تعليق قانوني على قرار”إتهامية بيروت” بخصوص استئناف قرار ترك رياض سلامة واستدعائه إلى جلسة/هيثم عزو
المحامي الدكتور هيثم عزُّو (منسّق الدائرة القانونية لروّاد العدالة):
حيثُ يقتضي التنويه بدايةً بأنَّنا وإذ كنا من الذين حمَّلوا حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة مسؤولية الانهيار المالي والمصرفي ورعايته للهندسات المالية الفاسدة، الاَّ أننا حينما نتكلم في القانون نتجرَّد من مشاعرنا ونحتكم فقط لأحكام النصوص القانونية دون غيرها.
وحيثُ إنَّ الهيئة الاتهامية المناوبة في بيروت(المؤلفة من القضاة ميراي ملاك رئيساً ومحمد شهاب وفاطمة ماجد مستشارين) كانت قد قضت بتاريخ 2023/8/3 بقبول استئناف الدولة شكلاً واساساً والواقع على ما أسمتهُ بـ”القرار الضمني بالترك” الصادر عن قاضي التحقيق الأول في بيروت بالإنابة شربل أبو سمرا والذي قضى فيه بترك المدعى عليه رياض سلامة رهن التحقيق، في ظل ارجاء الجلسة بعد استجوابه لموعد جديد آخر يُعقَد بتاريخ 2023/8/10، وقد خلُصَت الهيئة في قرارها الى دعوتهِ لجلسة تُعقَد أمامها بتاريخ 2023/8/9.
وحيثُ لا بدَّ من التنويه بدايةً، بأنَّهُ لا يجوز لقاضي التحقيق قانوناً ترك المدعى عليه (رهن التحقيق)، باعتبار انَّ هكذا قرار لا يندرج ضمن القرارات التي يحق له قانوناً اتخاذها، فهوَ ليسَ نيابة عامة ليتماثَل بقراراتها حين اجرائها التحقيقات الاولية وخاصةً انَّ القانون الناظم لأصول المحاكمات الجزائية قد ميَّز بينَ القرارات التي يتخذها قبل واثناء وبعد ختام التحقيق ولا يوجد بتاتاً من بينها قرار الترك “رهن التحقيق”، بل يوجد إمَّا قرار بترك المدعى عليه (أي حراً أو بسند إقامة) في حال كان قد أحيلَ اليه موقوفاً بالصورة الاحترازية arrêt préventif من النيابة العامة، واما قرار بتوقيفه بالصورة الاحتياطية وجاهياً أو غيابياً لتعذر استجوابه نتيجة تواريه عن الأنظار وعدم العثور عليه وإمَّا الاستعاضة عن ذلكَ التوقيف بوضعه تحت المراقبة القضائية.
وحيثُ انَّ قاضي التحقيق بإرجائه الجلسة لموعد جديد واعتبار كل الحاضرين مبلغين لها -بما فيهم المدعى عليه المستأنَف عليه- لا يمكن ان يُستنتَج معهُ قانوناً بوجود قرار ضمني بالترك، ولا يوجد أصلاً في الحقل الجزائي قرارات قضائية ضمنية، الأمر الذي يقتضي معهُ اعتبار الاستئناف غير ذي موضوع وخاصةً أنَّ قرار قاضي التحقيق يُستشّف معه صراحةً أنَّهُ قد دعاه لجلسة أخرى، أي لم ينه استجوابه بعد بصورة نهائية.
وحيثُ إنَّهُ وعلى كلِّ حال، تقتضي الاشارة أيضاً بأنَّهُ ليسَ للهيئة الاتهامية كمرجع استئنافي لقرارات قاضي التحقيق أن تتصدى للملف وتدعو المدعى عليه لجلسة أمامها من أجل استجوابه أو التوسع بالتحقيق معهُ بالاستناد الى طعن يتعلق بقرار تركه، باعتبار أنَّ القانون الآنف الذكر يعطيها في هذه الحالة حقاً واحداً فقط لا غير وهو إما تصديق القرار المستَأنَف أمامها وإما فسخه واصدار مذكرة توقيف بحقه، دونَ أي تحقيق، وخاصةً أنَّ للإستئناف مفعولاً ناشراً في إطار موضوعه فقط، على ما نصت عليه الفقرة الاولى من المادة ١٣٧ اصول جزائية وهو هنا فقط”قرار الترك الضمني” المزعوم، بحيثُ إنَهُ طالما فسخت هذا القرار -وبصرف النظر عن عدم صحة تسليمنا بوجوده، ولكن على سبيل الاستطراد والنقاش والجدل القانوني Et pour complément de droit -كانَ عليها لزاماً ان تصدر قراراً في موضوع الاستئناف يقضي بتوقيفه غيابياً أو الاستعاضة عن توقيفه بوضعه تحت المراقبة القضائية، وذلكَ بعدَ استطلاعها لرأي النيابة العامة الاستئنافية في هذا الشأن مراعاةً للأصول الجوهرية وليس فسخ القرار موضوع الاستئناف والتصدي لموضوع اخر موضوعه التحقيق معه في أساس الملف بدعوته لجلسة تُعقَد أمامها من أجل استجوابه وبدون استطلاع رأي النيابة، وفي الوقت التي لا حق لها اطلاقاً في هذه الحالة بإجراء تحقيق إضافي مع المدعى عليه، الأمر الذي يعني معهُ أنها فسخت قراراً دونَ أن تحل محله قراراً اخر مناقضاً له وهو دون شك مخالفة قانونية صارخة للأصول، لكونها لم ترتِّب النتائج القانونية مباشرةً على قرارها الفاسخ والواقع في غير موقعه السليم.
وحيثُ إنَّ ما يؤكِّد ذلكَ هو أنَّ الحالات التي يحق فيها للهيئة الاتهامية تقرير دعوة المدعى عليه أمامها من أجل التوسّع في التحقيق معهُ هي حالات محددة على سبيل الحصر في نص المادة ١٣٢ أصول جزائية ولا تكون الاَّ بعدَ صدور القرار النهائي عن قاضي التحقيق في الملف سواء بالظن بجنحة، او اعتبار الفعل جناية واحالته الملف للنيابة العامة لتودعه الهيئة الاتهامية مشفوعاً بتقريرها، على ما نصت عليه المادة ١٣٠ منه. وهنا، وفقط في هذه الحالة، إذا وجدت الهيئة الاتهامية نقصاً أو غموضاً في التحقيق أو عدم كفايته- والذي سبقَ أن أجراه قاضي التحقيق والذي ارتفعت يده كلياً عن الملف بقراره النهائي- يجري رئيسها تلقائياً تحقيقاً تكميلياً اضافياً أو يكلِّف أحد مستشاريه بذلك، على ما نصت صراحةً المادة ١٣٢ منهُ، أو اذا طلبَت منها ذلك النيابة العامة او المدعي او المدعى عليه على ما نصت عليه المادة ١٣٤ منهُ وذلكَ لا يمكن ان يكون الاَّ في حال أحيلت اليها الدعوى من قاضي التحقيق في القضايا الجنائية لبت أمر الاتهام -بحكم كونها سلطة اتهام جنائي، فتمحصّ حينها في التحقيق الابتدائي وتتحرى عمَّا اذ كان هناك أشخاص توافرات بحقهم أدلة لاتهامهم وكان قاضي التحقيق قد أغفلهم في قراره النهائي الذي به ترتفع يده عن الدعوى، حيثُ تُجري تحقيقات إضافية في هذا الصدد بعد صدور قراره المذكور وبدليل معنى حرفيَّة النص المذكور الذي جاء فيه صراحةً:”للهيئة الاتهامية وبصرف النظر (عما انتهى اليه قرار قاضي التحقيق المُحال أمامها)….ان تجري أي عمل تحقيقي اضافي…”.
وحيثُ إنَّهُ وعلاوة على ذلك، فإنَّ الحالات التي يحق فيها للهيئة الاتهامية ممارسة حق التصدي Droit d’évocation والذي يُخوِّلها توجيه الدعوات للحضور أمامها وإجراء التحقيقات والتعقبات، هي محددة أصلاً على سبيل الحصر في المادة ١٤٠ منهُ وهي:
– حالة فسخها بنتيجة الطعن المقدم ضمن المهلة القانونية لقرار قاضي التحقيق الذي رفض فيه اتخاذ اجراء أو امتنع القيام بعمل تحقيقي، حيثُ تتولى هي عندئذٍ القيام بالإجراء أو العمل التحقيقي بدلاً منه، ولها حينها أن تتصدى للأساس، أو أن تحيل الملف الى قاضي التحقيق الأول لكي يتابع التحقيقات شخصياً أو يحيل الملف لقاضي تحقيق اخر غير مُصدِر القرار المطعون فيه.
– حالة فسخها بنتيجة الطعن المقدم ضمن المهلة القانونية لقرار قاضي التحقيق الذي انتهى فيه الى منع المحاكمة عن المدعى عليه أو عدم السير بالدعوى العامة لسبب أو أكثر من الأسباب المتعلقة بالدفوع الشكلية المنصوص عنها في المادة 73 أصول جزائية.
– حالة اصدار قاضي التحقيق لقرار نهائي بعدَ ختام التحقيق، اعتبرَ فيه فعل المدعى عليه من نوع الجناية، حيثُ يجوز هنا للهيئة الاتهامية أن تتناول في تحقيقاتها جميع الاشخاص الذي يثبت اسهامهم في الجرائم التي يظهرها التحقيق والمتلازمة مع الجريمة الاصلية المدعى بها، دونما حاجة لادعاء بشأنها من النيابة، كونها -كما قاضي التحقيق- تضع يدها على الدعوى بصورة عينية على كل ما هو ذي صلة بموضوع الدعوى العامة ولكن عليها بعد انتهاء تحقيقاتها الإضافية ان تعيد الملف للنيابة العامة لإبداء مجدداً مطالعتها في الأساس، ولتصدر من ثمَّ قرارها النهائي، في ضوء معطيات الملف والتحقيقات الإضافية التي أجرتها.
بناءً عليه، انَّ الطعن في قرار ترك المدعى عليه أو تخلية سبيله لا يولي الهيئة الاتهامية حق التصدي للأساس أو/ و دعوته لاستجوابه أو التوسع بالتحقيق معه، لإصدار قرارها على ضوء ذلك.
وحيثُ يقتضي التنويه أخيراً، بأنَّ الخطأ الذي وقعت فيه الهيئة الاتهامية مُصدرة القرار المطعون فيه لا يمكن تصحيحه الاَّ من خلالها، اذ لا يمكن الطعن في قرارها موضوع التعليق بطريق النقض لمخالفته القانون، باعتبار أنَّ 143 قضت صراحةً بعدم امكانية الطعن في قراراتها أمام محكمة التمييز إلاَّ للأسباب المبينة في المادتين 306 و307 من هذا القانون، حيثُ الأولى تشترط توافر شرط الاختلاف في الوصف القانوني للفعل الجرمي بين قاضي التحقيق والهيئة الاتهامية وهو ليس موضوع الطعن الاستئنافي، في حين أنَّ الثانية تتعلق فقط بالقرارات القاضية بمنع المحاكمة عن المدعى عليه أو بعدم قبول دعوى الحق الشخصي للمدعي لعلَّة انتفاء صفته للإدعاء.
“محكمة” – السبت في 2023/8/5