هل من مخرج دستوري للنظر مجدداً بقانون الإيجارات رغمَ اقراره من مجلس النواب وإصداره من الحكومة؟!/هيثم عزو
المحامي هيثم عزو:
عطفاً على مقالنا السابق المنشور في موقع مجلّة “محكمة”، والذي أشرنا فيه الى أنَّ قانون الايجارات للاماكن غير السكنية الذي كانَ قد أقرّه المشترع قد أصبحَ واجب النشر دستورياً في الجريدة الرسمية وذلكَ لقيام الحكومة التي تمارس وكالة وموقتاً صلاحيات رئيس الجمهورية بالمصادقة عليه عن طريق اتخاذها في جلستها الأخيرة قرار اصداره وذلكَ سنداً لأحكام المادة 75 من الدستور والذي يُستشف صراحةً منها على أنَّ نشر القانون يصبح واجباً الزامياً لا محالة في ثلاث حالات هي:
1- إذا تم إصداره.
2- إذا انقضت مهلة إصداره المحددة دستورياً دون أن يتم اصداره ودونَ أن يتم احالته خلالها لمجلس النواب من أجل دراسته مجدداً.
3- إذا تمت احالته واعادته لمجلس النواب الذي أقرّه مرفقاً بالملاحظات عليه، ثمَّ عادَ من جديد هذا المجلس على التأكيد عليه بعد مناقشة مرة أخرى له وذلك بموافقة الأغلبية المطلقة عليه من مجموع عدد الأعضاء الذين يؤلّفون المجلس قانوناً (أي 65 نائباً من أصل 128).
وعليه، لا يمكن في هذه الأحوال إعادة النظر في القانون مرة أخرى ويكون النشر نتيجة دستورية ملزمة لا مفر منها.
ولكن السؤال الجوهري الذي يطرح على بساط البحث العلمي يكمن في معرفة ما إذا كان يوجد من وسيلة قانونية يمكن معها إعادة النظر بقانون تمَّ إصداره وذلكَ لاعتبارات هامة تبرّر ذلك؟
في الحقيقة، نحن نرى بأنّهُ يوجد طريقتان تشكلان مخرجاً لتلك المعضلة وهما على النحو الاتي:
أولاً- سحب قرار اصدار القانون: من المعروف أنَّ اصدار القانون يتم بقرار اداري من رئيس الجمهورية أو من الحكومة التي تحل وكالة محله حال خلو سدة الرئاسة. وطالما أنَّ الإصدار للقانون هو قرار اداري في وصفه القانوني، فإنّهُ من المستقر فقهاً واجتهاداً أنَّ أي قرار اداري يمكن سحبه Retrait واسترداده وإلغاء واعدام كافة مفاعيله بأثر رجعي يعود لتاريخ صدوره ويُعتبَر حينها كأنه لم يُكن وذلك يتحقق بصدور قرار جديد من المرجع الإداري الذي أصدره عملاً بمبدأ توازي الأشكال والاختصاص.
بيدَ أنَّ القانون يشترط لممارسة ذلك المرجع الاداري هذه الصلاحية التقديرية له أن يكون القرار الإداري المطلوب سحبه واسترداده مخالفاً للدستور أو مشوباً بعيب من عيوب عدم المشروعية القانونية أو تكون الغاية من سحبه ابتغاء الصالح العام Intérêt public (كأن يكون قرار اصدار القانون مثلاً غير موقَّع عليه من جميع الوزراء في الحكومة التي حلّت وكالةً محل رئيس الجمهورية أو أن يكون القرار الإداري ضاراً في أبعاده بالعدالة الاجتماعية رغم صحته القانونية، بحيثُ تصبح العلّة في سحبه والغائه قبل تحصّنه هي تحقيق مصلحة عامة بنتيجة ظروف استوجبت اعتباراتها الخطيرة حصول ذلك السحب، كاستثناء على مبدأ استقرار المعاملات الصحيحة وعملاً بمبدأ الضرورات.
وبناءً على ما تقدم عرضه، يجوز للحكومة التي تحل محل رئيس الدولة طلب إعادة النظر في القانون الذي اتخذت قراراً بإصداره متى توافر الشرطان المتلازمان:
أ- أن تعود الحكومة أولاً ومجتمعةً – وليس رئيس الحكومة منفرداً- عن قرار إصدارها للقانون وسحبه من التداول بأثر رجعي، شريطة أن يحصل سحب القرار المذكور قبل أن يصبح القانون نافذاً، أي قبل حصول نشر للقانون بالجريدة الرسمية أو قبل اكتمال المدة القصوى المحددة للنشر والذي يصبح بانتهائها نافذاً حكماً بقوة الدستور وهي 15 يوماً من تاريخ إصدار القانون مهما كان نوعه عادياً أو معجلاً، سنداً لأحكام القانون الدستوري رقم 1997/646.
ب- أن تطلب الحكومة التي سحب قرار الإصدار الصادر عنها وأصبح بالتالي متلاشيأً بأثر رجعي، من مجلس النواب إعادة النظر بالقانون، شرط أن يكون هذا الطلب قد حصل منها خلال المدة المحددة في الدستور لإصدار القانون (والتي هي بحسب المادة 56 من الدستور شهر للقوانين العادية وخمسة أيّام للقوانين المعجلّة تسري من اليوم الذي يلي احالتها للحكومة) تحت طائلة رده من حيثُ الشكل لوروده خارج المهلة، باعتبار أنَّ المادة 57 من الدستور التي أجازت لرئيس الدولة – التي حلت وكالة الحكومة محله – حق الطلب من مجلس النواب إعادة النظر مرة أخرى في القانون الذي أحاله المجلس عليه لإصداره، أن يحصل هكذا طلب منه خلال مهلة الإصدار المشار اليها أعلاه والذي بتصرُمها وانقضائها ينقضي معه أي حق له في هذا الشأن بصورة مطلقة.
ثانياً- اصدار قانون جديد معطِّل لأحكام القانون النافذ:
من المعروف أن مجلس النواب هو سيد نفسه وهو المختص بسن القوانين وتعديلها والغائها وتعليق نفاذها موقتاً لفترة زمنية محددة يرتئيها بمطلق سلطانه التشريعي.
وأنهُ في حال وجود قانون نافذ بنشره في الجريدة الرسمية أو أصبح بحكم النافذ دستورياً لتصرم المهلة القانونية المحددة للنشر دون حصوله، فإنّه يمكن لمجلس النواب كسلطة تشريعية العمل على سن قانون جديد بصيغة معجّل مكرّر يعلِّق بمقتضاه أحكام قانون نافذ أو يعدله أو حتى له يلغيه كلياً وذلك اذا ما ارتأى وجود مبررات وضرورة تبتغيها المصلحة العامة في هذا الشأن، كأن يكون مثلاُ القانون الذي تم اقراره سابقاً وبالصورة الذي تجّلى بها في أحكامهِ مضراً بشريحة كبيرة من عامة المواطنين أو مضراً بمصالح الدولة الاقتصادية، فيكون بالتالي القانون اللاحق الذي أقرّه مجلس النواب وأصدرته ونشرته السلطة المخولة بذلك، مجمِّداً أو معطِّلاً لأحكام القانون السابق الذي كان نافذاً والذي حّل محلّه القانون الجديد أو علّق نفاذهِ لفترة زمنية.
“محكمة” – الخميس في 2023/12/28