أبرز الأخبارمقالات

إستقلال السلطة القضائية

كتب القاضي طارق زيادة*:
نصّ الدستور اللبناني على مبدأ استقلال السلطة القضائية في المادة العشرين منه التي أوردت:”السلطة القضائية تتولّاها المحاكم على اختلاف درجاتها واختصاصها ضمن نظام ينصّ عليه القانون ويحفظ بموجبه للقضاة وللمتقاضين الضمانات اللازمة. أمّا شروط الضمانة القضائية وحدودها فيعينها القانون، والقضاة مستقلون في إجراء وظيفتهم وتصدر القرارات والأحكام من قبل المحاكم وتنفّذ باسم الشعب اللبناني”.
وتنصّ المادة الأولى من قانون أصول المحاكمات المدنية على أنّ “القضاء سلطة مستقلّة تجاه السلطات الأخرى في تحقيق الدعاوى والحكم فيها، لا يحدّ من استقلالها أيّ قيد لا ينصّ عليه الدستور”.
ويترتّب على مبدأ استقلال السلطة القضائية أنّه لا يجوز للسلطتين التشريعية والتنفيذية أن تفصلا في الدعاوى، أو أن تنقضا الأحكام الصادرة فيها، أو تعدلانها، أو تمنعا تنفيذها حتّى ولو كانت مخالفة للقانون. وتعتبر السلطة التشريعية متجاوزة للحدود المعيّنة لها إذا أصدرت قانوناً تفسيرياً تكون غايته تقرير حلّ لنزاع معيّن عالق أمام القضاء.
ويترتّب على المبدأ ذاته من ناحية أخرى، أنّه لا يجوز للمحاكم النظر في صحّة أعمال السلطة التشريعية، سواء أكان لجهة انطباق القوانين على الدستور، أم لجهة انطباق المعاهدات على قواعد القانون الدولي العام، ولاسيّما مع وجود مجلس دستوري نصّ الدستور على إقامته، كما أنّه لا يجوز للمحاكم أن تصوغ أحكامها في صيغة الأنظمة Règlements بموجب المادة الثالثة من قانون أصول المحاكمات المدنية.
وإذا كان يتوجّب على القضاة عدم التدخّل في أعمال السلطتين التشريعية والتنفيذية، فإنّه يتعيّن عليهم أن يطبّقوا في الدعاوى المعروضة عليهم، القوانين الصادرة عن المشترع والأنظمة الصادرة عن السلطة التنفيذية وفقاً للقانون، وإذا تخلّفوا عن ذلك، اُعتبر تخلّفهم تمنّعاً عن إحقاق الحقّ، علماً أنّ القضاء الإداري يفصل في المنازعات التي تنشب بين السلطة التنفيذية والأفراد، ولهذا القضاء أن يبطل القرارات الإدارية المخالفة للقانون، أو التي تتجاوز الاختصاص المحدّد لها، أو التي تنطوي على إساءة استعمال السلطة.
على أنّه لا يكفي تقرير مبدأ استقلال السلطة القضائية بصورة عامة في الدستور، وفي أحكام قانون أصول المحاكمات المدنية، كما أنّه لا يكفي النصّ على أنّ النظام قائم على مبدأ الفصل بين السلطات الثلاث وتوازنها وتعاونها كما ورد في مقدّمة الدستور بعد تعديل عام 1990، إذ أنّه في واقع الحال، فإنّ الأرجحية في النصوص القانونية بشأن الفصل بين السلطتين التنفيذية والقضائية وتوازنهما وتعاونهما هي للسلطة التنفيذية التي تعيّن بالنتيجة القضاة ومجلس القضاء الأعلى بأكثر أعضائه ومدعي عام التمييز ورئيس هيئة التفتيش القضائي ورئيس مجلس شورى الدولة ورئيس ديوان المحاسبة وسواهم من كبار القضاة، كما وتصدر التشكيلات القضائية بمرسوم وإنْ كان ذلك بعد موافقة مجلس القضاء الأعلى، وفي حال اختلافه مع وزير العدل، يعود أمرّ البتّ النهائي لمجلس القضاء الأعلى بأكثرية سبعة أعضاء من عشرة وهي أكثرية وازنة.
وإذا كان مبدأ فصل السلطات ومبدأ استقلال السلطة القضائية منصوص عليهما في الدستور والقوانين، إلاّ أنّه لا بدّ أن يعقب ذلك كلّه تطبيق سليم وتطوير وتعديل، حتّى تحترم السلطة السياسية هذين المبدأين، وأن تُفعم روح القضاة بهما في معرض أداء مهمّتهم السامية، لأنّ السمة الرئيسية للنظام الديموقراطي هي استقلالية القضاء.
*نائب رئيس المجلس الدستوري، ورئيس هيئة التفتيش القضائي شرفاً.
(نشر في مجلّة “محكمة” – العدد 7- أيّار 2016).

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!