“عقارية بعبدا”: الموظّفون خلية نحل ترفد الخزينة العامة بالمليارات برغم الإهمال المزمن/علي الموسوي

المحامي المتدرّج علي الموسوي:
تستحقّ أمانة السجّل العقاري في بعبدا مبنى أكبر وأكثر تطوّرًا وحداثة من المبنى الحالي، غير أنّ السلطة السياسية باختلاف عهودها ومسؤوليها لا تفكّر قيد أنملة حتّى في بياناتها الوزارية التي تُعْطى الثقة النيابية على أساسها، في النهوض بالمباني الادارية المتوافرة لديها، ولا تسعى إلى تجديدها على كلّ الصعد، بدءًا من المستلزمات الضرورية ومساحة المبنى، على الرغم من أنّها تدرّ أموالًا طائلة عليها تساعد كثيرًا في استمرار الدولة ومقوّماتها.
وكما أنّ قصر العدل في بعبدا مهترئ ولم يعد صالحًا لاحتواء هذا الكمّ الكبير في الأساس للدعاوى والقضاة والمحامين والمتقاضين، على الرغم من كثرة التصليحات التي تقام بين الفينة والأخرى للبقاء على قيد الوجود وبينها مكاتب قضاة، وتكون التحسينات من جيوبهم الخاصة أو هبات، فإنّ مبنى أمانة السجّل العقاري المجاور له، ليس أفضل حالًا منه على الإطلاق.
وأمانة السجّل العقاري والعدلية بتنوّع أعمالهما بطبيعة الحال، ترفدان الخزينة العامة بما لا تفعله إدارات أخرى تصنّف خاسرة بالمعنى التجاري والإقتصادي، وتأخذ من الدولة ولا تعطيها ما يسدّ احتياجاتها الذاتية.
المهام كثيرة والموظّفون قلّة
وتعرّض موظّفو السجل العقاري في بعبدا لحملة تجنّي وافتراء قادت إلى توقيف كثيرين منهم ممّا أدّى إلى إخراج السجّل العقاري من دوّامة العمل وتعطيله نهائيًا، فيما كان الواجب يقتضي استمراره في تسيير الأعمال وإنجازها بالشكل المطلوب، خصوصًا وأنّ استفادة الدولة منه كبيرة جدًّا على الصعيد المالي، في وقت كانت هذه الدولة تئنّ من حالة الإفلاس وعدم القدرة على زيادة رواتب الموظّفين في القطاع العام بما يتناسب مع الوضع الإقتصادي والحياتي في ظلّ الارتفاع المضخّم لسعر الدولار الأميركي وتدهور العملة الوطنية وفقدان قيمتها القدرة الشرائية المطلوبة لمعيشة كريمة.
والغريب أنّ السلطة السياسية لم تعمل على ضمّ موظّفين جدد إلى السجّل العقاري في بعبدا وبما يؤدّي بطبيعة الحال، إلى رفع وتيرة العمل، وبالتالي ضخّ المزيد من الأموال إلى الخزينة العامة التي كانت ولا تزال بحاجة ماسة إلى المال اللازم لاستمرارها. والمعادلة بسيطة ولا تحتاج إلى عناء تفكير، فكلّما كبر العمل وتوسّع ضمن الأطر القانونية المتعارف عليها والمعمول بها في الأصل، تمّ تحصيل المزيد من الأموال، وهذا لا يأتي من الفراغ بل من وجود موظّفين أكفاء وانضمام آخرين جدد إلى القدامى، فليس من المنطقي مثلًا، أن يكون موظّف واحد لمنطقة الشياح العقارية ومعها خمس عشرة منطقة عقارية أخرى لخمس عشرة قرية تقع في قضاء بعبدا؟
وليس من العدل ألّا يتمّ تثبيت موظّف كأمين مستودع لإحضار ما هو مطلوب منه بالسرعة الممكنة، فيما تجري الإستعانة بموظّف تسجيل موكلة إليه مهام الكتابة والنسخ والتسجيل على الحاسوب، وهذا ما يفوق قدرة الإنسان على العطاء العادي، فالتناوب على تأمين المطلوب في الوظيفة الأساسية والتكليف بالخدمة والوظيفة المستحدثة يستنفد الطاقة والقدرة على التحمّل ويسبّب الإرهاق الجسدي والنفسي، وليس ثمّة ما يعوّض معنويًا على أقلّ تقدير.
العمل لغاية الثامنة مساء
وأيضًا، ليس عدلًا أن يستلم موظّف واحد قلمي مكتبي تسجيل المعاملات، ففي نهاية المطاف للإنسان قدرة محدّدة على العطاء ومهما كان نشاطه وحيويته فهو إنسان لم يأت من عالم الخيال وأفلام الكرتون.
ولمن لا يعلم، فإنّ هناك موظّفين في السجّل العقاري في بعبدا، يعملون لغاية الساعة الثامنة مساء تقريبًا طوال أيّام الأسبوع، وبموافقة وزارة المال التي انتبهت “متأخّرة”، إلى ضرورة هذا العمل الجاد والفعّال ولكي يتناسب مع ورود الكثير من المعاملات والمستندات، بحيث يبقى نظام المكننة شغّالًا ومفتوحًا ويؤتي أكله بالشكل المهني المطلوب.
مشاكل تقنية وفنّية
ويعرف القاضي والداني أنّ هناك مشاكل ومعوّقات تعرقل العمل في أمانة السجّل العقاري في بعبدا وربّما في غيرها من أمانات السجّل العقاري في أقضية ومحافظات أخرى، ومنها على سبيل المثال النقص الكبير في عديد الموظّفين ولا سيّما بعد التوقيفات القضائية حيث إنّ هناك عشرة موظّفين لم يلتحقوا بأمانة السجّل المذكورة، واستعيض عنهم بضمّ فريق من وزارة المالية لفترة زمنية جدّ قليلة، ولكن سرعان ما أعيد إلى مراكزه الرئيسية ولم يبق منه سوى موظّفين إثنين، وهو عدد قليل جدًّا ولا يتناسب مع متطلّبات العمل المتزايد بكثرة.
كما تعاني أمانة السجل العقاري مشاكل تقنية وفنية في الحواسيب وبطاريات الشحن والتغذية “USP” والطابعات والمولّد الكهربائي، وكلّها تجهيزات ولوازم ومستلزمات لوجستية ضرورية ولا غنى عنها، وقد أصبحت قديمة ممّا يستدعي تجديدها، وهذا ما يساعد في تسريع العمل والإنتهاء منه بمدد زمنية أقلّ، وبالتالي خدمة الناس بشكل أفضل وأسرع.
التحدّي كبير
لقد استأنفت أمانة السجّل العقاري في بعبدا عملها بشكل شبه طبيعي في العام 2024 بعد فترة طويلة من التوقّف القسري والتوقيفات التي تلازمت مع تشهير وإساءة سمعة، وهذا ما أدّى إلى تراكم المعاملات، ووجد الموظّفون أنفسهم أمام تحدّ كبير خصوصًا حجم المعاملات وازدحام المواطنين للحصول على المعاملات المنجزة، وقدرتهم على استيعاب كلّ ذلك على الرغم من النقص الكبير في عديدهم وعدّتهم من موارد لوجستية متاحة.
وحاليًا، يوجد أمين سجّل عقاري بالتكليف، وأمين سجّل عقاري معاون، وثلاثة محرّرين يقومون بأعمال المكاتب المعاونة، وثلاثة أجراء ومحرّر يقومون بأعمال التسجيل على الصحائف العينية، وفريق دعم تقني يتألّف من أربعة عشر موظّفًا، بالإضافة إلى أربعة عمّال.
الكلمة للأرقام
ومع هذا كلّه، فإنّ الأرقام تحكي ما يحصل في السجّل العقاري في بعبدا تحديدًا، ويعوّل عليها لإثبات الإنجازات التي يستحقّ القائمون بها الثناء والتقدير لا السوق إلى النظارات والتوقيف لمجرّد وشايات مبتلاة وموشّاة بالعمى والضيق والحسد.
ففي العام 2024، ورد نحو /6000/ معاملة وعقدًا، وناهز عدد المعاملات المتخذ فيها قرار الـ /29000/، فيما بلغ مجموع الرسوم المستوفاة ومن ضمنها القلم الإداري إلى /327.752.679.000/ ليرة لبنانية (ثلاثماية وسبعة وعشرون مليارًا وسبعماية وإثنان وخمسون مليونًا وستماية وتسعة وسبعون ألف ليرة لبنانية).
إنجازات
وفي معلومات خاصة بـ “محكمة”، فإنّ عدد القيود المسجّلة على الصحيفة العقارية خلال العام 2024، لامس التسعة والعشرين ألفًا، وهو رقم مهول ويستحقّ منجزوه كلّ تقدير.
وخلال شهر كانون الثاني من العام 2025، قارب عدد المعاملات المسجّلة في السجّل اليومي/1800/، وعدد قرارات أمين السجّل نايفة شبو حسب العقارات الثلاثة آلاف، وعدد القيود المصدّقة على الصحيفة العقارية الخمسة آلاف لدى أمين السجّل العقاري المعاون في بعبدا ليلى حيدر.
وفي شهر شباط من العام 2025، أمكن إحصاء أكثر من ألف معاملة مسجّلة في السجّل اليومي، وأكثر من ثلاثة آلاف وخمسماية قرار لدى شبو، وأكثر من سبعة آلاف قيد مصدّق على الصحيفة العقارية لدى حيدر.
وبالعودة إلى سنوات خلت، وتحديدًا العام 2021، فإنّ الرسوم المستوفاة بلغت مائة وثلاثة عشر مليارًا وسبعماية وواحدًا وخمسين مليونًا وثلاثماية وواحدًا وسبعين ألف ليرة، فيما ارتفعت في العام 2022 إلى مائة وثلاثة وعشرين مليارًا وثمانماية وإثنين وخمسين مليونًا ومائة وتسعة وستين ألف ليرة.
كما أنّ عدد المعاملات التي أدخلت في السجّل اليومي في العام 2021 وصلت إلى أكثر من /18000/، وفي العام 2022 إلى/16000/.
وهذه الأرقام الثابتة والتي يعرفها المسؤولون في المديرية العامة للشؤون العقارية وفي وزارة المالية، لم تأت من فراغ، وإنّما بعد جهد مكثّف وديناميكية في العطاء والعمل من كلّ الموظّفين ومن دون استثناء أحد منهم.
زحمة بشرية
ولكي يعرف المرء أهمّية أمانة السجّل العقاري في بعبدا في مبنى يضمّ معها أمانتي السجّل العقاري في عاليه والشوف أيّ أقضية جبل لبنان الجنوبي، ما عليه سوى التوجّه باكرًا ومنذ ساعات الصباح الأولى ليرى بأمّ العين الزحمة البشرية الخانقة، وكيف يصطفّ المواطنون خلف بعضهم بعضًا وتحت إشراف عناصر من المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي والمديرية العامة لأمن الدولة، بانتظار دورهم لتسجيل سند التمليك الموجود بحوزتهم في السجّل اليومي كإشارة أوّلية على بدء انطلاق تنفيذ المعاملة وسلوكها الطريق الصحيح.
القانون يوجب التسجيل
ولا شكّ بأنّ المشهد مؤثّر، فالناس كثر ومن حقّهم أنّ يؤمّنوا تسجيل عقاراتهم في الصحيفة العينية إلتزامًا بما ينصّ القانون عليه، ذلك أنّ الحقوق العقارية لا تكتسب إلّا بتسجيلها في السجّل العقاري بحسب الفقرة الثانية من المادة 204 من نظام الملكية العقارية والحقوق العينية غير المنقولة (القرار رقم 3339 تاريخ 1930/11/12)، وفيها أنّ ” كلّ من يكتسب عقارًا بالإرث أو بنزع الملكية أو بحُكْم، يكون هو صاحب هذا العقار قبل قيده، إنّما لا يكون لهذا الإكتساب مفعول إلّا بعد تسجيله”. وأيضًا بموجب المادة 229 من نظام الملكية العقارية المذكور والتي تقول: “يكتسب الوريث بطريقة الوراثة العقارات التابعة للتركة، غير أنّه لا يحقّ له التصرّف بها تجاه الأشخاص الآخرين إلّا بعد تسجيلها في السجّل العقاري”.
سير المعاملة
كيف تسير معاملة تسجيل شقّة مثلًا في أمانة السجّل العقاري؟
تبدأ المعاملة بالتسجيل في السجّل اليومي الورقي والإلكتروني في آن معًا، ويستلم صاحب العلاقة إيصالًا بالرسوم المتوجّبة فيسدّدها، ثمّ يودعه رئيس المكتب وترسل المعاملة إلى أمين السجّل العقاري الذي يعكف على دراستها من كلّ النواحي لجهة قانونية العقد ورسمه المالي، فإذا كانت المعاملة مكتملة يجري التسجيل النهائي فورًا، أمّا في حال عثَرَ على نواقص أو خلل ما، فإنّه يصدر قرارًا بالتسجيل الإحتياطي في الصحيفة العينية الورقية والإلكترونية ويكون لدى صاحب العلاقة مهلة سنة لاستكمال كلّ النواقص التي تكتب وتحدّد بالتفصيل لكي يعلم بها ويؤمّنها دفعة واحدة وليس بالتقسيط.
“محكمة” – السبت في 2025/3/15