عفو عام جزئي أم شامل؟ /علي الموسوي
كتب علي الموسوي
أمّا وأنّ القرار السياسي قد اتخذ بإجراء الإنتخابات النيابية في شهر أيّار 2018، بعد انقطاع دام منذ العام 2009 تخلّله تمديد المجلس النيابي لنفسه ثلاث مرّات، فإنّ “تباشير الأمل” التي ترافق هذه الخطوة هي استصدار قانون عفو عام عن كلّ الجرائم المرتكبة في طول البلاد وعرضها كرشوة إنتخابية لا غنى عن القيام بها من أجل كسب المزيد من الأصوات والحؤول دون تشتّتها واستفادة المعارضين منها.
وبات مؤكّداً حصول عفو عام، وهذا ما يتمّ تداوله في الصالونات السياسية، لكنّ طريق ظهوره غير معبّدة بالموافقة السياسية النهائية على كيفية تطريزه قبل إلباسه الحلّة القانونية المناسبة، وما هي الجرائم التي يمكن أن يشملها؟ ومن هم الأشخاص الذين يمكنهم الإستفادة منه لكي يعودوا إلى ممارسة حياتهم بشكل اعتيادي وربّما ممارسة جرائمهم نفسها بتكرارها أو باجتراح سواها ممّا تعلّموه خلف القضبان من مدرّسين أقحاح في التربية الإجرامية!.
وإنْ كانت وتيرة الإتصالات السياسية قد تسارعت في نهاية سنة 2017 من أجل بلورة موقف نهائي من قانون عفو عام تستفيد منه كلّ المكوّنات السياسية الموجودة في السلطة من دون استثناء، إلاّ أنّ هناك بعض العقبات التي تحتاج إلى تذليل ومعالجة جذرية وتتمحور حول نوعية الجرائم التي يمكن أن يشملها، ولذلك، فهل يكون عفواً عاماً شاملاً يفتح أبواب السجون لخروج كلّ السجناء من كلّ الطوائف والأطياف والمحمّلين بجرائم مختلفة، أم يكون عفواً عاماً جزئياً عن جرائم محدّدة، ويقتصر على سنين معيّنة لتفادي الإحراج الذي يمكن أن يسبّبه إخراج بعض المساجين المشبعين بالإجرام؟.
وفي هذا الإطار، تؤكّد مصادر سياسية مطلّعة على الحركة السياسية المواكبة لتظهير قانون العفو في حديث مع”محكمة” أنّ المسودّات المتبادلة بين الأطراف في الكواليس، لغاية الآن، تستثني جرائم الإرهاب والمخدّرات، وهذا ما يعيق أيّ تقدّم في النقاش الحاصل، لأنّ هذا الإستثناء لا يُطْعم خبزاً إنتخابياً ولا يرضي قواعد الناخبين، لا بل يزيد نفورهم وغضبهم ولا يحقّق المرتجى منه، لذلك فإنّه يعوّل على إبرام إتفاق نهائي يقضي بضمّ جرائم المخدّرات والإرهاب إلى هذا القانون.
وتضيف المصادر أنّ جرائم القتل المباشر مشمولة بالمسودّات وموجودة في متنها، على أن تقتصر على ما قبل العام 2006 وليس ما بعده.
ويسعى رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري إلى الظفر بقانون عفو عام يناسب معركته الإنتخابية ويعيده قوياً وعلى رأس كتلة نيابية كبيرة ووازنة في ظلّ قانون النسبية المعتمد في هذه الإنتخابات للمرّة الأولى، وهو لا يألو جهداً لإرضاء كلّ الفرقاء السياسيين لتسهيل الطريق أمامه، لكنّ قانون العفو العام”الإنتخابي” في سنة 2018، كما تقول المصادر السياسية نفسها، لن يشبه قانون العفو العام”الإنتخابي” الصادر في العام 2005 والذي اقتصر على “هدية” سياسية أخرجت رئيس حزب “القوّات اللبنانية” سمير جعجع، والمشاركين في قتال الجيش اللبناني في جرود الضنية تحت لواء”القاعدي” اللبناني بسّام كنج الملقّب بـ”أبي عائشة” والذي قتل آنذاك، وموقوفي “مجدل عنجر”، فقط دون سائر المحكومين والموقوفين في جرائم أخرى.
وعليه، فإنّ”شدّ الحبال” و”الكباش” الخفي حول ماهية قانون العفو العام المرتجى، يحاول تذليل العقبات القائمة بحيث يطاول “الموقوفين الإسلاميين” الذين لم يلطّخوا أيديهم بدماء ضبّاط وعسكريي الجيش اللبناني والمؤسّسات الأمنية الأخرى، ومن لم يقاتل في صفوف التنظيمات الإرهابية المتفرّعة عن تنظيم “القاعدة” مثل الدولة الإسلامية في العراق والشام “داعش”، و”جبهة النصرة”، و”فتح الإسلام”، ولم يتولّ مسؤؤولية قيادية فيها، أيّ من غُرّر به وانخرط في صفوف هذه التنظيمات واكتفى بتنفيذ أعمال غير حربية مهمّة، وخدمات لوجستية وحراسات ونقل مؤن وأموال ومواد غذائية وتهريب مقاتلين وأسلحة وذخائر وتزوير هويّات.
كما أنّه من المقرّر أن يلتحق بقانون العفو، المطلوبون في بعلبك – الهرمل سواء أكانوا بجنايات أو جنح، وإذا ما صار شاملاً وواسعاً ليضمّ الجميع من دون استثناءات، فإنّ المخدّرات حتماً في صميم هذا العفو العام، والإتجار بها وترويجها ليسا حكراً على أبناء هذه المنطقة، والدليل الملفّات القضائية التي تحكي بالأسماء عن الأشخاص ومناطقهم وطوائفهم.
وبين كلّ هذه المجريات، يبدو القضاء متفرّجاً إلاّ من حيث تنفيذ القرار السياسي بوجوب تنفيذ قانون العفو، وما دامت الغلبة دائماً للسياسة، فلماذا يكون هناك قضاء؟! ولماذا يتحمّل قضاة وزر محاكمات وملفّات؟! ولماذا تستنفد طاقة القضاة في دعاوى تستقرّ في نهاية الأمر في حضن قانون عفو يكون إرضاء للسياسيين؟ وأليس هذا القانون يعزّز المقولة القائمة بأنّ القضاء دائماً في خدمة السياسة!
لا تجيب المصادر السياسية إيّاها على هذه الأسئلة، وتكتفي بابتسامة يُفْهم منها جواب عام مفاده أنّ لكلّ عهد سياسي قانونَه للعفو العام!
(نشر في مجلّة “محكمة” – العدد 25 – كانون الثاني 2018- السنة الثالثة)