القاضي زاهر حمادة “يميّز” قرار “اتهامية بيروت”: ماذا لو نجم عن استيفاء الحقّ بالذات داخل المصارف موت إنسان؟/علي الموسوي
المحامي المتدرّج علي الموسوي:
حرّك القرار القضائي الصادر عن الهيئة الاتهامية في بيروت والمتعلّق باعتبار الإبقاء على الموظّفين داخل المصرف خلال استيفاء المودع حقَّه بالذات ليس خطفًا وليس حرمانًا من الحريّة، النقاش القانوني في أوساط القضاة والمحامين والحقوقيين كونه الأوّل من نوعه في المنحى الذي سلكه في التفسير والتعليل، على الرغم من أنّ اللبنانيين تعرفوا عن كثب، إلى جرم استيفاء الحقّ بالذات مع اندلاع الأزمة المالية والمصرفية حتّى بات من النوع الخطر إذا ما ترافق هذا الاستيفاء مع اقتراف جريمة قتل مثلًا، وهو ما لم يحصل في الأحداث السابقة، لكن لا يمكن نفي إمكانية وقوعه مستقبلًا.
وخالفت الهيئة الاتهامية برئاسة القاضي ماهر شعيتو في قرارها المذكور، ما ذهب إليه قاضي التحقيق باعتبار الخطف وحجز الحرّية جناية منفصلة عن جنحة استيفاء الحقّ بالذات، فيما رأت الهيئة الاتهامية أنّ نيّة المودع لم تتجه عند التخطيط لاقتحام المصرف أو دخوله بطريقة احتيالية بهدف استرجاع وديعته أو جزء منها، إلى ترهيب الموظّفين ومن يصادف وجوده من الزبائن(العملاء) والإستعانة بهم كرهائن لإلزام المصرف على الرضوخ لشرطه الوحيد والرئيسي بأخذ أمواله للتصرّف بها كيفما يحلو له العيش. كما أنّ الخطف وحجز الحرّية والحرمان منها ذاب في جرم استيفاء الحقّ بالذات فكان أن ظنّت بالمدعى عليهما الإثنين بجنحة الاستيفاء ومنعت المحاكمة عنهما لجهة جناية الخطف.
وإزاء هذا الإختلاف في الوصف القانوني بين قراري قاضي التحقيق والهيئة الاتهامية، تدخّلت النيابة العامة الاستئنافية في بيروت ممثّلة بالمحامي العام الاستئنافي القاضي زاهر حمادة، وقدّمت استدعاء أمام محكمة التمييز الجزائية- الغرفة الثالثة برئاسة القاضي سهير الحركة، طالبة نقض قرار الهيئة الاتهامية لمخالفته القانون والخطأ في تفسيره.
ويتبدّى من متن الاستدعاء التمييزي، أنّ النيابة العامة الاستئنافية وجدت في قرار الهيئة الاتهامية “خطورة” على المجتمع إذا ما جرى اعتماده بصورة نهائية، مع العلم أنّ حالات الدخول إلى المصارف كانت مختلفة كما ظهر سابقًا بين الإقتحام السلمي والدخول عنوةً وبالقوّة وشهر السلاح الحقيقي والخلّبي، فتساءلت النيابة عمّا يكون عليه الموقف لو ألقيت قنبلة حقيقية كان يحملها أحد المدعى عليهما داخل مصرف “فرنسبنك” ونتج عنها مقتل أيّ شخص من الموجودين، أفلا يستوجب هذا الأمر الملاحقة بجناية القتل؟ “وإذا كان هذا السياق الطبيعي لتطبيق القانون، فماذا يتغيّر عند ارتكاب جناية حجز الحرّية وجنحة التهديد بالسلاح؟” على حدّ استفسارها.
والحقّ يقال إنّ قرار الهيئة الاتهامية والاستدعاء التمييزي للنيابة العامة بانتظار كلمة محكمة التمييز وقراءتها المحض قانونية للمسألة المطروحة، أشعلا زيت النقاش الحقوقي وتجاوزا جمود الكثير من القرارات والأحكام المستهلكة، وفي مثل هذا الأمر فليتنافس المتنافسون!
“محكمة” تتفرّد بنشر الاستدعاء التمييزي الممهور بتوقيع المحامي العام الاستئنافي في بيروت القاضي زاهر حمادة، كاملًا وذلك على الشكل التالي:
“جانب محكمة التمييز الجزائية
إستدعاء تمييزي
مقدّم
من المميّزة: النيابة العامة الاستئنافية في بيروت
ضدّ المميّز بوجههما: ع.م.ح.، و.و.م.
القرار موضوع الطعن: الصادر عن الهيئة الاتهامية في بيروت برقم 745 تاريخ 2023/12/12 والمنتهي إلى الظنّ بالمدعى عليهما بمقتضى الجنحتين المنصوص عنهما في المادتين 430/429 عقوبات و72 أسلحة ومنع المحاكمة عنهما بالجناية المنصوص عنها في المادة 569 عقوبات، وبالجنحة المنصوص عنها في المادة 573 منه لعدم تحقّق عناصرهما.
أوّلًا: في الشكل:
بما أنّ الطعن مقدّم ضمن المهلة القانونية.
وبما أنّ القرار الصادر عن حضرة قاضي التحقيق قد اعتبر فعل المدعى عليهما من نوع جناية المادة 569/عقوبات وظنّ بهما بالجنح الأخرى فضلًا عن جنحة المادة 573/عقوبات.
وبما أنّ القرار المطعون فيه قد اعتبر أنّ جرم المادة 569/عقوبات قد استُغْرق بظرف التشديد بجرم استيفاء الحقّ بالذات الوارد ذكره في المادة 430/عقوبات وهو الأمر ذاته الذي ينطبق على جرم المادة 573/عقوبات أيّ التهديد بالسلاح، ليخلص إلى عدم تحقّق عناصر الجرمين المذكورين وصولًا إلى منع المحاكمة بهما.
وبما أنّ شرط الإختلاف في الوصف القانوني للفعل بين قاضي التحقيق والهيئة الاتهامية المنصوص عنه في المادة 306/أ.م.ج. يكون بالتالي متحقّقًا.
وبما أنّه يقتضي قبول الاستدعاء التمييزي بالشكل لاستيفائه كافة الشروط.
ثانيًا: في الأساس:
بما أنّ للنيابة العامة الاستئنافية أن تطعن في قرارات الهيئة الاتهامية القاضية بمنع المحاكمة من دون التقيّد بأسباب التمييز الواردة في المادة 306/أ.م.ج. وفق منطوق المادة 307/أ.م.ج.
وبما أنّه بتاريخ 2023/11/26 دخل المدعى عليه ع.ع.ح. يرافقه المدعى عليه و.م. وكلاهما من بلدة ف. البقاعية إلى مصرف فرنسبنك فرع فردان، وعندما تمّ رفض طلب الأوّل بإعطائه وديعته بالدولار الأميركي، أقدم على شهر قنبلتين يدويتين، إحداهما حقيقية والأخرى مزيّفة، وقام الثاني بإقفال باب الفرع وتحت وطأة التهديد بقي مستخدمو المصرف ومودع وزوجته داخل الفرع من الساعة العاشرة صباحًا لغاية الساعة الخامسة والنصف17/30 عندها دخل شخص ثالث على خطّ الوساطة دفع مبلغًا ماليًا للمدعى عليه الأوّل ح. الذي سلّم نفسه للقوى الأمنية مع المدعى عليه الثاني مع الإتفاق بعدم قيام المصرف بالادعاء.
وبما أنّ المادة 431/عقوبات نصّت على أنّ الملاحقة في جرم استيفاء الحقّ بالذات بصورتيه البسيطة أو المشدّدة تتوقّف على شكوى الفريق المتضرّر إذا لم تقترن الجنحة المذكورة بجريمة أخرى يجوز ملاحقتها بلا شكوى.
وبما أنّ المادة 430/عقوبات قد شدّدت العقوبة في حال كان من استعمل الإكراه شخص مسلّح، ورغم ذلك فإنّ القرار المطعون فيه قد ظنّ بجنحة حمل السلاح دون ترخيص المنصوص عنها في المادة 72/أسلحة كونها جريمة أخرى مستقلّة ولم يعتبر القرار المطعون فيه أنّ جرم حمل السلاح دون ترخيص مشمول بظرف التشديد المنصوص عنه في المادة 430/عقوبات، في حين أنّه اعتبر أنّ هذا الظرف قد استغرق جرم حجز الحرّية المنصوص عنه في المادة 569/عقوبات وجرم التهديد بالسلاح المنصوص عنه في المادة 573/عقوبات.
وبما أنّ المدعى عليهما قاما بحجز حرية مستخدمي فرع المصرف وأحد المودعين وزوجته تحت التهديد بالسلاح وذلك لعدّة ساعات من أجل إكراه المصرف على تسليمهما مبلغًا من المال يعتبره المدعى عليه الأوّل وديعته، ما يستتبع تحقّق عناصر جناية حرمان الأشخاص حرّيتهم بفعل جماعة من شخصين كانا عند ارتكابه مسلّحين، المنصوص عنها في المادة 7/569 عقوبات، فضلًا عن تحقّق عناصر جرم التهديد بالسلاح المنصوص عنه في المادة 573/عقوبات.
وبما أنّ ثمّة تساؤلًا يطرح في هذه القضيّة، فلو قام المدعى عليهما أو أحدهما برمي القنبلة وتفجيرها ونجم عن ذلك موت إنسان، ألا يستوجب ذلك ملاحقة المدعى عليهما بجناية القتل؟ وإذا كان هذا السياق الطبيعي لتطبيق القانون، فماذا يتغيّر عند ارتكاب جناية حجز الحرّية وجنحة التهديد بالسلاح؟
وبما أنّه كما سبقت الإشارة، فإنّ المادة 431/عقوبات نصّت على ملاحقة جريمة أخرى ارتكبت في معرض استيفاء الحقّ بالذات.
وبما أنّ استيفاء الحقّ بالذات يفترض أن يقع على الشخص المعني المعتدي على الحقّ وليس على أيّ شخص سواه، كسائر المستخدمين في فرع المصرف أو الأجراء أو حارس الأمن أو أحد المودعين وزوجته أو سائر عملاء المصرف إنْ وجدوا.
وحيث إنّ ذهاب القرار المطعون فيه خلاف هذا المذهب، يعتبر مخالفة للقانون وخطأ في تفسيره ما يستتبع نقضه لهذا السبب.
لذلك
تطلب المميّزة قبول الاستدعاء التمييزي شكلًا لاستيفائه كافة شروطه الشكلية وقبوله في الأساس لمخالفة القانون والخطأ في تفسيره، وبالتالي نقض القرار المطعون فيه والتقرير مجدّدًا باعتبار فعل المدعى عليهما من نوع جناية المادة 569/ق.ع. والظنّ بهما بمقتضى المادة 573/ق.ع. فضلًا عن الجنح المظنون بها، واتباع الجنحة بالجناية للتلازم وإيجاب محاكمة المدعى عليهما أمام محكمة الجنايات في بيروت وتضمينهما النفقات كافة.
بيروت في 2023/12/14.”
“محكمة” – الخميس في 2023/12/14
*حفاظاً على حقوق الملكية الفكرية، يمنع منعاً باتاً على أيّ شخص، طبيعيًا كان أم معنويًا وخصوصًا الإعلامية ودور النشر والمكتبات منها، نسخ أكثر من 20% من مضمون الخبر، مع وجوب ذكر إسم موقع “محكمة” الإلكتروني، وإرفاقه بالرابط التشعّبي للخبر(Hyperlink)، كما يمنع نشر وتصوير أيّ خبر بطريقة الـ”screenshot” وتبادله عبر مواقع التواصل الإجتماعي وتحديدًا منها “الفايسبوك” و”الواتساب”، ما لم يرفق باسم “محكمة” والإشارة إليها كمصدر، وذلك تحت طائلة الملاحقة القانونية.