الأخبارمقالات

“بانوراما قضائية”.. وراء كلّ فساد طائفة/جاد طعمه

المحامي جاد طعمه:
إستبشر اللبنانيون خيراً بحملة بدت وكأنّها جدّية، هدفت إلى تنقية الجسم القضائي ومرفق العدالة من مكامن الفساد. حملة وعد بها فخامة رئيس الجمهورية بأنّها ستكون شاملة وجدّية ولا تستثني أحداً، حملة توعّدت بها المقدّم سوزان الحاج فور توقيفها حين هدّدت بفضائح كبرى ستطال رؤوساً كبيرة.
وكرّت سبحة من الأسماء أمام الرأي العام، وجرى توقيف عدد لا بأس به من سماسرة العدل والموظّفين وخمسة قضاة، وطلب منح الإذن بملاحقة عدد من المحامين، وعلى رغم الصدمة التي ترافقت مع إعلان بعض الأسماء والمعلومات، ظلّ الرهان بأنّ “فرع المعلومات” الذي يتابع التحقيقات تحت إشراف مباشر من حضرة مدعي عام جبل لبنان القاضية غادة عون ومدعي عام التمييز، لا بدّ وأنّه يقوم بمهامه بمنتهى الجدّية، وقيل إنّ الأسماء المتوافرة باتت تطال عشرات من القضاة والمحامين.
مسار الأمور بالنسبة لكلّ مراقب بدأ حماسياً وسريعاً، ثمّ ما لبث أن أصيب بالخمول والبرودة بعد حديث عن توقيف سمسار على علاقة بحضرة مفوّض الحكومة في المحكمة العسكرية، تبع ذلك خلاف ظهر للعلن بين الأخير وحضرة المدير العام لقوى الأمن الداخلي، ومن ثمّ رفض حضور تحقيق لدى التفتيش القضائي بحجّة تبعية القاضي العدلي لدى المحكمة العسكرية لوصاية وزير الدفاع، فزيارة لوزير الدفاع إلى المحكمة العسكرية، فقرار بتبرئة المقدّم سوزان الحاج ترافق مع التأكيد على براءة الممثّل زياد عيتاني، وزيارة من الوزير باسيل إلى “بيت الوسط”.
كلّ تلك الإشارات كانت تدلّ على تهدئة سياسية طالت الحملة، لا سيّما وأنّ ذلك ترافق مع تسمية مجلس النوّاب لقضاة المجلس الدستوري، ورغم قيام التفتيش القضائي بتحقيقات مع قضاة إستجابوا لطلب التحقيق معهم، لم يكن أحد يتوقّع أيّ مفاجآت، إلى أن جرى تسريب خبر مفاده توصية التفتيش القضائي إلى وزير العدل بتوقيف قاضيين جديدين عن العمل، هنا عاد ملفّ مكافحة الفساد ليستعر من جديد، فاجتهد وزير العدل لعدم توقيف القاضيين الجديدين مستنداً إلى احتمال إعلان براءتهما، وكأنّ هذا الإحتمال لا يطال من سبقهما من قضاة وموظّفين، وعاد التململ إلى أن فوجئ الجميع بأنّ الحملة عادت وطالت قاضيين آخرين، وكأنّ التسوية السياسية التي برّدت الأجواء سقطت، وعادت الأمور إلى التأزّم.
إنْ كانت هذه الحملات مرتبطة بتنفيذ تعهّدات الدولة اللبنانية للدول المانحة في مؤتمر سيدر، فأغلب الظنّ أنّ الدول المانحة باتت على دراية بالكيدية السياسية الحاصلة في ملفّ مكافحة الفساد، وإن كانت الحملة مرتبطة بتصفية حسابات بين السياسيين فلا بدّ على هؤلاء من التنبّه إلى أنّ الإستمرار في شدّ الحبال على حساب هيبة مرفق العدالة ستكون له تبعات كارثية على هيبة الدول المتهاوية ككلّ، ولا بدّ من التمتّع بروح عالية من المسؤولية كي لا نعود بالزمن إلى الوراء وتتكرّر المشاهد المؤلمة التي مرّت في قبرشمون منذ أيّام قليلة، لا سيّما وأنّ الناس كلّ الناس تعاني حالياً من القلّة المادية ما ينعكس قلّة استشعار بالمواطنية على حساب جنون طائفي.
وإن صدقت النوايا، فلا بدّ لحملة مكافحة الفساد من أن تستمرّ بموضوعية لبناء جسور الثقة مع المواطن، ولا بدّ من الحرص على عدم إطلاق الخطاب الطائفي من قبل الجميع، فلبنان وطن لجميع أبنائه، ولا فضل لمسلم على مسيحي والعكس بالعكس، إلاّ بمقدار حبّ الوطن وممارسة المواطنية الحقّة ونظافة الكفّ.
وحبّذا لو يتوافق الجميع على أنّ الفاسد والمفسد لا حصانة سياسية ولا حصانة طائفية له، وليتمّ إخراج التداول بالأسماء من بازار الحملات والحملات المضادة نفعاً للصالح العام.
“محكمة” – السبت في 2019/7/6

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!