مقالات

حرّية التعبير رصينة ولكلّ إنسان كرامته/ناضر كسبار

النقيب ناضر كسبار*:
أيتها الحرّية. كم من الجرائم ترتكب باسمك.
عبارة كنا نرددها، واعترف أننا كنا نفهمها كمبدأ، ولكن لم تكن لدينا كامل الأدلة الحسية على مضمونها. إلى أن بدأ بعض المنتفعين والشعبويين وأصحاب المصالح والإرتباطات الخارجية، يرددونها، ويطلقونها بوجه المحافظين على حرية التعبير، مستفيدين من بعض الضعف لدى قسم من الرأي العام الذي يستند على ظاهر الكلام الذي يسمعه من دون أن يدقق أو يتمحّص.
ولنعد إلى الأصول.
حرية التعبير تكمن في إعطاء الرأي في مختلف المواضيع السياسية والوطنية والإجتماعية والإدارية والإقتصادية والصحية والقانونية والتربوية…إلخ. وحرية التعبير يجب أن تكون رصينة، محترمة، بعيدة عن القدح والذم والتشهير والشانتاج. فلكل إنسان كرامته. ولكل نقابة أو مؤسسة كرامتها. فمن يودّ التعبير عن رأيه عليه أن يوصل فكرته وانتقاده باحترام وليس بغوغائية أو بالفوضى.
ولا يمكن لحرّية التعبير أن تشكّل وسيلة ضغط على الآخرين كما يعتقد البعض. إذ كيف يمكن للبعض أن يقول إنّ حرّية التعبير تستعمل في التأثير على القضاء. فالقضاء حرّ، ويطبق القانون. ويجب أن يكون متحرّراً من أي ضغط ومن قبل أي كان، كائناً من كان، حتى ولو من زميله القاضي أو من السياسيين أو من المجتمع المدني. إذ مَن يقول أن مَن يود الضغط على القضاء، حتى ولو كان من المجتمع المدني أو من أيّ جهة كانت، هو على حق؟. ومن يقول أنه ليس من أصحاب المصالح؟. وكيف يُعطى الحق لجهة أن تضغط بالكتابة أو بالتظاهر ضد القضاء وهي قد تكون على خطأ أو صاحبة مصلحة، أو مدفوعة من قبل آخرين؟. وكيف يكون لهذه الجهة التي تملك الإمكانيات أن تضغط والجهة الأخرى من القضية لا تملك تلك الإمكانيات؟. واين مبدأ المساواة؟. ومبدأ إستقلالية السلطة القضائية؟.
أيها الأحبة،
إنّ حرّية كلّ إنسان تقف عند حدود كرامة الآخرين. فلا يمكن إهانة الآخرين تحت ستار حرية التعبير. فلكل إنسان إسمه، وصيته، وكرامته. ومن غير المسموح التعدي على كرامات الناس، وأعراض الناس. ومن يود الإنتقاد، عليه الإنتقاد بموضوعية وبصدق، بعيداً عن الكذب والنفاق والتزلف. وبعيداً عن تنفيذ أجاندات داخلية وخارجية وإيهام الآخرين بأمور غير صحيحة للبناء عليها في الحطّ من كرامات الناس. كما يقتضي التمييز بين وضع الضوابط المحقّة وبين القمع، وعدم اللعب على أفكار الناس ومشاعرهم خصوصاً ممن لا يتمتعون بالعلم الوافي والثقافة الكافية. كما لا يمكن التحجّج بالتكنولوجيا والتقدّم والتطوّر للقول بأن كل الآراء مسموحة حتى ولو كانت خاطئة ومؤذية ومدمرة. أتمنّى لمؤتمركم التوفيق.
* ألقى النقيب ناضر كسبار هذه الكلمة في ندوة بعنوان: “الحقّ والحرّية قيمتان وجوديتان مسؤولتان”، أقامتها لجنة الدفاع عن الحرّيات العامة وحقوق الإنسان في نقابة المحامين في بيروت، اليوم، في “بيت المحامي”، وتناوب على التكلّم فيها وزراء العدل والثقافة والداخلية والبلديات هنري الخوري ومحمّد وسام المرتضى وبسام مولوي الذي مثّله محافظ بيروت القاضي مروان عبود، ورئيس لجنة الدفاع المذكورة المحامي عبدالله عبد الساتر وقدّمهم المحامي حسين فياض.
“محكمة” – الأربعاء في 2023/5/10

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!