مقالات

إستفيدوا من طاقات الجاليات اللبنانية في الإغتراب/ناضر كسبار

المحامي ناضر كسبار:
منذ نعومة أظفاري، ومطار بيروت يمثّل بالنسبة لي مكاناً لانهمار دموع البكاء ودموع الفرح. في هذا المطار الذي كنا نطلّ عن البلكون على المدرج حيث الطائرات ودّعنا مئات الأشخاص من إخوة وأخوات وأقارب وأصدقاء بالدموع لأنّنا كنا نعلم علم اليقين أنّهم لن يعودوا بسبب الهجرة، ولا اتصالات معهم في ظلّ عدم وجود وسائل الاتصال في الستينات والسبعينات…الخ.
أمّا وجهتهم الأساسية فهي كندا. وتأتي بعدها فنزويلا واوستراليا وأميركا.
في كندا، وصل عدد الأقارب والأصدقاء والجالية من أبناء بلدتي إلى الآلاف وخصوصاً في ليمنغتون ووندسور ومونريال وكيبك وغيرها، وهم يجتمعون بصورة دائمة وخصوصاً يوم الأحد حيث يحضرون القدّاس الإلهي في الكنائس ومن ثمّ يلتقون بعده في مركز النادي. هؤلاء المغتربون هم ثروة لبنان في الخارج. كلّ واحد منهم متعلّق ببلده لبنان ويتكلّم عنه وكأنّه غادره البارحة وحنينه إليه أكبر من أن يوصف. ومعظمهم تبوأ أعلى المناصب في البرلمان وفي الإدارات الرسمية وفي المهن الحرّة كالمحاماة والطبّ والهندسة والقضاء وغيرها وغيرها وهم بالآلاف. والمؤسف أنّ الدولة اللبنانية لا تنظر إليهم إلاّ كمصدر للمساعدة المالية أو للإستعانة بهم من قبل المتنافسين على المراكز النيابية لربح المقاعد. ولم تحاول الدولة الاستفادة من قدراتهم العلمية والوطنية والسياسية والمادية وخصوصاً لجهة تشكيل لوبي يساعد لبنان في المحافل الدولية على النهوض من كبواته.
يوم تخرّجي من كلّية الحقوق في الجامعة اليسوعية في العام 1983، أرسلت الأوراق لشقيقتي دوللي والتي قدّمتها في أربع جامعات قبلت بها. إلاّ أنّني تراجعت عن السفر بعد أن حضرت صورة إبن عمي روبير إلى ذهني والذي سافر ليكمل دراسته ونال الدكتوراه ولم يعد إلى لبنان منذ خمسين سنة. فكندا هي بلد محترم وراق وأكثر بلد نظامي في العالم. ومن يكون شفّافاً ويحبّ النظام ويسافر إلى كندا، فهو لن يعود إلى لبنان. ولذلك رفضت السفر يومها وضاعت آمالي في نيل الشهادات العليا من كندا.
منذ عدّة أيّام قام عدد من أبناء الجالية بمبادرة مشكورة تجاهي، وهم الذين يتابعون نشاطاتي في لبنان، ويقرأون مقالاتي ويناقشونني بها وكأنّهم يعيشون بيننا.
منذ سنوات وسنوات وعدد من النوّاب من أصل لبناني، وخصوصاً النائب النشيط مارك حرب، يتابعون مقالاتي ومواقفي ومداخلاتي على مختلف الصعد. ومن منطلق تقديرهم للعلم والثقافة والشفافية والمواقف الوطنية والعلمية والإجتماعية، كانوا يقولون، مثلهم مثل الآلاف من أبناء الجالية اللبنانية: يجب أن تكون في موقع المسؤولية. وهم في طريق تنفيذ كلامهم ووعودهم مشكورين.
طبعاً كلام جميل. ولكن في لبنان لا دور للمستقلّ الذي يتفق عليه المتخاصمون المتناتشون للمناصب والمراكز. وكنا قد فرحنا بالمبادرة الفرنسية وبمجيء الرئيس المكلّف الدكتور مصطفى أديب، إلاّ أنّ العراقيل المقصودة بدأت بالظهور، وهذه المرّة بشكل علني للأسف، ليثبتوا وللمرّة الألف أنّهم لن يسمحوا للمستقلّين بالعمل حتّى ولو أدّى ذلك إلى إنقاذ لبنان ومساعدته دولياً.
ويبقى الأمل بعدم يأس اللبنانيين وأصدقائهم في المحافل الدولية والذين يعرفون بالتأكيد أكثر من اللبنانيين ومسؤوليهم بأنّ الوضع خطير جدّاً جدّاً.
حمى الله لبنان وشعب لبنان.
“محكمة” – الثلاثاء في 2020/9/22

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!