خاص”محكمة”: وزراء يعلّقون قيودهم ويستمرّون في ممارسة المحاماة.. بأساليب ملتوية/علي الموسوي
كتب علي الموسوي:
كلّما عُيّن أحد المحامين وزيراً في إحدى الحكومات، توجّه إلى دارة نقابة المحامين التي ينتمي إليها سواء أكان في بيروت أو طرابلس، وطلب تعليق قيده في الجدول العام طوال فترة ممارسته مهامه الوزارية، وذلك بالاستناد إلى المادة 15 من قانون تنظيم مهنة المحاماة، والتي تنصّ على إلزامية هذا التصرّف القانوني السليم، لأنّه يمنع الجمع بين المحاماة والوزارة بسبب التضارب بينهما وتقاضي راتب من جرّاء الوزارة، عدا إمكانية الاستفادة مادياً من تولّي وكالات بالجملة والمفرّق عن هذه الوزارة في دعاوى مقامة منها أو ضدّها.
ولكن هنالك وزراء يقفزون فوق القانون المرعي الإجراء الذي ينظّم أعمال نقابتهم الأمّ نقابة المحامين التي ينتمون إليها قبل دخولهم نادي الوزراء، حيث يعمدون، في الظاهر، إلى تجميد عضويتهم وتعليق قيدهم إيذاناً بعدم ممارسة المحاماة خلال وجودهم في الوزارة، ثمّ يقومون في السرّ بتكليف محامين من مكاتبهم القانونية بمتابعة الدعاوى المعروضة عليهم أو تلك التي كانت موجودة لديهم في الفترة السابقة على استلام الحقيبة الوزارية، ويصل الأمر ببعضهم إلى تقديم الدعاوى والمراجعات والشكاوى متوّجة باسم الوزير نفسه مرفقة بصفته الأساسية المحامي فلان الفلاني، في مخالفة صريحة وواضحة لقانون تنظيم المحاماة الذي يؤكّد وجوب عدم الجمع بين الوزارة والمحاماة، كما هو الأمر بالنسبة لرئاسة مجلس النوّاب، مع التشدّد بضرورة إبلاغ النقيب بالانقطاع عن ممارسة المهنة منذ اللحظة الأولى لبدء مزاولته مهامه الوزارية.
مخالفة وزراء
وثمّة شواهد كثيرة عن مخالفة وزراء لقانون تنظيم المحاماة عبر استمرارهم في تقديم الدعاوى أمام القضاء بأسمائهم الشخصية، أو تحمل أسماءهم الصريحة، من دون أن يرفّ لهم جفن، أو أن يخجلوا إزاء هذه المخالفة التي على بساطتها، تعني الكثير لنقابة المحامين لأنّها تمسّ نظامها وكينونتها وتعطي أفضلية للوزراء على باقي المحامين، من حيث اغتنام فرصة وجودهم في الوزارة لتحقيق مكاسب مختلفة وتأتي المكاسب المادية في الدرجة الأولى.
ولذلك، فإنّ هناك محامين يدعون نقابتهم إلى التدخّل الفوري لإيجاد حلّ ناجع لهذا الخلل، وذلك بالطلب من المحامي الذي يصبح وزيراً، بأن يعمد في اليوم التالي لصدور مرسوم تأليف مجلس الوزراء، إلى إقفال مكتبه الخاص بالمحاماة، أو إعطائه ولو في الشكل، لأحد المحامين العاملين معه، كما فعل وزراء كثر في الماضي ومنهم وزير الداخلية والبلديات في حكومة سعد الدين الحريري الأولى زياد بارود الذي أقفل مكتبه برغم الملفّات الكثيرة الموجودة لديه، مع ما يترتّب على ذلك من خسائر مادية ومعنوية، بينما أبقى زملاء له في الحكومة نفسها ممن كانوا قبل تعيينهم وزراء يحملون صفة محام، على مكاتبهم، وواظبوا على كتابة أسمائهم في أعلى الصفحة الأولى من الدعاوى والشكاوى التي يرفعونها أمام القضاء المختص، وفي كلّ الأوراق الرسمية الناتجة عن هذه الدعوى، أو تلك القضيّة، من دون أن تضع نقابة المحامين حدّاً لهذا السلوك الشائن، وكأنّهم بذلك يسعون إلى ممارسة نفوذ لدى القضاء من خلال أسمائهم التي تجد صداها لدى بعض القضاة، فيتساهلون إزاءها ويتعاملون مع دعاويهم بطريقة متساهلة ومخفّفة ولاسيّما إذا كان الوزير يتولّى حقيبة وزارة العدل.
منع استخدام الاسم
ويرى محامون أنّه في حال وجدت النقابة صعوبة في إقناع الوزير (المحامي سابقاً بانتظار إعادة تسجيله على جدول النقابة) بإغلاق مكتبه لئلاّ تتسبّب له بخسائر مادية، وبقطع رزق عدد لا بأس به من المحامين العاملين لديه، أن تجد الطريقة المناسبة لهذه الإشكالية القائمة والمستفحلة، عبر منعه من استخدام اسمه في الأوراق القانونية، وفي أيّ مستند يقدّمه أمام القضاء والإدارات الرسمية والمؤسّسات والمصالح المستقلّة والهيئات الخاصة بصفته محامياً، وذلك تحت وطأة الشطب النهائي من الجدول العام للنقابة، ومنعه من مزاولة المهنة في المستقبل بعد خروجه من الوزارة.
وفي حال كان الوزير (المحامي سابقاً)، شريكاً مع محامين آخرين في مكتبهم الخاص بالمحاماة، فإنّه يستطيع أن يمحو اسمه مؤقّتاً من الأوراق والمعاملات المرفوعة لدى القضاء والإدارات المختصة، ومن كلّ ما يمكن أن يدلّ عليه، أو يشير إليه، أو يعطي انطباعاً على أنّه شريك في هذا المكتب القانوني، وذلك إلى حين عودته الميمونة إلى وظيفته الأساسية ليلبس الروب الأسود، مع العلم أنّه قلّما يعود الوزير لارتداء زيّ المحامين المتعارف عليه في قصور العدل وأمام المحاكم إلاّ إذا كانت الدعوى مهمّة وقد استرعت انتباه الرأي العام واستقطبت جمهور اللبنانيين على الأقل.ّ
وإذا كان قانون تنظيم مهنة المحاماة قد تسامح مع النوّاب وأعضاء المجالس البلدية والإدارية وكلّ الوظائف التي لا يتقاضى صاحبها أو من يتولاها مرتّباً، فإنّه كان متشدّداً في رفض الجمع بين المحاماة والأعمال التجارية والصناعية ورئاسة أو نيابة رئاسة أو مديرية شركات مختلفة الأنواع والوظائف، وكلّ المهن التي تستهدف وتتوخّى الربح.
سبب التمانع برأي كرم
وعن هذا الفارق المرسوم عن سابق إصرار وترصّد، يقول نقيب المحامين الأسبق عصام كرم لـ”محكمة” إنّ سبب التمانع بين حمل مسؤولية الوزارة ومزاولة مهنة المحاماة مؤدّاه الخشية من أن يقوم المحامي الذي يكون في الوزارة بالتأثير والضغط على القضاة انطلاقاً من منصبه السياسي”.
وإذ يؤكّد كرم ضرورة انصراف المحامي عند تعيينه وزيراً إلى تعليق قيده وإعلام نقيب المحامين بهذا الأمر، وإلاّ قام النقيب بهذا التدبير بما يخوّله القانون من حقّ وسلطة، ويستذكر ما فعله نقيب المحامين الأسبق فيليب سعادة خلال ولايته الممتدة بين العامين 1960 و1962 حيث بادر ومن تلقاء نفسه إلى تعليق قيد عدد من الوزراء الذين لم يعملوا على تعليق قيودهم، فارضاً سلطته عليهم والمستمدّة من قانون تنظيم مهنة المحاماة.
أسماء لامعة
لا يذكر النقيب كرم من هم المحامون الوزراء الذين علّق سعادة قيودهم، ولكنْ إذا تصفّحنا أوراق الأرشيف، يتضح بأنّ هناك عدداً لا بأس به من شريحة الوزراء المحامين الذين تسلّموا مناصب وزارية في تلك الفترة، ومنهم على سبيل المثال: عثمان الدنا، كمال جنبلاط، فيليب تقلا، خاتشيك بابكيان، في حكومة الرئيس صائب سلام الأولى في عهد الرئيس فؤاد شهاب والتي استمرّت من الأوّل من شهر آب 1960 ولغاية 20 أيّار 1961. وكمال جنبلاط وفيليب تقلا في حكومة الرئيس صائب سلام الثانية في عهد الرئيس فؤاد شهاب والتي بقيت من 20 أيّار 1961 ولغاية 31 تشرين الأوّل 1961. وكامل الأسعد، وعثمان الدنا، ورينيه معوّض، وفؤاد بطرس، وإدوار حنين، ورشيد كرامي، وجان عزيز، وفيليب تقلا، في حكومة الرئيس رشيد كرامي الأولى في عهد الرئيس فؤاد شهاب والتي مكثت من 31 تشرين الأوّل 1961 وحتّى 20 شباط 1964.
ولم يرتعد النقيب سعادة من هذه الأسماء الكبيرة، ولم يقف خجلاً أمام اختراقها للقانون، إذا ما سلّمنا جدلاً بأنّ بعضهم انتهك قانون تنظيم مهنة المحاماة، لئلا نقول كلّهم في ظلّ عدم معرفة الفاعلين الحقيقيين، بل مارس سلطته فعلياً، غير عابئ بمناصبهم ومكانتهم السياسية والاجتماعية.
حادثة الحاج وحلو
وثمّة حادثة طريفة حصلت بين نائب حزب الكتائب ومنطقة عكّار إيلي سلوم الحاج والرئيس شارل حلو عندما عيّن وزيراً للعدل للمرّة الثانية في حكومة الرئيس سامي الصلح في عهد الرئيس كميل شمعون بين 16 أيلول 1954 و29 أيّار 1955، بعد المرّة الأولى في حكومة الرئيس عبد الله اليافي في عهد الرئيس بشارة الخوري والتي بقيت من 6 تشرين الأوّل 1949 ولغاية 15 كانون الأوّل 1952.
فإبّان مثول حكومة الصلح أمام المجلس النيابي لنيل الثقة، وقف النائب الحاج متسائلاً كيف تريدون منا أن نعطي الحكومة الثقة ووزير العدل فيها محام ممارس ومكتبه مفتوح؟، غامزاً بذلك من قناة حلو الذي ردّ قائلاً بأنّه “لو سألني زميلي قبل أن يقف ويقول هذا الكلام لقلت له أنّني ذهبت صباح اليوم إلى النقابة وعلّقت قيدي”.
هذا كان في الماضي، ولكنْ مهما عبرت السنون في بحره، فإنّه يظلّ قريباً ومثالاً يحتذى.
(نشر في مجلّة “محكمة” – النسخة الورقية – العدد 32 – آب 2018 – السنة الثالثة)