“ديوان” ناضر كسبار في “بيت المحامي”: نقاشات ومواقف وضحكات وطرائف
كتب علي الموسوي:
تحفل كافيتريا “بيت المحامي” بجلسات عديدة لجمع من المحامين الذين يلجأون إليها للإستراحة من عناء الركض وراء الجلسات، والتنقّل من طابق إلى طابق في عدلية بيروت، وأخْذ نفس عميق بعد مرافعة هنا، وتقديم لائحة هناك، وحضور استجواب طويل هنالك، وانتظارٍ مضنٍ على جدول الجلسات في هذه المحكمة، أو دائرة التحقيق تلك، والظفر بإخلاء سبيل، والتمكّن من حكم نوعي، والتحقّق من دفتر المراجعات وسلوك الملفّات طريقها القانوني المنتظم.
غير أنّ طاولة المحامي ناضر كسبار “ديوان” بحدّ ذاتها، وحلقة تفكّر ونشاطات وانسجام، لكثرة روّادها وما تشتمله طوال ساعتين ونيّف من يومي الثلاثاء والخميس من كلّ أسبوع، من أحاديث في السياسة والقانون والحياة، ومن نقاشات حامية في كلّ شيء تزيّنها ضحكات وطرائف ولطائف تذكّر بكتاب كسبار الشهير:”القضاة والمحامون: مواقف وطرائف” الصادر في العام 2001، والذي يستحقّ أن يكون له جزءٌ ثانٍ وثالث لكثرة المواقف التي تحْدث في ردهات المحاكم وبين المحامين وبين القضاة، ومؤلّفه بارع في جمعها وإعدادها وصياغتها من جديد وتقديمها بقالب حكواتي مشوّق وممتع.
طقوس الإستئناس
ويصعب ألاّ يرى محامون هذه الجلسة الممتدة على طاولتين أو ثلاث طاولات، من دون أن ينضمّوا إليها والمشاركة في طقوسها والاستئناس بروّادها الكثر ومنهم أحمد صفصوف، وكريمته رند صفصوف صبّاغ، ويوسف لحود، ومريم ديب مخزوم، وجعفر ظاهر، ومي عماشة، ونبيل أبو صعب، وسعيد نصر الدين، ونامي منصور، وكاتيا جحا، وعلي مشيمش، ورياض الحركة، وهشام الخوري، ونايف دياب، وإيلي عطية، وملحم قانصو، وعلي فصاعي، وتوفيق الضيقة، وميشال عاد، وعبدالله عبد الساتر، وأنطوان طعمة، وحبيب كيروز، وأنطوان عشقوتي، وإذا ما تأخّر أحدهم عن المجيء في الموعد المحدّد لاكتمال هذه الحلقة، كان العذر معروفاً مسبقاً، وسببه عدم انتهاء العمل في ردهات المحاكم، وإذا كان خارج بيروت، فإنّه لا يملّ من القدوم مسرعاً لمواكبة “رفاق السلاح” في الحديث وكأنّ هذه “القعدة” تفكّك ربطات التعب، وتنعش القلب وتريح الجسد من هموم المحاكم.
والأهمّ أنّ بعض الجالسين لا يملّون من التساؤلات القانونية المجدية ليخرجوا بأجوبة كافية قد تكون كتاباً بحدّ ذاتها إذا ما جرى جمعها، وخصوصاً إذا كان الموضوع المطروح يتعلّق بالمحاماة والتوكّل والمسائل النقابية، ويعتبر المحامي ناضر كسبار خير مجيب عليها إنطلاقاً من خبرته العريقة وإلمامه الشامل بها وحضوره القوي على مدى سنوات في مجلس نقابة المحامين في بيروت، وتمثيل النقابة في محكمة الاستئناف في بيروت الناظرة في الدعاوى النقابية.
شجرة العدلية
ويذكّر ديوان كسبار بشجرة العدلية التي كان كبار المحامين يستلقون تحت ظلال أغصانها ويروحون يغدقون على بعضهم الكثير الكثير من الأحاديث والنكات والمرويات اليومية، حتّى ذاع صيت هذه الشجرة وباتت معْلَماً مهمّاً من تاريخ قصر العدل القديم قرب السراي الحكومية في وسط بيروت. كانت شجرةً فنمت وكبرت وتمدّدت، ومع تبدّل الزمان، إنتقلت إلى حضن “بيت المحامي” بصيغة جديدة تراعي حداثة الحياة.
وتتغيّر وجوه المحامين المنضوين في صفّ هذا الديوان القانوني الجميل، بحسب أوقاتهم وأعمالهم، ومن يتسنّ له المجيء، ولو متأخّراً، يسعى إلى تعويض ما فاته في “حلقة سابقة”، ومع ذلك فإنّ لكلّ واحد منهم رؤيته وابتسامته وكلامه، وسرده الخاص لحادثة حصلت معه أو تناهت إلى سمعه من دون تبّنيها، وكثيراً ما تزيّن الذكريات أجواء هؤلاء الإنغماسيين في استعادة شريط الزمن ومحاولة إسقاط ما تيسّر منه على الحاضر، وذلك للإستزادة والإستفادة والعبرة، والحياة في نهاية المطاف لا تحلو إلاّ بما تكسبه من لحظاتها الهادئة والعاصفة في آن معاً، حتّى ولو أنّها لم تخلُ من الدمعة والأحزان.
كمين الإبتسامات
وإذا ما مرّ محام بالقرب من هذه “الجَمْعة”، وقع في كمينها، ولم يخرج إلاّ محمّلاً بزوّادة من الإبتسامات.
ولا شكّ أنّ نجاح هذه الحلقة وتميّزها، ناتج بالدرجة الأولى، عن الصداقة المتينة التي تربط أعضاءها المداومين، واحترامهم لبعضهم بعضاً، وحبّهم المتبادل وكأنّهم أسرة واحدة، وهذا سرّ تألّقهم وحيويتهم وقدرتهم على اجتذاب الآخرين وتقديرهم، على الرغم من اختلاف المشارب والإنتماءات والمدارس السياسية التي يؤمن بعضهم بها، وهم يستحقّون القول بأنّ جمال الصداقة في أن يتعرّف المرء إليهم.
(نشر في مجلّة “محكمة” – العدد 18 – حزيران 2017).