شجاعة القاضي
كتب القاضي طارق زيادة*:
أقرّت الشرعة اللبنانية لأخلاقيات وسلوكيات القضاة الصادرة سنة 2005 قاعدة لم ترد في الشرع الإقليمية والدولية وهي قاعدة: الشجاعة الأدبية، وقد عرفتها الشرعة على أنّها:”الجرأة التي تدفع القاضي إلى حسم الموقف واتخاذ القرار بالرغم من ظروف توشك أن تضعه في مواضع التردّد أو الخشية أو الإنصياع، إنّها الشجاعة الأدبية التي هي مواجهة لا هروب، وتصميم على إعلان الحقّ لا سواه، وهي صلابة تجعل القاضي لا يتلعثم لسانه ولا يتأثّر قلمه ولا يقلق ضميره بعد أن يكۆن الرأي الصواب فيقول نعم ولو كان الرابح هو الأضعف، بعبارة أخرى مختصرة القاضي الشجاع هو الذي لا تأخذه في الحقّ لومة لائم”.
– إنّ القاضي الحائر أو المتردّد أو الضعيف، لا يستطيع أن يتصدّى لمهمّة حلّ الخلافات بين الناس.
– على القاضي أن يشعر بأنّه قوي وبأنّ قوّته مستمدّة من العدالة ذاتها.
– وقد امتلأت صفحات التراث القضائي اللبناني والعربي بأخبار القضاة الشجعان في مواجهتهم لأهل السلطة، ممّا هو مشهور ومعروف، وأنّه وجدت دائماً، كوكبة من القضاة لا تساوم على حقّ ولا على عدل، وإنّ المطلوب أن تشيع الشجاعة في صفوف كلّ القضاة، وتصبح ميزة لهم، وليس لبعضهم فقط.
– وإنّ شجاعة القاضي هي وجه من وجوه استقلاليته، وإنّه في بلد صغير كلبنان، حيث الكلّ يعرف الكلّ، لا بدّ للقاضي اللبناني أن يمارس إستقلاليته كعنوان على شجاعته بعيداً عن كلّ تهوّر ونزق.
– وإنّ التصدّي لحلّ النزاع، وليس التهرّب من ذلك أو الإرجاء غير المبرّر، هو من علامات الشجاعة الأدبية.
– وبذلك يتضح أنّ ما حرصت الشرعة اللبنانية على إبرازه بهذا الصدد يحوّل الشجاعة الأدبية إلى ركن أساس من أركان ممارسة السلطة القضائية، وهذا الركن الأساس يمنع إستتباع القاضي أو محاولة الهيمنة عليه، ممّا يعزّز الثقة العامة بالقضاء وهي شرط ضروري لعمله.
*نائب رئيس المجلس الدستوري- رئيس هيئة التفتيش القضائي شرفاً.
(نشر في مجلّة “محكمة” – العدد 17 – أيّار 2017).