مقالات

في مدى الصلاحيات التي تمارسها الحكومة وكالةً عن رئيس الجمهورية في فترة الشغور الرئاسي/فرانسوا ضاهر

القاضي السابق والمحامي فرانسوا ضاهر:
في مدى الصلاحيات التي يعود للحكومة الحالية المعتبرة مستقيلة أن تمارسها وكالةً عن رئيس الجمهورية في فترة الشغور الرئاسي، سنداً لحكم المادة ٦٢ من الدستور :
١- إن المعيار الدستوري الموضوعي الذي يمكن الارتكاز عليه لتحديد مدى الصلاحيات التي يمكن للحكومة المعتبرة مستقيلة أن تمارسها وكالةً عن رئيس الجمهورية في فترة الشغور الرئاسي، سنداً لحكم المادة ٦٢ من الدستور، هو مصلحة البلاد العليا (le concept de la raison d’état).
بمعنى أنه بمعرض الموازنة بين أن تمارس الحكومة صلاحية دستورية يعود لرئيس الجمهورية ممارستها أو أن تمتنع عن ممارستها لحفظها لرئيس الجمهورية، يقتضي المفاضلة بإعطاء الأولوية دوماً لإتمام تلك الممارسة على حساب الامتناع عنها.
على اعتبار أن تلك المفاضلة تستند، في كل وضعية دستورية مطروحة، الى الأخذ بالنفع الذي يعود للدولة او الشعب من ممارسة الحكومة لصلاحية يعود او يشترك رئيس الجمهورية في ممارستها معها وتلافي الضرر العام الذي يلحق إنْ بالدولة او الشعب من جرّاء إمتناع الحكومة عن ممارستها.
٢- علماً أنه بقدر ما يمتدّ الشغور الرئاسي في الوقت بقدر ما تتوسّع بالتوازي الصلاحيات الضيقة لحكومة تصريف الاعمال حتى ترتقي تدريجاً الى مرتبة صلاحيات الحكومة العاملة. ذلك أن مصلحة البلاد العليا تقضي بتسيير شؤونها وانتظام عمل مؤسساتها.
٣- ولا يحدّ من إعمال هذه القاعدة الدستورية الاّ الصلاحيات اللصيقة بشخص رئيس الجمهورية. وهي غالباً تلك التي يعود له ممارستها منفرداً، إستناداً الى بعض مندرجات المادة ٥٣ والمادة ٥٩ من الدستور.
٤- اما الصلاحيات الدستورية التي يمارسها رئيس الجمهورية بالاشتراك مع الحكومة مجتمعة او مع رئيسها، فهي، بطبيعتها (par nature)، من فئة الصلاحيات التي يعود لمجلس الوزراء ممارستها وكالةً عن الرئيس، سنداً لحكم المادة ٦٢ دستور، وذلك مراعاةً لمصلحة البلاد العليا بالمفهوم الذي أسلفنا وتأميناً للنفع العام وتلافياً للتعطيل في عمل المؤسسات العامة للدولة ودرءاً للضرر الذي يطال العموم بفعل عدم ممارستها.
ذلك أنه بمراعاة مصلحة البلاد العليا يكون قد تأمن حسن سير عمل المؤسسات الإدارية والأمنية في الدولة، كذلك الحفاظ على مصلحة المواطنين عامةً بحيث إنّ لتلك المراعاة أولوية وأفضلية وقيمة دستورية تعلو على ما يعود لرئيس الجمهورية من صلاحيات يضطلع بحق ممارستها بمعرض توليّه لمنصبه الدستوري.
بخاصة وأن رئيس الجمهورية لا يشارك في التصويت في جلسات مجلس الوزراء عندما يترأسها (1/53 دستور)، وأن لا تبعة عليه حال قيامه بوظيفته (٦٠ دستور). وأنه يعود لمجلس الوزراء أن يؤكد على مقرّراته رغم إعتراض رئيس الجمهورية عليها (٥٦ دستور). كما ويعود للمجلس النيابي أن يُعيد إصدار القانون الذي يكون قد أقرّه، ولو بالغالبية المطلقة من مجموع الأعضاء الذين يؤلفونه، رغم طلب إعادة النظر به من قبل رئيس الجمهورية (٥٧ دستور).
٥- اما القول بتفسيرات وفذلكات ومفاهيم مخالفة لأحكام الدستور من قبل العديد من السياسيين والحقوقيين الذين يدورون في فلكهم، بهدف إسترداد ما خسره رئيس الجمهورية من صلاحيات بدستور الطائف، إنما لا يخدم بناء الدولة ولا يحصّن الميثاق الوطني اللبناني ويُبيح التجاوزات في مواقع أخرى من قبل أولياء المناصب العليا في السلطات المركزية.
“محكمة” – السبت في 2024/1/13

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!