مقالات

هل يحقّ للوزير المختص أن يمتنع عن توقيع مقرّرات مجلس الوزراء؟/فرانسوا ضاهر

القاضي السابق والمحامي فرانسوا ضاهر:
1- من الثابت أن العمل الحكومي يخلص الى إتخاذ مقررات وإصدار مراسيم، من أي فئة كانت، إعلانية أو تنظيمية او إسمية بالتعيينات والمناقلات أو إنشائية أو سوى ذلك، وفق آلية عمله المنصوص عليها بالفقرة الخامسة (٥) من المادة ٦٥ من الدستور. التالي نصّها :
” يجتمع مجلس الوزراء دورياً في مقرّ خاص ويترأس رئيس الجمهورية جلساته عندما يحضر. ويكون النصاب القانوني لانعقاده أكثرية ثلثيْ أعضائه، ويتّخذ قراراته توافقياً. فإذا تعذّر ذلك فبالتصويت، ويتخّذ قراراته بأكثرية الحضور. أما المواضيع الأساسية فإنها تحتاج الى موافقة ثلثيْ أعضاء الحكومة المحدّد في مرسوم تشكيلها. ويعتبر مواضيع أساسية ما يأتي: …”
2- اما تلك المقررات والمراسيم، على اختلاف فئاتها، فيتمّ توقيعها من رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة والوزير أو الوزراء المختصين، سنداً لحكم المادة ٥٤ من الدستور. التالي نصّها :
” مقرّرات رئيس الجمهورية يجب أن يشترك معه في التوقيع عليها رئيس الحكومة والوزير او الوزراء المختصون… ”
3- أمّا الدستور اللبناني فلم يحدّد مهلة لتوقيع هؤلاء المعنيين تباعاً على المقررات والمراسيم التي يكون قد أقرّها مجلس الوزراء أصولاً.
فهل هذا يعني أن المهلة مفتوحة لكلّ منهم لتوقيع ما تمّ إقراره في مجلس الوزراء ؟
وهل يحقّ لأيّ من هؤلاء أن يمتنع عن توقيع ما تمّ إقراره حتى يُسقط فاعليته وقوّته التنفيذية ؟
أم أن المقررات التي يتخذها مجلس الوزراء لها طابع تنفيذي حكمي وآني من شأنه أن تحتّم على كل من هؤلاء المعنيين بها توقيعها بصورة آنية وفورية بدون أي مهلة او استئخار غير معقول؟
4- إن الجواب على هذه التساؤلات يحملنا على التوقّف عند التالي :
• إن إدارة شؤون الدولة تدخل في نطاق المصلحة العليا للبلاد (la raison d’état). الأمر الذي يجعل كلّ المقرّرات والمراسيم التي تصدر عن السلطة الإجرائية فيها لها طابع الإستعجال والنفاذ الفوري.
• انطلاقاً من هذه القاعدة، يكون من واجب الوزراء المختصين والمعنيين بتلك المقرّرات والمراسيم أن يسهّلوا عملية نفاذها وإعمالها وذلك بتوقيعهم الفوري والآني عليها. فلا يعيقوا بالتالي إستئخار صدورها، تبعاً للإلزام الدستوري الواقع عليهم بتأمين سير الشأن العام والمنفعة العامة والمصلحة العليا للبلاد، سنداً لحكم المادة 66 من الدستور. التي تقول : “…يتولى الوزراء إدارة مصالح الدولة ويناط بهم تطبيق الأنظمة والقوانين…”
• كما وأنه تبعاً للقواعد الدستورية العامة التي ترعى فهم وتفسير وتحديد ميدان تطبيق الأحكام الدستورية، يتبدّى أن تلك الأحكام قد نصّت على مهل لإتمام بعض الحالات او الوضعيات الدستورية وهي لم تنص على أية مهلة لإتمام البعض الآخر.
ما يعني أن المهل التي يكون قد نُصّ عليها هي بمثابة “مهل حثّ” على القيام بإلزام دستوري محدّد (على سبيل المثال : ٤١ و ٤٢ و ٧٣ و ٨٣ و ٨٧ دستور). وإن عدم النصّ على أية مهلة يفهم منه، مقابلة (a contrario)، أنه يتوجب القيام بذلك الالزام الدستوري حالاً وفوراً وبصورة آنية، تبعاً للمقتضى العام ومصلحة البلاد العليا وضرورة تأمين سير المرفق العام وتسيير شؤون البلاد (على سبيل المثال : فقرة ٢ و ٣ و ٥ و ٦ / ٥٣ و ٥٤ و ٦٢ و ٧٤ دستور).
• وإن معارضة الوزير المختص لأي من المقرّرات أو المراسيم التي يكون قد أقرّها مجلس الوزراء، فإنها لا توليه أي صفة بعدم توقيعها بعدما يكون قد تمّ إقرارها وفقاً لآلية إقرارها الدستورية المنصوص عنها بالفقرة (5) من المادة 65 من الدستور. وإلاّ لأضحى لكل معني بتوقيعها حق تعطيل نفاذها. الأمر الذي يتعارض مع قوة نفاذها الدستورية المستمدّة من آلية إقرارها بالذات.
• فضلاً عن أنّ امتناع الوزير المعني عن توقيع المقرّرات والمراسيم التي يكون قد أقرّها مجلس الوزراء، من شأنه أن يشكّل إخلالاً جوهرياً بوظائفه ومهامه يؤدّي الى إقالته من قبل المجلس المذكور عملاً بالفقرة الثانية (2) من المادة 69 من الدستور، او الى عدم الثقة به او حجب الثقة عنه من قبل المجلس النيابي عملاً بحكم المادة 68 من الدستور وحتى الى إحالته الى المحاكمة أمام المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء عملاً بحكم المادة 80 من الدستور معطوفة على المادة 70 منه.
• بناءً عل ما تقدّم، لا يمكن لأي وزير في وزارته، بما في ذلك وزير المال، أن يعطّل العمل الحكومي من زاوية إمتناعه عن التوقيع على أي من المقررات والمراسيم التي يكون قد أقرّها مجلس الوزراء وفق آلية عمله الدستورية المنصوص عنها بالفقرة الخامسة (٥) من المادة ٦٥ من الدستور.
اما رئيس الجمهورية فقد أجاز له المشرع الدستوري طلب إعادة النظر في أي قرار من القرارات التي يكون قد اتخذها مجلس الوزراء، سنداً لحكم المادة ٥٦ من الدستور. فتنحصر معارضته لها بإعمال صلاحيته المستمدة من تلك المادة تحديداً، مما يُحظّر عليه تعطيل نفاذ تلك القرارات من خارجها.
“محكمة” – الجمعة في 2025/1/31

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!