أبرز الأخبارعلم وخبر

“ضياع” قضائي بشأن الإعتكاف والعودة إلى العدليات.. ولائحة برواتب القضاة تظهر تدهورها/علي الموسوي

علي الموسوي:
كلّما لاح بصيص أمل بإمكانية فكّ الاعتكاف القضائي والعودة إلى العمل بعد طول انتظار من المحامين والمتقاضين، تمرّ سحابة سوداء تعطّل المبادرات، وتكبح جماح العودة، وتعرقل الاقتراحات، وتغلق نافذة الحلول المطروحة على بساط البحث والنقاش في الغرف المغلقة.
ومع أنّ هناك قضاة “اقتنعوا” بالعودة إلى محاكمهم ودوائرهم ومكاتبهم للنظر أقلّه، في أمور الموقوفين، وهذا ما تمّ لمسه في الفترة الماضية وتحديدًا منذ مطلع شهر كانون الأوّل 2022، إلّا أنّ هناك نسبة لا بأس بها من القضاة الرافضين بشكل كبير لمجرّد الخوض في مناقشة فكرة العودة، ما لم يلمسوا عن كثب ما يُشعرهم بالإطمئنان والإستقرار المادي والمعنوي.
ويرى هؤلاء في ما قدّم لهم منذ ستّة شهور تقريبًا من “دولارات” ومساعدات ومحروقات، نوعًا من “التخدير” الذي لا يغني ولا يسمن ولا يمكن القبول به، باعتبار أنّ الوضع الإقتصادي والمالي في لبنان آخذٌ في الإنحدار نحو الإنهيار بسرعة قياسية غير مسبوقة، ولا يزال سعر صرف الدولار الأميركي في السوق السوداء يسجّل ارتفاعًا يوميًا لا يطمئن الناس برمّتهم.
ومهما ضغط مجلس القضاء الأعلى لتنفيس الاعتكاف ولو تدريجيًا، فإنّ الفشل هو نتيجة حتمية لكلّ ذلك، وبالتالي فإنّ أيّ دعوة من هذا المجلس للقضاة، سواء اجتمع برئيسه والأعضاء الموجوين أو لم يجتمع، لحثّهم على الرجوع إلى ملفّاتهم المكدّسة، وبعضها كان في حالة العجلة وفقد موضوعَه، لن تلقى التجاوب الكبير لأنّ همّ القاضي منصبّ على تحصيل الاستقرار المعنوي والنفسي، وهو ما لم يحصل بصورة منتظمة بحسب معلومات “محكمة”، على الرغم من كلّ الوعود التي أغدقت من هنا وهناك، وعلى الرغم من كلّ الحلول والمعالجات المُقدّمة والمطروحة، وعلى الرغم من كلّ الإجتماعات التي لم تسفر عن نتائج ملموسة.
وردًّا على ما ينشر ويذاع عن أنّ مجلس القضاء الأعلى يتأهّب لدعوة القضاة إلى العمل بعد اجتماعه المتوقّع يوم الإثنين الواقع فيه 12 كانون الأوّل 2022، فإنّ الجواب الذي تلقته “محكمة” من جُملة قضاة يختصر بعبارة:”لسنا جيشًا يؤمر ويلبّي وينفّذ خصوصًا وأنّ شيئًا لم يتغيّر خلال الفترة الزمنية الأخيرة لجهة تحقيق ولو بعض المطالب المحقّة”، والتي تتمثّل بتعزيز الرواتب بما يليق بالحدّ الأدنى من العيش الكريم، وتحسين ظروف العمل بتأمين الاحتياجات والمستلزمات اليومية الضرورية من ماء وكهرباء وقرطاسية ونظافة.
أمّا غير ذلك من مطالب تصنّف تحت نوع “فضفاضة” مثل الحديث عن تعزيز العدليات واستقلال القضاء، فليست واردة في مفكّرة السلطة السياسية وتحديدًا الشقّ المرتبط بالإستقلالية، لا اليوم ولا غدًا، علمًا أنّ هذه الإستقلالية تنبع من القاضي نفسه، فإمّا أن يواجه متطلّبات السياسيين بالرفض التام وإمّا يخضع لها ويلبّيها طمعًا بنيل موقع أهمّ يومًا ما!
الرواتب
إنّ نظرة سريعة إلى تدنّي القيمة الشرائية لرواتب القضاة تؤكّد استحالة قبولهم بها، وصعوبة الإستمرار بها حتّى ولو قيل إنّ القضاة يقبضون رواتبهم من دون القيام بأيّ عمل.
فمن راتبه أربعة ملايين ومائة ألف ليرة(4.100.000) من القضاة من ذوي الدرجات(1 حتّى 4) كان يساوي 2721 دولارًا على أساس سعر صرف الدولار 1507 ليرة، وأصبح اليوم يوازي 97.6 دولارًا إذا ما تمّ احتسابه على أساس سعر صرف الدولار في السوق السوداء 42 ألف ليرة(مع أنّ هذا السعر قابل للإرتفاع بصورة دائمة، ومن دون اقتطاع أيّ ضريبة من أصل الراتب!).
ويبلغ راتب القضاة المصنّفين بين الدرجتين الخامسة والتاسعة، خمسة ملايين ومائة ألف ليرة(5.100.000) أيّ 121.4 دولارًا(على سعر 42 ألف ليرة) وقد كان يساوي 3384 دولارًا في زمن البحبوحة واليسر 1507 ليرة.
ويقف راتب القضاة ممن هم في الدرجات الـ 10 و11 و12 عند ضفّة الـ 6.350.000 ليرة، أيّ أنّه كان يوازي 4213.6 دولارًا وبات بمستوى 151.19 دولارًا.
ومن راتبه 7.100.000 ليرة من القضاة الذين هم في الدرجات 13 و14 و15 و16 يعادل 169 دولارًا بعدما كان يوازي 4711.34 دولارًا.
ويبلغ راتب القضاة ممن هم في الدرجات 17 و18 و19 ثمانية ملايين ومائة ألف ليرة(8.100.000) أيّ أنّه كان يساوي 5375 دولارًا لينخفض إلى 192.85 دولارًا.
ويصل راتب قضاة الدرجتين 20 و21 إلى 8.850.000 ليرة، أيّ أنّه كان يعادل 5872.5 دولارًا وبات يصل إلى 210.7 دولارًا.
أمّا القضاة الأعلى في الدرجة، أيّ 22 و23 و24، وهم قلّة قليلة، فيبلغ راتبهم 9.350.000 ليرة أيّ أنّه كان يعادل 6204.3 دولارات وبات يوازي 222.6 دولارًا.
لقد بات القضاة في حالة ضياع لجهة الإلتزام بدعوة مجلسهم الأعلى إلى الرجوع إلى ساحات العمل، أو الإمتناع عن تلبيتها، خصوصًا في ظلّ ما يحكى عن أنّ القضاة لا يستفيدون من مسألة زيادة الرواتب ثلاثة أضعاف كما هو وارد في متن قانون الموازنة العامة للعام 2022 باعتبار أنّهم ينتفعون من منح وتقديمات صندوق التعاضد الخاص بهم.
ولذلك، فإنّ القول بعودة قريبة للقضاة زالت من الوجود مع أنّها كانت قاب قوسين أو أدنى من التحقّق في الأيّام القليلة الماضية، ومع أنّ لجنة المتابعة القضائية تبذل جهودًا مضنية مع المعنيين لتحقيق المطلب المالي وهو أساس الاعتكاف المستمرّ منذ 16 آب 2022.
فهل من حلّ عادل يعيد القضاة إلى أقواس محاكمهم وملفّاتهم التي بات الغبار يعلوها، علمًا أنّ الأزمة المالية تمسّ كلّ اللبنانيين وتطال الطبقة الفقيرة باعتبار أنّ الطبقة المتوسّطة الدخل زالت من الوجود، أم أنّ الأمر متوقّف على عودة الحياة إلى مؤسّسات الدولة برمّتها بدءًا من رأس الهرم؟!
“محكمة” – السبت في 2022/12/10

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!