مقالات

في السياسة والثقافة والقيافة

بقلم النقيب عصام كرم:
ألكثرة النيابية التي نالها إيمانويل ماكرون، رئيس فرنسا، كانت منتظَرة. فالفرنسيون يميلون إلى إعطاء الرئيس الجديد كثرة رحراحة تمكّنه من الحكم. شارل ديغول كان يطلب كثرة كاثرة… فينالها. غيره لم يحظَ بالطوفان الشعبي نفسه. طوفان ماكرون ليس بالشيء القليل. ألمنتخَبون الجُدُد مجهولون… في معظمهم. كفاهم أنهم رُشّحوا على لوائح أيدّها الرئيس الجديد. في مصر فاروق كان يكفي المرشّح المجهول أن يُشيع أنه “إبن النحّاس” … مصطفى النحّاس، زعيم حزب “الوفد”، بعد سعد زغلول… حتّى يصير نائباً… “جيل ماكرون” كثير، راجح… لولا الإمتناع عن التصويت، وقد فاقت نسبته الـ 57 في المئة، للمرّة الأُولى في الجمهورية الخامسة. وللمرّة الأُوْلى يدخل جان لوك ميلانشون ومارين لوبين البرلمان الفرنسي. وللمرّة الأُولى لا يكون لليمين مرشّح في الدورة الثانية. وللمرة الأُولى، وبعد زمن، استعاد فرانسوا بايرو زهو الـ “موديم” لو لم تواثبه فضيحة الوظائف في البرلمان الأُوروبي، مثلما نغّصت على العهد الجديد فرحته فضيحةُ فيرّان. ألجمهوريون طلعوا من المعركة الرئاسيّة بأنّهم استطاعوا أن يتفادوا الأسوأ. الإشتراكيون لم يستيطعوا. فكانت حالتهم النيابية صورة عن حالتهم الرئاسية.
إيمّانويل ماكرون عرف أنّ البداية… بداية ممارسة الحكم… مهمّة. فأتّقن بداية عهده، عارفاً بالتحدّيات الفرنسية الأُوروبية الدولية، وخصوصاً الشرق أوسطية. فتراه يتلافى، ما أمكن، الدعسات الناقصة… في الحياة العامة وفي حياته الخاصّة. قالوا فيه إنّه هاوي رجال لأنّ فَرْق السنّ بينه وبين امرأته 39 عاماً. هكذا في الخبريَّة المتداولة. فقال:هل لَزامٌ أن يكون رجلٌ هاويَ رجال أو متعهَّد، أيّ gigolo ، إذا كانت إمرأته أكبر سناً منه؟ إنّ في هذا إنتقاصاً في قيمة “المرأة”. ويُكمل: لو كان الفرق معكوساً، لما كان مجال للكلام. صحيحٌ قول الرئيس الفرنسي. ميلينا أصغر من دونالد ترامب بـ 39 سنة. وما أحد قال شيئاً يستغرب هذا الفرق.
بريجيت ماكرون حيَّرت الدنيا وشغلت الناس. بنت الـ 64 سنة المحافظة على جمالها وعلى قيافتها تطلّ على الناس متحرّرةً من العِقَد. فيهتف لها الناس:”بريجيت، نحبّك”. وتسمع هي. فتغتبط لا تعطي أُذناً واعية للذين قالوا: “مامي في الـ إيليزي”. “جدّة فرنسا الأُوْلى”. هذا الكلام لم يعْنِها … ما دامت تجاوزت كلّ الأعراف وطاحت كلّ “المقدّسات” وقالت لـ “المرأة” ألاّ تقلق بعد الخمسين. فهي بريجيت العصريّة في لباسها المحتشم. وعندما تلبس المايّوه تكشف عن جسد فتيّ أشقر البَشَرة لوّحته الشمس. تلبس عند جيكيير… نيكولا جيكيير. مثلما لبست أنيمون جيسكار ديستان عند “شيرير”. ومثلما لبست كلود بومبيدو عند “شانيل”. ودانييل ميتّيران عند “تورانت”. وبرناديت شيراك عند “دْيور”. وسيسيليا عند “بْرادا”. وكارلا عند “غاليانو”.
قيافة بريجيت تحكي حكاية الحداثة … مثلما تحكي قصّة الحبّ وسيرة الحياة. كلّما ذكروها استذكروا بريجيت الأُخرى… بريجيت باردو التي فرضت، بأُنوثتها وحُسنها، حقّ المرأة بالإطلالة الحرّة المتنفّضة من الخبث الإجتماعي والتصنُّع المُريب.”… وخلق الله المرأة “. فيلم روجي فاديم من ستّين سنة. كانت بريجيت باردو فيه بنت الشهوة الفتيّة الجامحة. مذذاك… انطلقت معركة القديم والجديد… معركة القدامى والمحدَثين… كما في السينما كذلك في الشعر من قَبْل. وهنيئاً لمن استطاع أن يستبقي أصالة القديم تصافح وضاءة الجديد. بدائع أمرىء القيس تعانق رقّة ديك الجنّ، صاحب المذهب الشامي. وكلاسيكية راسين وكورناي تهفو إلى سرّيالية أندري بروتون.
قصّة حبّ انتهت، من عشر سنوات، بزواج. منذ هو في السابعة عشرة عالَنَها: سأتزوّجك مهما كان. في سنّ الخامسة عشرة وقعت منه، فعَلِقها. كان تلميذها في ليسي أميان. صفات مشتركة… وصفات متناقضة جمعت بينهما. إمرأة عفوية مباشَرة مبادرة. وشاب متفوّق يعرف كثيراً من أشياء الثقافة. فضلاً عن أنّه يرفل ببرفير الشعر. ألحبّ عرّفهما ببعضهما. والغزل الغرامي كمّل الدرب. فتركت زوجها، المصرفي المعروف، لتلحق الفتى الوسيم المتيَّم، واضعةً خطّاً أسود على وضع إجتماعي عائليّ … هي بنت تجّار الشوكولاتة من زمان.
لا المصرف. ولا تجارة الحلو أوقفا هجمتها في طريق قلبها… فالحبّ قتّال. قادها إلى طلاق من رجل المصارف ليكون لها تلاقٍ مع رجل المعارف.
يا أللّه! كم أُريق حبر في كتابة عيشتها. شبّهوها بـ مدام بوفاري… بطلة قصّة غوستاف فلوبير. وشبّهوها بـ جاكلين كينيدي التي قال ديغول لـ اندري مالرو عندما حدّثه عنها بعد عودته من زيارة البيت الأبيض:”هذه المرأة ستنتهي على متن ناقلة بترول”. ويُقتل كيندي. وما يزال قاتله… القاتل الحقيقي… مجهولاً حتّى اليوم. وتتزوّج “جاكي” من أُوناسيس. الـ “واشنطن بوست” قالت: شيء جمع بين ترامب وماكرون:” ألفرق 39 سنة بين الزوج والزوجة.” مارسيلا ياكوب، الكاتبة الإباحيّة تروي قصص الجنس العاري بينها وبين دومينيك سْتراوس كان، قالت إنّ الرجال يفضلّون العقلانية المختمرة، ألفتيّة بعد، على الصبا الجامح.
بريجيت ماكرون تحبّ الفرح. تحبّ الشمس وتنهد إلى أن تكون هي الشمس.. كما في كلام كثير كُتب عنها.
أحبّها كثيرون. وأبغضها كثيرون. كثيرون قدروا فهمها الحياة. وكثيرون أخذوا عليها استطالتها على الحياة.
هذا شأن الناس. كلّ الناس. وهذا كلام الأبراج.”ناس بيحبّوك. وناس بيسبّوك”. وحسْب صاحب الحظ أن يجعل الأوّلين أوفر عدداً من الآخرين.
… وحديث القيافة، في فرنسا خصوصاً، لا ينتهي. مثْله مثْل القصص الإباحيّة التي تلقى في العالم القديم مسرحها والتي ينأى عنها العالم الجديد. إدوار فيليب، رئيس حكومة فرنسا، من هواة أزرار القمصان. فلكلّ مناسبة أزرارها. وهي برتقالية، مرّة. وفي ألوان العلم الفرنسي، مرّةً. ومرةً ثالثة، هي تستحكي الذكريات. لحيته متقنة. تلاعبها الموسى. ويداعبها المقصّ… لتظلّ مونقة مشذّبة. في أزرار القميص يتلاقى إدوار فيليب، إدوار بالادور وطوني بْلير ودومينيك سْتراوس كان. وفي لحيته، هو جديد على ماتينيون. مثلما هو في تمييزه العاقل، هو وبْريجيت، بين الضوء والفيء. بين الظهور والإنكفاء. فلم تعرف فرنسا رئيس حكومة ملتحياً منذ سنة 1947 مع بول راماديي. عندنا، سعد الحريري، هو الملتحي الأوّل بين رؤساء الحكومة. أللّحية عزيزة. فلتكن خيراً على حاملها… وعلى الناس!.
(نشر في مجلّة “محكمة” – العدد 20 – آب 2017).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!