مقالات

آلية اختيار أعضاء المجلس الدستوري اللبناني وخيارات تعزيز استقلاليتهم/ليتيسيا معري

ليتيسيا معري:
لقد ساورت فكرة الرقابة على دستوريّة القوانين بعض السياسيين والمشرّعين اللبنانيّين المطّلعين على التطوّرات الّتي شهدتها الأنظمة الدستوريّة في أوروبا بعد الحرب العالميّة الثانية. وهذه الأفكار والإقتراحات وجدت تعبيراً عنها في وثيقة الوفاق الوطني عام 1989، فجاء فيها تحت عنوان “الإصلاحات الأخرى” ما يلي: “ضماناً لخضوع المسؤولين والمواطنين جميعاً لسيادة القانون وتأميناً لتوافق عمل السلطتين التشريعيّة والتنفيذيّة مع مسلّمات العيش المشترك وحقوق اللّبنانيين الأساسيّة المنصوص عنها في الدستور: ينشأ مجلس دستوري لتفسير الدستور ومراقبة دستوريّة القوانين والبت في النزاعات والطعون الناشئة عن الإنتخابات الرئاسيّة والنيابيّة. وللجهات الآتي ذكرها حقّ مراجعة المجلس الدستوري في ما يتعلّق بتفسير الدستور ومراقبة دستوريّة القوانين: رئيس الجمهوريّة، رئيس مجلس النواب، رئيس مجلس الوزراء، ونسبة معيّنة من أعضاء مجلس النواب”.
وعليه، نشأ المجلس الدستوري وخصّصت له المادة 19 من الدستور المعدّل بموجب وثيقة الوفاق الوطني، في الباب الثاني تحت عنوان السلطات.
كما حدّدت القوانين اللبنانية طبيعة المجلس الدستوري، فجاء فيها أن المجلس الدستوري هيئة دستوريّة مستقلّة ذات صفة قضائيّة. لذا، ولكي يقوم المجلس بمهمته بنزاهة تامة واستقلالية، ينبغي لأعضاء المجلس الدستوري الانفصال عن السلطة التي قامت بتسميتهم.
من المعلوم أن القوة السياسية هي التي تقوم بتعيين هؤلاء الأعضاء حسب النص الوارد في المادة الثانية من قانون رقم 250 الصادر بتاريخ 1993/07/14 الذي تم تعديله بموجب القانون رقم 43 تاريخ 2008/11/3 حول إنشاء المجلس الدستوري وتعديلاته: “” يتألف المجلس الدستوري من عشرة أعضاء. يعين مجلس النواب نصف هؤلاء الأعضاء بالأكثرية المطلقة من عدد الأعضاء الذي يتألف منه قانونـاً في الدورة الأولى، وبالأكثرية النسبية من أصوات المقترعين في الدورة الثانية، وإذا تساوت الأصوات، فالأكبر سناً يعتبر منتخباً، ويعين مجلس الوزراء النصف الآخر بأكثرية ثلثي عدد أعضاء الحكومة”” حيث تعتبر عملية تعيين أعضاء المجلس الدستوري مرتبطة بشكل جوهري بضرورة تحقيق استقلالية هؤلاء الأعضاء عن النفوذ السياسية. وبشكل خاص، استقلالية كل عضو في المجلس الدستوري عن التأثيرات السياسية أو التوجّهات السياسية التي قد يكون معرّضًا لها نظرًا لتعيينه أو اختياره. هذه القضية تشكل تحدياً موجودًا في مختلف أنحاء العالم، بما في ذلك لبنان.
لا شك أن استقلالية أعضاء المجلس الدستوري تمتاز بالحماية القانونية، حيث يكفل القانون اللبناني الاستقلالية الإدارية والمالية للمجلس. وبالإضافة إلى ذلك، يوفّر القانون ضمانات لاستقلالية الأعضاء الشخصية منذ اختيارهم مروراً بعملهم. فعلى سبيل المثال، مدة ولاية العضوية في المجلس الدستوري غير قابلة للإختصار أو للتجديد.
من المسلّم به أن المجلس الدستوري لا يستطيع القيام بمهامه إلّا إذا مارسه باستقلالية تامّة وبنزاهة وبعدم انحياز لأيّ طرف من الأطراف السياسية. فهنا بعض المقترحات التي تعزّز مبدأ الاستقلالية في اختيار هؤلاء الأعضاء ضمن الشّروط الموضوعيّة والشخصيّة المرتبطة بهم. وتمّت مناقشة هذه المقترحات مع العضو في المجلس الدستوري القاضية ميراي نجم شكر الله:
– حصر آليّة اختيار نصف أعضاء المجلس الدستوري من قبل السّلطة التنفيذيّة بشخص رئيس الجمهوريّة بدلاً من مجلس الوزراء، باعتباره هو رأس الهرم والمؤتمن على حماية الدستور والحفاظ عليه ومنع خرقه. وهذه الآليّة تحدّ من مفهوم المحاصصة والصراع القائم ما بين أعضاء مجلس الوزراء.
إضافة إلى ذلك، إنّ هذا التعديل سيساهم في إمكانية القيام بالتعيين في وقت أسرع نسبيًا، إذ إنّ الرئيس يقوم بالتعيين بمفرده.
واقترح هذا التعديل الرئيس السابق للمجلس الدستوري الدكتور عصام سليمان في المشروع الذي أعدّه بعنوان: “تعديل النص الدستوري وبعض النصوص القانونية” عام 2017. كما أن شكر الله تشجع هذه النظرية، إذ بنظرها، يعتبر مجلس الوزراء تجسيدًا مُصغّرًا لمجلس النواب، حيث تفترض أن يتم انتخاب خمسة أعضاء من قِبَل مجلس النواب، والخمسة الآخرين من قِبَل رئيس الجمهورية.
– تجديد ثلث أعضاء المجلس كل ثلاث سنوات من قبل المراجع المختصّة بتعيينهم، ما يعزّز مبدأ مداورة السلطة تكريسًا لمفهوم الديمقراطيّة.
تعتبر شكر الله أن هذا المقترح مفيد جدًّا ويعزّز استمرارية المجلس الدستوري وتدعيمه بكفاءات جديدة قد ترفع مستوى أداء عمله الرقابي. من هذا المنطلق، سيستفيد الأعضاء السابقون من خبرة الأعضاء الجدد.
من الناحية العملية، قد لا يكون من السهل تحقيق ذلك بسبب التعطيل المحتمل. بمعنى آخر، عندما يحين وقت تعيين أعضاء جدد، وإذا لم تتمّ الموافقة من قبل السلطة السياسية المخوّلة بالتعيين، نجد أنفسنا أمام مجلس مضطرّب نتيجة لانتهاء ولاية خمسة من أعضائه، ممّا يؤدّي إلى شلل في أدائه.
– إلزاميّة التنوع العلمي والمهني بين الأعضاء المعيّنين وفرض شرط اختيار بعض الأعضاء من خلفيّة أكاديميّة مرتبطة بمؤسّسات الدولة مباشرةً كأساتذة القانون الدستوري كما هو الحال في دولة الجزائر. خاصّةً وأنّ المجلس الدستوري هو هيئة ذات صفة قضائية تسهر على احترام الدستور عبر الرقابة التي تجريها على دستورية القوانين.
تعتبر شكر الله أنّ وجود أساتذة القانون الدستوري أمرًا ذا فائدة هامة، وتؤيّد فكرة وجود أعضاء غير حقوقيين في المجلس كعلماء اجتماعيين مثلًا، ولكن بعدد ضئيل. إذ ترى أنّه يجب على العضو أن يتمتّع بثقافة قانونية نظرًا لتعقيد المسائل التي تُطرح أمام المجلس الدستوري وارتباطها بمفاهيم تقنية وعملية.
في الختام، نجدّد أهمية استقلالية أعضاء المجلس الدستوري في السياق القانوني. فهو يُبرز الضرورة الملحّة لتحقيق استقلالية كاملة لأعضاء المجلس دون تدخّل من السلطة السياسية، وذلك لضمان عمل المجلس بكفاءة ونزاهة. إنّ تحقيق هذه الاستقلالية يعدّ أمرًا حيويًا لتعزيز الثقة في عمل المجلس والحفاظ على سلامة العملية الديمقراطية والقانونية.
قائمة المراجع:
– جحا شفيق، الدستور اللبناني، تاريخه وتعديلاته ونصه الحالي، دار العام للملايين، بيروت.
– سليمان عصام، النهوض في مواجهة الانهيار – تجربتي في المجلس الدستوري، منشورات الحلبي الحقوقيّة، 2022.
– محمد عدوان أكرم، الطائفية وأثرها على النظام السياسي في لبنان، منشورات كلية آداب الجامعة السلمية، غزة، 2011.
– https://www.cc.gov.lb/ar
– https://legal-agenda.com/author/legaladmin/
– https://www.lebarmy.gov.lb/
– http://lebaneselaws.com/default.aspx
– https://lebanon.saderlex.com/
– https://www.vie publique.fr/sites/default/files/rapport/pdf/114000263.pdf
– https://www.dalloz-revues.fr/revues/RFDA-20.htm
– https://www.journal-officiel.gouv.fr/pages/accueil/
– https://constitutionnet.org/sites/default/files/01-constitutional_courts_r14.pdf
“محكمة” – الثلاثاء في 2024/4/30

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!