألا يباع الوقف أو يُستبدل بدين على المتولي للمشتري.
4 – لا يجوز التصرف بأموال الوقف المباع او المستبدل إلا للغاية ذاتها، اي شراء عقار آخر بالثمن نفسه وللغاية نفسها واذا كان العقار الجديد اكبر وأغلى من العقار القديم يمكن اضافة اموال لشرائه.
يقوم المتولي بتحصيل الواردات ويوزعها على المستحقين في وجوهها الخيرة، وان محاسبته او طلب عزله لتقاعسه عن تصريف امور الوقف او من تحوم حوله الشبهات او خيانته، وان الخصم في دعوى الوقف هو المتولي دون غيره، ولا يستطيع ان يخاصم المتولي من غير ان يستحصل على اذن بذلك من القاضي، ويعتبر رئيس ديوان الاوقاف متولياً لكل وقف لا متولى له.
وفي عزل المتولي فقد نصت المادة 31 من قانون الوقف الذري انه “يجوز للمحكمة الشرعية اثناء النظر في دعوى متعلقة بالوقف مهما كانت ان تعزل المتولي إذا رأت في بقائه ضرراً للوقف او المستحقين ولها ان تقيم متولياً مؤقتاً اثناء رؤية دعوى العزل الى ان يفصل فيها نهائياً.
ان هذه المادة تتضمن حكمين:
1 – حق المحكمة الشرعية في عزل المتولي اثناء النظر في اية دعوى متعلقة بالوقف.
2 – حق المحكمة الشرعية في تعيين متولٍ مؤقت اثناء رؤيتها دعوى العزل.
في الحكم الاول، فإنّ السبب المبرر للعزل هو ازالة الضرر بالوقف والمستحقين، وهو عام شامل لجميع اسباب العزل المعروفة، فيتناول سوء التصرف، او سوء الادارة، او عدم مراعاة شروط الوقف الى غير ذلك من الامور، ويجوز ان يكون العزل من الولاية على الوقف كله او بعضه عزلاً كاملاً دائماً او عزلاً مؤقتاً جزئياً.
والحكم الثاني، فإنه يجيز للمحكمة الشرعية تعيينم متولي مؤقت اثناء رؤية دعوى العزل الى ان يفصل فيها نهائياً، اذ ان العزل الدائم وهو من صلاحية المحكمة الشرعية أشد خطراً من العزل لمدة مؤقتة ريثما تنتهي الدعوى، وتعيين متولٍ دائم أبعد مدى من تعيين متولٍ لفترة من الزمن محددة، وما غاية الشارع من ايراد هذه القاعدة سوى ثنيه المحاكم على امكانية اتخاذ تدبير كهذا، وفائدته هو رفع الضرر الذي يخشى وقوعه.
إن جمعية المقاصد الخيرية الاسلامية في بيروت بعد تأسيسها عام 1878م بسنوات قليلة طلبت من الحكومة العثمانية تسليمها بعض الاوقاف الاسلامية للاستعانة بوارداتها ولتوسيع نشاطاتها ولإقامة مدارس للإناث والذكور، وقد استجابت الحكومة العثمانية وكان للأملاك الوقفية دور اساسي في ارساء دعائم مؤسسات جمعية المقاصد التي تتولى كذلك مدافن المسلمين وتدير امورها.
وسوف نسرد ثلاث حالات تم فيها احتواء الاملاك الوقفية دون وجه حق، تمثل افتئاتاً على حقوق المسلمين.
1 – وقف سكة حديد الحجاز الذي يقع في ساحة البرج في بيروت وهو اكبر عقار تسهيلاً لطريق الحج في حينه وهذه السكة خربها لورنس خلال الحرب العالمية الاولى.
2 – التنازل الذي تم عن احد عشر عقاراً داخل الوسط التجاري لبيروت (مساحة 14,401م²) لصالح شركة سوليدير.
3 – اقتطاع 71,770م² من وقف مقام الخضر في بيروت.
إن وقف مقام الخضر اعلن حجيته الوقفية بتاريخ 1927/7/5، وقد تضمن ارض بور مساحتها 75,903 متراً مربعاً، وكان يحتوي على مسجد بني عام 1661، ومدرسة، ومدفن للمسلمين الذين سقطوا اثناء الاحتلال الفرنسي، وشهداء انتفاضة 1958.
يتبين من خلال افادة عقارية (تاريخ 1963/8/8 رقم 3133) ان مساحة العقار رقم 356 من منطقة المدور العقارية، انها بملكية المديرية العامة للاوقاف الاسلامية بإسم وقف مقام الخضر، وكانت مساحتها 75,903 أمتار مربعة، ولكن بالافراز الذي جرى عليه من قبل الدوائر الفنية في 1934/5/28، قطعة اعطيت رقم 706 فأصبحت بمساحة 4733م² ولم يسدد ثمنها، ولم يتم الافراز بناء على مرسوم استملاك او اي اجراء قانوني، وقد قامت بذلك الدائرة الفنية لدى امانة السجل العقاري دون حسيب او رقيب، وقبيل انتهاء ولاية الرئيس امين الجميل بساعات وهب من املاك بلدية بيروت في قاطع نهر بيروت، مئتي الف متر مربع لجمعية راهبات المحبة خلافاً للقانون لعدم مراجعة محاسب بلدية بيروت وذلك بموجب قرار اصدره وزير الداخلية يومذاك وترافق ذلك مع تقليص مساحة عقار وقف مقام الخضر بدون استبدال المساحة المقتطعة بعقار آخر.
بتاريخ 1999/11/11 وجهت الجمعية الخيرية لرعاية اطفال لبنان كتباً الى الرئاسات الثلاث تطالب بإرجاع الحق الى الطائفة السنية بأرض وقف جامع الخضر لكن دون جدوى.
علينا تقديم دعاوى قياساً على ما قامت به جمعية محمد الامين حيث اثبتت بها ان ارض الجامع هي وقف خيري وقد تبرع بها السلطان عبد الحميد العثماني الذي اعطى المسلمين ارضاً لبناء مسجد وارضاً للمسيحيين لبناء كنيسة (مار جريس الحالية).
نتقدم باقتراحات حلول اصلاحية لأملاك الوقف:
– تحصين ادارة الاوقاف عن كافة اشكال النفوذ والمداخلات السيااسية وتأمين استقلاليتها في التعيين والمناقلات والتمويل.
– إيلاء قضية استرداد العقارات الوقفية الاهتمام اللازم.
– تشديد شروط وضوابط الاستبدال.
– تحرير الاوقاف من التعديات وجردها وتقييم قيمتها المالية.
– الشروع في اجراءات التحقيق والتدقيق في الاحوال الادارية والمالية للأوقاف الاسلامية.
– عزل المتولي غير الكفوء واعادة النظر بالطاقم الاداري لمفتشية الاوقاف بما يؤول الى ايجاد هيكلية تنظيمية لها تستطيع ان تنهض بدورها الرقابي.
– ايجاد صندوق خاص للصيانة والتطوير.
– استثمار الاوقاف بمشاريع انتاجية تدر ارباحاً مالية وتوظيفها للانماء وتوفير مساكن للشباب.
– توظيف كوادر متخصصة تتمثل بالكفاءة والجدارة والعلم والنزاهة.
“محكمة” – السبت في 2023/7/22