خاص “محكمة”: مرسوم التجنُّس واجب النشر/ضياء الدين زيباره
المحامي ضياء الدين محمّد زيباره (باحث قانوني):
شكّل مرسوم التجنّس الأخير الذي تمّ تمريره في ليل، مادة دسمة للإعلام والجمهور خاصة لجهة التستّر عليه، ما عدا الأغلبية الساحقة للحديث عن تجنيس مقابل منافع مادية وغير مادية .
مراسيم التجنُّس تاريخياً :
منذ صدور القرار التشريعي رقم ١٥ لعام ١٩٢٥(قانون الجنسية) بدأت السلطة تُصدر مراسيم منح الجنسية اللبنانية.
ففي الفترة الممتدة من العام ١٩٢٦ حتّى العام ١٩٦١ أحصينا صدور حوالي ١٣٠٠ مرسوم تجنّس كلّ منها لشخص أو لعائلة على الأكثر جميعها منشور في الجريدة الرسمية.
بعد العام ١٩٦١ لم يتبيّن صدور أيّ مرسوم تجنّس، إلى أن كان العام ١٩٩٤ حيث صدر المرسوم الشهير رقم ٥٢٤٧ (منشور في الجريدة الرسمية في ملحق خاص رقم 2 للعدد 26) في عهد الرئيس الياس الهراوي والذي تضمّن تجنيس مائتين وألفي شخص (٢٠٢٠٠٠) معظمهم من مكتومي القيد. وفِي نهاية عهد الرئيس ميشال سليمان صدر مرسوم تضمّن تجنيس 300 فرد وعائلة (نحو 644 شخصاً) لم ينشر في الجريدة الرسمية .
وجوب النشر :
هل يتوجّب نشر هذا النوع من المراسيم؟ هل القانون اللبناني يوجب نشر جميع أنواع المراسيم؟ أم يميّز بين المراسيم التنظيمية وغيرها فيوجب نشرها دون سواها؟
قبل إيراد النصوص القانونية المتعلّقة بالمسألة، نلفت إلى أنّ هيئة التشريع والإستشارات في وزارة العدل وبناء على طلب رئيس الحكومة آنذاك، أعطت رأيها في هذا المجال بموجب الإستشارة رقم 2489 تاريخ 8 تموز 1997، فاعتبرت في معرض تفسيرها للقانون رقم 646 لعام 1997 ” أنّ المراسيم الواجب نشرها في الجريدة الرسمية هي فقط المراسيم ذات الصفة العامة غير الشخصية التي تعني جمهور الرعية كالمراسيم التنظيمية والتطبيقية لما لحصول النشر على وجه قانوني من أثر على سريان هذه المراسيم بوجه جمهور الرعية”.
مع الأسف إنّ هذا الرأي لم يقف عند المضمون الحقيقي للقاعده القانونية، بل إنّ ما فعلته الهيئة أنّها حدّت – خلافاً للأصول – من مفهوم ونطاق تطبيق النصّ القانوني الذي جاء عاماً مطلقاً، فاستثنت فئة من المراسيم من إلزامية النشر وكأنّها لبّت رغبة السلطة السياسية في حينه لتمرير بعض المراسيم دون إطلاع الجمهور عليها، هذا فضلاً عن عدم الحاجة أساساً لهذا الرأي تبعاً لعدم تحقّق أيّ من دواعي التفسير، وهي الخطأ المادي، أو النقص، أو التناقض، أو الغموض .
فالنصوص التي ترعى هذه المسألة واضحة ومنسجمة ولا يصعب على العامة تفسيرها كي نكون بحاجة إلى رأي الهيئة.
فنصّت المادة 56 من الدستور المعدّلة وفقاً للقانون الدستوري 18 تاريخ 1990/9/21 “يصدر رئيس الجمهورية القوانين التي تمّت عليها الموافقة النهائية في خلال شهر بعد إحالتها إلى الحكومة ويطلب نشرها. أمّا القوانين التي يتخذّ المجلس قراراً بوجوب استعجال إصدارها، فيجب عليه أن يصدرها في خلال خمسة أيّام ويطلب نشرها.
وهو يصدر المراسيم ويطلب نشرها، وله حقّ الطلب إلى مجلس الوزراء إعادة النظر في أيّ قرار من القرارات التي يتخذها المجلس خلال خمسة عشر يوماً‚من تاريخ ايداعه رئاسة الجمهورية، وإذا أصرّ مجلس الوزراء على القرار المتخذ، أو انقضت المهلة دون اصدار المرسوم أو إعادته يعتبر القرار أو المرسوم نافذاً حكماً ووجب نشره”.
يتضح جلياً من هذا النصّ أنّ المشرّع الدستوري :
1- لم يميّز بين نوع وآخر من المراسيم، فرئيس الجمهورية يُصدر المراسيم كلّها ويطلب نشرها كلّها
2- إنّ عبارة يطلب نشرها أتت متلازمة مع عبارة صدور المراسيم أو نفاذها أينما وردت، ففي بداية الفقرة الثانية وردت عبارة “يُصدر المراسيم ويطلب نشرها”، وفي نهاية الفقرة الثانية وردت عبارة”… يعتبر القرار أو المرسوم نافذاً حكْماً ووجب نشره”. وبالتالي، فإنّ جميع المراسيم التي يصدرها رئيس الجمهورية عليه أن يطلب نشرها دون استثناء .
3- لو شاء المشرّع الدستوري استثناء بعض المراسيم من النشر لكان نصّ على ذلك صراحة، فكان بإمكانه أن يورد “يصدر المراسيم ويطلب نشر التنظيمية منها” على سبيل المثال .
أمّا وأنّ المشرّع لم يحدّد فئة المراسيم الواجب نشرها، أو أنّه لم يستثن منها فئة معيّنة، فلا يحقّ لهيئة التشريع والإستشارات أو لغيرها وضع ضوابط أو استثناءات على نصّ دستوري .
وهذا الوضوح يسري أيضاً على القانون رقم 646 – الصادر في 1997/6/2 (مهل نشر القوانين والمراسيم والقرارات في الجريدة الرسمية) والذي جاء فيه :
” المادة 1-
1- …
2- تطبيقاً لأحكام الفقرة الثانية من المادة 56 من الدستور، تنشر المراسيم في الجريدة الرسمية، خلال مهلة أقصاها خمسة عشر يوماً من تاريخ إصدارها.
3- عندما ينشر قانون أو مرسوم أو قرار في ملحق لعدد من أعداد الجريدة الرسمية، يتوجّب ذكر تاريخ صدور الملحق على الملحق نفسه”.
فعبارة تُنشر المراسيم والقرارات أتت عامة أيضاً ولم يصر إلى تحديد نوع معيّن واجب نشره أو فئة معيّنة غير واجبة النشر.
وفي هذا المجال نورد مقتطفاً من قرار صادر عن مجلس شورى الدولة اعتبر فيه:”وبما أنّ مرسوم التجنّس يعتبر من الأعمال الادارية الفردية، إلاّ أنّه بالنظر لعدد الأشخاص الذين يشملهم، فهو يعتبر أيضاً من القرارات أو الأعمال الادارية الجماعية (actes administratifs collectifs) التي يجوز إبطالها كلّياً أو جزئياً.
(ش. ل.:”مجلس القضايا”، القرار رقم 484 تاريخ 2003/5/7، الرابطة المارونية/ الدولة، م.ق.إ. العدد 19 ص 908).
وبما أنّ المرسوم المذكور، ولئن كان يعتبر من الأعمال الادارية غير التنظيمية التي تبدأ مهلة المراجعة بشأنها من تاريخ التبليغ أو من تاريخ التنفيذ في مواجهة الأشخاص المعنيين بها، إلاّ أنّ المستدعي الذي لم يرد اسمه في المرسوم السالف الذكر يعتبر من الأشخاص الثالثين أو من فئة الغير بالنسبة للمرسوم المذكور، طالما أنّه لم يعد قابلاً للتنفيذ في مواجهته، بحيث تسري مهلة المراجعة في مواجهته من تاريخ نشر المرسوم في الجريدة الرسمية”.
(القضاء الإداري – مجلس شورى الدولة – رقم الحكم:557 /2007- 2008 – تاريخ: 2008/04/29 – العدد: 4 – السنة: 2008 – صفحة: 1569).
فاعتبر المجلس في هذا المقام أنّ مرسوم التجنّس هو من الأعمال الإدارية الجماعية التي يجوز إبطالها كلّياً أو جزئياً وأنّ مهلة المراجعة في مواجهته تبدأ بالنسبة للغير من تاريخ نشر المرسوم في الجريدة الرسمية.
بناء على ما تقدّم، يتحتّم على رئيس الجمهورية في دولة القانون والمؤسّسات أن يطلب نشر هذا المرسوم في الجريدة الرسمية لإطلاع الجمهور عليه وتمكيناً لكلّ صاحب مصلحة مشروعة أن يتقدّم بالطعن فيه .
هل تتوفر أسباب قانونية لإبطال مرسوم التجنّس كلّياً أو جزئياً؟
سيصار إلى التعليق على هذه المسألة في مقال لاحق .
“محكمة” – الأحد في 2018/06/03
*حفاظاً على حقوق الملكية الفكرية، يرجى الإكتفاء بنسخ جزء من الخبر وبما لا يزيد عن 20% من مضمونه، مع ضرورة ذكر إسم موقع “محكمة” الإلكتروني، وإرفاقه بالرابط التشعّبي للخبر(Hyperlink)، وذلك تحت طائلة الملاحقة القانونية.