خاص “محكمة”: لصون كرامة المحامي.. القانون ضمن ممارسته مهنته بحرّية ودون أيّ ضغط لدى قاضي التحقيق/أديب زخور
المحامي أديب زخور:
إنّ قانون أصول المحاكمات الجزائية شدّد على إعطاء ضمانات لحمايات حقّ الدفاع في حدّها الأدنى أمام قاضي التحقيق، وبخاصة في الحفاظ على حقّ الدفاع المقدّس المكرّس بقيام المحامين برسالتهم دون أيّ ضغط أو تهديد من أيّ نوع كان ومن أيّ جهة أتى.
وإن كانت هذه الضمانات محصورة ومحدّدة، إلاّ أنّ ضمان حقّ الدفاع لا يتمّ دون حضوره والقيام برسالته في الدفاع والاعتراض والاحتجاج أثناء الجلسات والاستئناف كما جاء في القانون، وعلى قاضي التحقيق أن ينبّه المدعى عليه بوجوب تعيين محامي له، وإلى الجريمة المسندة إليه تحت طائلة إبطال الاستجواب (المادة 76 أ. م.ج) ، ولا يجوز لقاضي التحقيق أن يستجوب المدعى عليه إذا عيّن محامياً للدفاع عنه، أو أن يستمرّ في إجراءات التحقيق إلاّ بعد حضور المحامي الوكيل واطلاعه على جميع أعمال التحقيق ما عدا إفادات الشهود وذلك تحت طائلة إبطال الاستجواب والإجراءات اللاحقة له (المادة 78 أ.م.ج.).
ولقد نصت المادة 76 أ.م.ج فقرتها الأخيرة، على قاضي التحقيق أن ينبّه المدعى عليه إلى حقوقه لا سيّما حقّه في الاستعانة بمحام واحد أثناء الاستجواب. إذا أغفل قاضي التحقيق إعلام المدعى عليه بالجريمة المسندة إليه، وفاقاً لما سبق بيانه، أو تنبيهه إلى حقّه بالاستعانة بمحام، أدّى ذلك إلى بطلان الاستجواب كدليل من أدلّة الإثبات.
وشدّدت المادة 77 أ.م.ج.على تكريس هذه الحقوق وألزمت قاضي التحقيق أن يراعي مبدأ حرّية إرادة المدعى عليه أثناء استجوابه وأن يتأكّد من أنّه يدلي بإفادته بعيداً عن كلّ تأثير خارجي عليه، سواء أكان معنوياً أم مادياً.
إذا رفض المدعى عليه الإجابة والتزم الصمت فلا يحقّ لقاضي التحقيق أن يكرهه على الكلام. إذا تظاهر المدعى عليه بإصابته بمرض جسدي أو نفسي أو عقلي أثناء استجوابه، فيمكن الاستعانة بالخبرة الطبّية لبيان حقيقة وضعه.
كما نصت المادة 78 أ.م.ج. أنّه إذا رفض المدعى عليه الاستعانة بمحام فلا يلزم قاضي التحقيق بتعيين محام له. يدوّن ذلك في المحضر تحت طائلة بطلان الاستجواب والإجراءات اللاحقة له. يستجوبه دون محام ويستمرّ في إجراءات التحقيق.
إذا اختار محامياً للدفاع عنه فلا يجوز لقاضي التحقيق أن يستجوبه أو أن يستمرّ في إجراءات التحقيق إلاّ بعد حضور المحامي وإطلاعه على جميع أعمال التحقيق ما عدا إفادات الشهود وذلك تحت طائلة إبطال الاستجواب والإجراءات اللاحقة له. إذا تعذّر على المدعى عليه تكليف محام فيعيّن له قاضي التحقيق محامياً أو يعهد بتعيينه إلى نقيب المحامين. للمدعى عليه، في أيّ وقت من أوقات التحقيق أن يبلغ قاضي التحقيق، اسم المحامي الذي كلّفه الدفاع عنه. إذا اختار لهذه الغاية عدّة محامين فيجب أن يبلغ قاضي التحقيق باسم المحامي الذي ستوجّه إليه مذكّرة الدعوة.
يدعى المحامي بمذكّرة ترسل إليه قبل يوم على الأقلّ من الاستجواب. على كاتب قاضي التحقيق أن يثبت هذا الإجراء في المحضر مع ذكر تاريخ إرسال المذكرة. إذا لم يتبلّغ المحامي مذكّرة دعوته قبل موعد الجلسة فإنّ حضوره الاستجواب، دون أن يعترض على إجراء تبليغه، يحول دون إبطال الاستجواب.
إذا لم يحضر المحامي الوكيل رغم إبلاغه أصولاً موعد الجلسة دون عذر مشروع، فلقاضي التحقيق أن يتابع الاستجواب.
وأعطت هذه المواد صراحة حقّ الاعتراض وضمان تنفيذ هذه الحقوق التي يمارسها المحامي باسم موكّله وعليه الحرص على تطبيقها بكلّ حرّية ضمير ودون أيّ ضغط على موكّله(المادة 77 أ.م.ج، وقد ذكرت المادة 78 أ.م.ج صراحة أنّه إذا لم يتبلّغ المحامي مذكّرة دعوته قبل موعد الجلسة، فإن حضوره الاستجواب، دون أن يعترض على إجراء تبليغه، يحول دون إبطال الاستجواب، وبالتالي واجب على المحامي أن يعترض والحقّ بتدوينه على المحضر، وإذا لم يعرض أو يحتج أو يتحفّظ يحول ذلك دون إبطال الاستجواب، وهذا أمر دقيق وواجب والحقّ في تدوينه على المحضر والواجب بتدوينها، كما التحفّظ والادلاء بالدفوع كافة أثناء الجلسة لدى قاضي التحقيق سواء بتدوينها على محضر التحقيق أو التحفّظ عليها كما يمكن استتباعها بمذكّرة، وحتّى ملاحقتها في الطعن استئنافاً في الشكل والأساس إذا تمّت مخالفتها ضمن أصول الاجراءات التطبيقية لحقّ الدفاع أو الادعاء، وإنّه في بعض الحالات إذا لم يتمّ الادلاء بها والاعتراض عليها في ذات الجلسة، تعتبر موافقة على المخالفة.
كما نصّت المادة79 أ.م.ج أنّه على قاضي التحقيق، قبل كلّ استجواب لاحق للاستجواب الأوّل أن يسأل المدعى عليه عمّا إذا كانت موافقته على أن يستجوب دون الاستعانة بمحام مستمرّة وأن يثبت ذلك في المحضر تحت طائلة بطلان هذا الاستجواب والإجراءات اللاحقة له.
للمدعى عليه أن يتصل بحرّية بوكيله المحامي طيلة فترة التحقيق. وتكون الاتصالات بينهما سرّية. لا يعتدّ بأيّ دليل ناجم عن خرق مبدأ السرّية.
كما يتمّ تدوين كافة الوقائع في المحضر ومنها استمرار المدعى عليه برفضه توكيل محام، بحيث يعتبر المحضر كتسجيل لجميع الوقائع الحاصلة في الجلسة ويحقّ للوكيل وواجب عليه بالطبع تسجيل وتدوين اعتراضاته ودفوعه ودفاعه أثناء حضوره الجلسات.
وأتت المادة 80 أ. م.ج باسثناء على القاعدة في ضمان حقّ الدفاع بحضور محام على أن يكون معلّلاً وضمن شروط ضيّقة ومحدّدة، بحيث نصّت على أنّه استثناء لما نصّت عليه كلّ من المادتين 78 و79 أ.م.ج ، يجوز لقاضي التحقيق بقرار معلّل أن يبدأ في استجواب المدعى عليه مباشرةً في حال وجود أثر أو دليل يخشى زواله. يجوز له أن يستجوب المدعى عليه دون محام في حالة الجريمة المشهودة والجريمة التي تنزل منزلتها.
كما نصّت المادة 81، على أنّه إذا حضر وكيل المدعى عليه الاستجواب، فلا يجوز له طرح أيّ سؤال على موكّله أو الخصم إلاّ بواسطة قاضي التحقيق، وله أن يبدي بعض الملاحظات وأن يعترض على ما يراه متنافياً مع أصول التحقيق في ما يطرحه قاضي التحقيق من أسئلة.
والاعتراض بالطبع يكون شفهياً ويتمّ تدوينه على المحضر ويمكن استتباعها بمذكّرة لاحقة تفصيليةً، وقد نصّت ذات المادة صراحةً على أنّه إذا لم يأذن قاضي التحقيق للمحامي بالكلام أو بطرح السؤال أو بإبداء الملاحظات أو الاعتراضات، فعليه أن يثبت ذلك في محضر الاستجواب وتدوّن فيه.
كما نصّت المادة 82 أ.م.م إذا كان قاضي التحقيق قد استجوب المدعى عليه حول فعل جرمي، باعتباره جنحة، ثمّ تبيّن له أنّ الوصف المنطبق عليه جنائي، فعليه أن يعيد استجوابه وأن ينبّهه إلى أنّ من حقّه الاستعانة بمحام إن لم يكن قد عيّن محامياً لمعاونته في الدعوى.
مع مراعاة الفقرة ما قبل الأخيرة من المادة 81 من هذا القانون، للمدعى عليه والمدعي الشخصي والمسؤول بالمال والضامن أو لوكلائهم أن يحضروا أعمال التحقيق ما عدا سماع الشهود. يجب إبلاغ كلّ منهم مذكّرة دعوته قبل أربع وعشرين ساعة على الأقلّ من العمل التحقيقي الذي يتناوله وإلاّ كان العمل الجاري في غيابه باطلاً.
إذا حضر من تقرر دعوته منهم، دون أن يحتج على طريقة تبليغه أو على عدم مراعاة مهلة الأربع وعشرين ساعة، اعتبر العمل التحقيقي الذي يتناوله صحيحاً.
ونرى في هذه المادة وغيرها الحقّ المعطى للاحتجاج أو الاعتراض حتّى على طريقة التبليغ تحت طائلة اعتبار العمل التحقيقي الذي يتناوله صحيحاً، وهذا الاحتجاج أو الاعتراض يمكن أن تتمّ ترجمته بالتحفّظ ويضمن للمحامي الادلاء بها والاشارة إليها وضمان حقوق موكّله أثناء الجلسة وبعدها إذ قد لا يكون له متسع من الوقت لتفصيلها في ذات الجلسة، ويمكنه استكمالها بمذكّرة كما يمكنه استئناف أصولاً قرارات قاضي التحقيق بعد الاعتراض والتحفّظ عليها، وهذا التحفّظ والاعتراض أو الاحتجاج ينسحب على جميع الاجراءات أو القرارات المخالفة والذي حدّد المشرّع جزاء مخالفتها وأوجب حقّ الاعتراض عليها،
كما نصّت المادة 135 أ. م.ج وما يليها أنّ الهيئة الاتهامية هي المرجع الاستئنافي الصالح للنظر في الطعن الذي يوجّهه ضدّ قرارات قاضي التحقيق. ونصّت المادة 140 أ.م.ج وما يليها على إمكانية استئناف قرارات قاضي التحقيق أمام الهيئة الاتهامية ضمن شروط محدّدة، بحيث إذا وقع استئناف على قرار قاضي التحقيق الذي امتنع فيه عن اتخاذ إجراء أو القيام بعمل تحقيقي، وفسخت الهيئة الاتهامية قراره، فتتولّى القيام بالإجراء أو العمل بدلاً من قاضي التحقيق ولها أن تتصدّى لأساس الدعوى.
وإذا نظرت في استئناف قرار صادر عن قاضي التحقيق بمنع المحاكمة أو بعدم السير بالدعوى لسبب أو أكثر من الأسباب المبيّنة في المادة 73 من هذا القانون، وقرّرت فسخه، فلها أن تتصدّى لأساس الدعوى.
بالاستناد إلى ذلك، فإنّ ممارسة المحامي لحقّ الدفاع عن المدعي والمدعى عليه في الاعتراض والاحتجاج والاستئناف في الشكل والأساس، كما وردت بمواد واضحة وصريحة والتي قد تترجم بتحفّظ من المحامي الوكيل أو الاحتجاج أو الاعتراض أثناء الجلسة، الذي ورد على سبيل المثال في المواد السابقة أو الاستئناف، هي من صلب حقوق المحامي الوكيل سواء كان عن المدعي أو المدعى عليه، وفي تكريس حقّ الدفاع المقدّس المنصوص عليه في المادة 7 أ. م.م، والتي تكرّست بالمادة 20 من الدستور اللبناني والمكرّسة أيضاً صراحةً في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الصادر في العام 1966، وانضم إليه لبنان استناداً إلى القانون المنفّذ بالمرسوم رقم 3855 في 1 أيلول 1972، ولا سيّما في المادة 14 فقرتها 3،
وقد صدرت العديد من القرارات عن المجلس الدستوري اللبناني تشدّد على تكريس هذا الحقّ ولا سيّما القرار تاريخ 1999/11/14، وقد أقرّ فيه أنّ مقدّمة الدستور جزء لا يتجزأ من الدستور، وفي قراره تاريخ 2001/5/10 أنّ العهدين الدوليين يؤلّفان حلقة متمّمة للإعلان العالمي لحقوق الانسان وتبنتها صراحة مقدّمة الدستور اللبناني وهي جزء لا يتجزأ من الدستور اللبناني وتتمتعّ معها بالقيمة الدستورية. وقد اعطى قانون تنظيم مهنة المحاماة رقم 70/8 أوسع الحصانات والضمانات للمحامي لممارسة مهنته بحرّية ودون أيّ ضغط كما ورد في المادتين 74و75 محاماة، واعتبر القانون أنّ الاعتداء على المحامي عقوبته كالاعتداء على القاضي المادة 76 من ذات القانون، بخاصة أثناء تأديته لرسالته أو في معرضها.
وبالتالي حرص المشرّع على ضمان تعيين ووجود محام وممارسة مهنته بحرّية ودون أيّ ضغط بخاصة لدى قاضي التحقيق، إذ إنّ المحاكمات تتسم بالطابع المغلق والتي أدّت إلى اعتراضات واسعة على دوره حتّى في فرنسا والمطالبة بتقليص صلاحياته ودوره، أو اقتراح دمج موقعه واعطاء صلاحية الادعاء والتحقيق إلى المدعى العام، ونزع هذه الصفة والاجراءات القاسية لدى قاضي التحقيق التي تعطيه صلاحيات تعتبر في بعض الأحيان، أنّها تمسّ في حقوق الدفاع وتحدّ من الحقوق الأساسية لحرّية الدفاع ، علماً أنّه في القانون المصري لا وجود لقاضي التحقيق وانحصرت مهمة الادعاء والتحقيق بوكيل النيابة أو النيابة العامة، والمطالبات مستمرّة من المحامين في لبنان بوضع وتعليق ورقة الجلسات تحدّد بدقّة تسلسل الدعاوى ووقتها بالتحديد، وعدم الانتظار دون معرفة توقيت الجلسات، والأهمّ الالتزام بتطبيق أصول المحاكمات داخل الجلسات لدى قاضي التحقيق والتعامل باحترام مع المحامين وعدم التعاطي معهم بفوقية أو قلّة احترام، مع المطالبة من الحقوقيين بأخذ ذات الاتجاه الذي تحذوه فرنسا للحدّ من صلاحيات قاضي التحقيق وتعديل القانون لهذه الجهة، وإنّ المحامين يفضّلون مقاطعة الجلسات في حال تكرار المخالفات بحقّهم أو الاستمرار بعدم الالتزام بالأصول المفروضة، بخاصة أنّه هو الضمانة لتطبيق القانون والحرص على تحقيق العدالة ولعدم وجود مخالفات في ظلّ التحقيق المغلق وبالظروف والأصول التي تجري فيها.
“محكمة” – السبت في 2018/07/21
*حفاظاً على حقوق الملكية الفكرية، يرجى الإكتفاء بنسخ جزء من الخبر وبما لا يزيد عن 20% من مضمونه، مع ضرورة ذكر إسم موقع “محكمة” الإلكتروني، وإرفاقه بالرابط التشعّبي للخبر(Hyperlink)، وذلك تحت طائلة الملاحقة القانونية.