محكمة المطبوعات: نشر المطالعة أو القرار الظنّي أو الاتهامي ليس بمثابة نشر لوقائع التحقيقات/ناضر كسبار
المحامي ناضر كسبار:
إعتبرت محكمة استئناف بيروت الناظرة في قضايا المطبوعات والمؤلّفة من الرئيس لبيب زوين والمستشارين وائل مرتضى وغادة عون أنّه لا مجال لملاحقة الوسيلة الإعلامية التي تنشر مطالعة النيابة العامة أو القرار الظنّي الذي يصدره قاضي التحقيق أو القرار الاتهامي الذي تصدره الهيئة الاتهامية لأنّ المطالعة أو القرارات تصدر نتيجة التحقيقات الجنائية أو الجناحية قبل تلاوة تلك التحقيقات في جلسة علنية، وهي لا تعتبر بمثابة نشر لوقائع التحقيقات.
وقضت بإعلان عدم مسؤولية كاتب المقال والصحيفة وبوقف التعقّبات بحقّهما.
وممّا جاء في القرار الصادر بتاريخ 1999/7/12:
ثانياً: في الأساس:
حيث إنّ المادة 12 من المرسوم الاشتراعي 77/104 قد نصّت على أنّه يحظّر على جميع المطبوعات أن تنشر وقائع التحقيقات الجنائية والجناحية قبل تلاوتها في جلسة علنية.
وحيث من جهة أولى، فإنّه يقتضي تفسير المادة 12 على ضوء القاعدة الرئيسية التالية وهي أنّ حرّية الصحافة والطباعة والنشر هي الأصل في لبنان، وأنّ قوانين الإعلام والمطبوعات قد جاءت كاستثناء لتلك القاعدة.
وحيث إنّ حرّية نقل وقائع المجريات اليومية في لبنان والعالم إلى القارىء تبقى بالتالي هي الأصل.
وحيث من الراهن أنّ الجرائم المرتكبة الماسة بالحقّ العام والتي يكون الرأي العام معنياً بها بشكل رئيسي كونها تمسّ مصالحه واهتماماته الحيوية تعتبر من المجريات اليومية.
وحيث من جهة ثانية، فإنّ المشترع، بتحظيره “نشر وقائع التحقيقات الجنائية والجناحية قبل تلاوتها في جلسة علنية” لا يكون قد قصد تحظير نشر الوقائع والمعلومات المتوافرة والمتعلّقة بتلك الجرائم، بل فقط تحظير نشر مضمون التحقيقات الرسمية العائدة لها والجارية أمام المراجع التحقيقية المختصة، وتحظير نشر محاضر تلك التحقيقات، وذلك حفاظاً على سرّية التحقيق وسلامته وفعاليته.
وحيث إنّ المقال المشكو منه لم ينشر مضمون محضر التحقيقات، بل اكتفى بالإعلان عن صدور مطالعة النائب العام وبنشر وقائع القضيّة وفقاً لتلك المطالعة.
وحيث إنّ التعامل مع المادة 12 سواء قبل أو بعد تعديلها، قد تمّ، منذ صدورها، على أساس أنّ نشر المطالعة أو القاضي الظنّي أو قرار الاتهام، الذي يصدر بنتيجة التحقيقات الجنائية أو الجناحية قبل تلاوة تلك التحقيقات في جلسة علنية، لا يعتبر بمثابة نشر “لوقائع التحقيقات” وفقاً لمضمون تلك المادة.
وحيث إنّ هذا التعامل أو هذا التفسير يجد مرتكزاته في الأسس التالية:
أ- إنّ المادة 12 قد حظّرت نشر وقائع التحقيقات الجنائية والجنحية في حين أنّ المطالعة لا تصدر إلاّ بعد الانتهاء من التحقيقات وكنتيجة لتلك التحقيقات وفق ما نصّت عليه المادة 130 أصول محاكمات جزائية حيث جاء فيها ما حرفيته: “يودع قاضي التحقيق المدعي العام معاملات التحقيق لدى انتهائه منها فيعطي المدعي العام مطالعته فيها خلال ثلاثة أيّام على الأكثر”.
ب- إنّ “معاملات التحقيق” وفقاً للمواد 56 حتّى 99 م.ج. المخصّصة لها ضمن فعل معنون “في معاملات التحقيق” تشمل وفقاً للنبذات الواردة في هذا الفعل، و”الشكاوى”، و”سماع الشهود”، و”البينات الخطية”، و”المواد الجرمية”، ولا تشمل قرارات المحقّق، وبالتالي مطالعة النائب العام، وذلك بدليل أنّ المشترع قد أفرز لتلك القرارات، في أصول المحاكمات الجزائية، فصلاً خاصاً بعنوان “في قرارات المحقّق بعد اكتمال التحقيق” يمتدّ من المادة 130 حتّى المادة 143 مستقلاً عن الفصل المعنون “في معاملات التحقيق” ممّا يعني أنّ مثل هذه القرارات لا تدخل ضمن التحقيقات الجنائية والجناحية وممّا يعتبر بالتالي، أنّ مثل تلك القرارات لا تعتبر مشمولة بما يحظّر نشره بموجب المادة 12.
ج- إنّ المادة 139 أ.ج. قد أعطت المدعي الشخصي حقّ استئناف قرارات قاضي التحقيق المانعة للمحاكمة لكون الفعل لا يؤلّف جرماً، أو لأنّه لم يقم الدليل على ارتكاب المدعى عليه الجرم وكذلك حقّ استئناف القرارات الصادرة وفقاً للمادة 132 م.ج. والتي تعتبر أنّ الفعل يشكّل مخالفة – وأنّ منح المدعي الشخصي مثل هذا الحقّ يعني ضمناً وبالتأكيد أنّ المشترع قد اعتبر أنّ قرارات قاضي التحقيق أسوة بالمطالعة – تصبح بعد صدورها غير متسمة بالسرّية بدليل أنّه يحقّ لأحد الفرقاء في الدعوى استئنافها، وأنّه من الراهن أنّ ممارسة هذا الحقّ لا يمكن أن يتمّ دون الاطلاع على تلك القرارات.
د- لأنّه يسري على المطالعة ما يسري على قرارات قاضي التحقيق لجهة ما يجري بحثه باعتبار أنّ المطالعة لا تصدر إلاّ بعد أن يقرّر قاضي التحقيق ختام التحقيق وإيداع الملفّ جانب النيابة العامة لإبداء مطالعتها في الأساس توطئة لإصدار قراره في القضيّة.
وحيث إنّه يقتضي، تأسيساً على ما تقدّم، إعتبار أنّ الفعل المسند إلى المدعى عليهما كاتبة المقال والمدير المسؤول للجريدة لا يؤلّف جرماً جزائياً، وبالتالي إعلان عدم مسؤوليتهما ووقف التعقّبات الجارية بحقّهما، وردّ الدعوى الشخصية عنهما وعن المسؤولة بالمال شركة(…) تبعاً لردّ الدعوى العامة.
“محكمة” – الأربعاء في 2018/08/08