أبرز الأخبارمقالات

قراران اتهامي وتمييزي يحسمان نقطة قانونية: ما يرد في مطبوعة صحفية من جرائم المطبوعات/ناضر كسبار

المحامي ناضر كسبار:
في العام 2005 اصدر قاضي التحقيق الاول في بيروت قراراً ظنياً اعتبر فيه ان ما ورد في صحيفة الديار في المقالة التي كتبها يومها الصحافي شارل ايوب بحق رئيس الجمهورية آنذاك تشكل جناية الافتراء المنصوص عليها في المادة 403 فقرة 2 عقوبات وجنحة المادة 403.
وبموجب المادتين 128 و 129 من قانون اصول المحاكمات الجزائية، وضعت الهيئة الاتهامية يدها على الملف، وكانت مؤلفة من القضاة الرئيس جميل بيرم والمستشارين غادة عون وعماد قبلان. واصدرت قراراً مهماً جداً ومدروساً يصلح مع القرار التمييزي الذي صدق القرار الاتهامي ليدرسا في كليات الحقوق والاعلام وغيرها.
فقد اعتبرت الهيئة الاتهامية في قرارها ان جريمة المطبوعات تفترض تعريفاً اقترافها بواسطة النشر في المطبوعة وان احكام قانون العقوبات لا تطبق على جرائم المطبوعات.
وقضت يومها الهيئة الاتهامية بمنع المحاكمة عن المدعى عليهما شارل ايوب ويوسف الحويك من جناية وجنحة المادة 403، وظنت بهما بمقتضى المادة 23 من المرسوم الاشتراعي 77/104 معطوفة على المادة 26 منه وعلى المادة 385 عقوبات، وايجاب محاكمتهما امام محكمة المطبوعات.
الا ان النيابة العامة الاستنئافية في بيروت تقدمت بطعن امام محكمة التمييز التي كانت مؤلفة من القضاة الرئيس عفيف شمس الدين والمستشارين محمد مكي وجورج حيدر، وادلت ان كثيراً من الجرائم الواردة في المقال والمنسوبة الى فخامة رئيس الجمهورية هي موضع تحقيق قضائي كجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري. وان المقال احيل على النيابة العامة التمييزية اصبح معروفاً من جميع المراجع السياسية والاجتماعية، وهو بذلك يشكل اخباراً يكون موضوعا لتحقيق قضائي، مما يجعل عناصر جرم المادة 403 من قانون العقوبات متوافرة ويكون القرار المطعون فيه قد اساء تطبيق القانون.
الا ان محكمة التمييز العليا ابرمت القرار الاتهامي وعللت ان المدعى عليه شارل ايوب اكتفى بكتابة المقال في الصحيفة من دون ان يرفق المقال او محتوياته الى اي مرجع. وان عبارة “قدم” تعني ان يكون قد لجأ الى هذه السلطة وتوجه اليها مباشرة بشكاية او اخبار.
***
ان هذه القرارين المبدئيين الصادرين عن ستة قضاة مشهود لهم بالعلم والكفاءة يشكلان الركيزة الاساسية لمفهوم جرم المطبوعات، ونتمنى ان يدرسا في كليات الحقوق والاعلام ومعهد الدروس القضائية ومعهد المحاماة نظراً لاهميتهما ولحسمها نقطة اساسية في هذا المجال. كما يقتضي ان يحتفظ بهما وكلاء وسائل الاعلام المرئية والمسموعة والخطية للادلاء بهما امام المراجع المختصة.
لذلك، فإننا ننشر القرارين الاتهامي والتمييزي تعميماً للفائدة.
***
القرار الاتهامي رقم 2005/411 تاريخ 2005/5/20
ثانياً: في القانون
حيث لا بد بادئ ذي بدء من تحديد المفهوم القانوني لجرائم المطبوعات تمهيداً لمعرفة ما اذا كانت الافعال المسندة الى المدعى عليهما تنطبق على التوصيف القانوني لهذه الجرائم وتخضيع بالتالي لاحكام قانون المطبوعات الصادر بالمرسوم الاشتراعي 77/104 ام انها تشكل جرائم عادية تسري عليها احكام قانون العقوبات العام.
وحيث من المقرر فقها “واجتهاد” ان جريمة المطبوعات تفترض تعريفاً اقترافها بواسطة النشر في مطبوعة، اي انه يقتضي لقيامها اضافة الى تحقق العنصرين القانوني والمعنوي، تحقق شرط العلانية وهو الركن المادي المتمثل بحصول النشر بواسطة مطبوعة صحفية او غيرها.
وحيث من الراهن بالعودة الى وقائع الدعوى ان الجرائم المسندة الى المدعى عليهما المذكورين تنطبق على الوصف المذكور لكونها ارتكبت بواسطة النشر في مطبوعة دورية.
وحيث بالفعل فان اقدام المدعى عليه على نسبة امور شائنة الى فخامة رئيس الجمهورية على الوجه المبين اعلاه كالقول هي وقائع اقل ما يمكن وصفها بانها شائنة ومهينة بحق رئيس الدولة ومن شأنها بالتأكيد التعرض لشرفه واعتباره والحط من قدره واحترامه عند اهل الوطن.
وحيث ان فعل المدعى عليه المذكور يشكل والحالة ما ذكر جريمة الذم المنصوص عنها المادة 23 من قانون المطبوعات معطوفة على المادة 385 فقرة اولى عقوبات.
وحيث ان فعله لجهة استعمال عبارات الازدراء والتحقير بحق رئيس الجمهورية كالقول… وهي عبارات تنطوي على التحقير والاستهزاء وتحقق بوجه المدعى عليه المذكور عناصر جريمة القدح المنصوص عنها في المادة 385 فقرة عقوبات معطوفة على المادة 23 من المرسوم الاشتراعي 77/104.
وحيث ان قيام المسؤولية الجزائية بجانب المدعى عليه كاتب المقال، من شأنها ان تستتبع حتما تحقق المسؤولية الجزائية بوجه المدير المسؤول لجريدة الديار كفاعل اصلي سنداً للمادة 26 من المرسوم الاشتراعي 77/104.
وحيث لا مجال في هذا السياق لتطبيق احكام قانون العقوبات على الافعال المشار اليها وفقاً لما ذهب اليه القرار الظني ومطالعة النيابة العامة، لانه من الثابت سندأ للمادة 33 من المرسوم الاشتراعي المنوه عنه، ان احكام قانون العقوبات لا تطبق على جرائم المطبوعات عندما لا يرد عليها نص خاص في قانون المطبوعات، الامر غير الحاصل في الدعوى الحاضرة حيث نصت المادة 23 من القانون المكذور على معاقبة جرائم القدح والذم التي من شأنها المس بكرامة رئيس الجمهورية.
وحيث وحتى على فرض اعتبار ان الافعال المشكو منها تقع تحت طائلة احد نصوص قانون العقوبات فانه من المقرر قانوناً انه عند تقاطع نصين عام وخاص لا بد من تغليب النص الخاص والا انتفت الفائدة من وجود التشريع الخاص.
وحيث في مطلق الاحوال وعلى سبيل الاستفاضة في الجدل القانوني وعلى فرض اعتبار ان المقال موضوع الدعوى قد تضمن عبارات ووقائع من شأنها الافتراء على موقع رئيس الجمهورية وشخصه، الا ان ذلك غير كاف بذاته للقول بتوافر عناصر جريمة الافتراء بحق المدعى عليهما وفقاً للمفهوم القانوني لهذا الجرم الوارد في المادة 403 عقوبات، والتي اوجبت لتحقق اركان جريمة الافتراء ان يقدم الشاكي اخباراً او شكوى ينسب فيها الى شخص ما انه اقدم على ارتكاب جرم جزائي، وان تكون هذه الشكوى قد قدمت الى سلطة قضائية او الى سلطة يجب عليها ابلاغ السلطة القضائية الامر غير الحاصل في الدعوى الراهنة، حيث اقتصر الامر على نشر المقال في صحيفة دورية.
يراجع بهذا الخصوص مؤلف:
Droit penal special, Robert vouin, précis dalloz p 297, “la decision de condemnation doit preciser a quelle autorite la denonciation a ete faite, car la loi ne sanctionne que les denonciations faites a certaines autorites”
Droit penal special, Michele-laure rassel, dalloz p 387, “le but de 1 incrimination est de punir celui qui cherche mechamment a attire des ennuis a quelqu’un en denoncant des faits inexacts a une personne ayant lw pouvoir dy donner suite. Il faut donc que la denunciation soit addressee a quelqu’un investi d’un pouvoir de sanction a l’égard du denoncé.
لذلك
تقرر بالاجماع:
1- منع المحاكمة عن المدعى عليهما شارل ويوسف من جناية المادة 403 فقرة 2 من عقوبات ومن جنحة المادة 403 فقرة اولى ع. لعدم توافر عناصرهما.
2- الظن بهما بمقتضى المادة 23 من المرسوم الاشتراعي 10/77 معطوفة على المادة 26 منه وعلى المادة 385 عقوبات.
3- ايجاب محاكمتهما امام محكمة المطبوعات.
4- تضمينها الرسوم والنفقات القانونية.
5- احالة الاوراق جانب النيابة العامة لاجراء المقتضى.
قراراً صدر في غرفة المذاكرة بتاريخ 20/5/2005
***
قرار محكمة التمييز:
وعلى اثر طعن النيابة العامة الاستئنافية بالقرار الاتهامي امام محكمة التمييز العليا والتي كانت مؤلفة من القضاة الرئيس عفيف شمس الدين والمستشارين محمد مكي وجورج حيدر، ابرمت المحكمة قرار الهيئة الاتهامية بتعليل مستفيض لا يترك اي مجال للتفسير المعاكس على الاطلاق.
وجاء في القرار التمييزي:
“ان النيابة العامة المميزة ادلت بأن جرائم الافتراء غير منصوص عليها في قانون المطبوعات، مما يقتضي بتطبيق قانون العقوبات الامر لم تأخذ به الهيئة الاتهامية وحصرت الجرائم المدعى بها بقانون المطبوعات، واضافت النيابة العامة “ان كثيراً من الجرائم الواردة في المقال والمنسوبة الى فخامة رئيس الجمهورية هي موضع تحقيق قضائي، كجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، مما يقضي بتطبيق قانون العقوبات، الامر الذي لم تأخذ به الهيئة الاتهامية وحصرت معالجة الجرائم المدعى بها بقانون المطبوعات، واضافت النيابة العامة ان كثيراً من الجرائم الواردة في المقال والمنسوبة الى فخامة رئيس الجمهورية هي موضع تحقيق قضائي كجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري. وان المقال احيل على النيابة العامة التمييزية اصبح معروفاً من جميع المراجع السياسية والاجتماعية، وهو بذلك يشكل اخباراً يكون موضوعا لتحقيق قضائي، مما يجعل عناصر جرم المادة 403 من قانون العقوبات متوافرة ويكون القرار المطعون فيه قد اساء تطبيق القانون.
وبما أنّه من مراجعة المقال الذي شكل موضوع الدعوى الحاضرة يتبين انه ورد بصيغة مقال افتتاحي في جريدة “الديار” عددها تاريخ 2005/4/12، وفيه ينسب كاتبه المدعى عليه شارل ايوب الى فخامة رئيس الجمهورية اعمالاً وتصرفات واموراً منها ما يتعلق بقضايا امنية واخرى بقضايا مالية، وثالثهما يتعلق بصفقات او منحى معيناً في التصرف.
وبما انه من الثابت في الملف ان المدعى عليه شارل ايوب اكتفى بكتابة المقال في الصحيفة من دون ان يرفق المقال او محتوياته الى اي مرجع.
وبما ان المادة 403 من قانون العقوبات التي تطالب النيابة العامة بتطبيقها على الدعوى الحاضرة تضمنت ما يلي:” من قدم شكاية او إخباراً الى السلطة القضائية او الى سلطة عليها ابلاغ السلطة القضائية فعزا الى احد الناس جنحة او مخالفة يعرف براءته منها او اختلق عليه ادلة مادية على وقوع مثل هذا الجرم عوقب…
واذا كان الفعل المعزو يؤلف جناية عوقب المفتري بالاشغال الشاقة. وتبين بوضوح من هذا النص انه من اجل تطبيق المادة 403 لا بد ان يكون قدم احد الناس شكاية او اخباراً الى السلطة القضائية، وان عبارة قدم تعني ان يكون قد لجأ الى هذه السلطة وتوجه اليها مباشرة بشكاية او اخبار، اما ان يكون المقال قد تضمن ما يعزو الى رئيس الجمهورية او الى غيره من الناس افعالاً او تصرفات او اموراً اخرى فإن ذلك من شأنه ان يلحق بسمعة وكرامة المقصود بالمقال ما ينال منها وقد يعتبر قدحاً او ذماً ولكنه لا يشكل افتراء لعدم انطباق شروط المادة 403 من قانون العقوبات على فعله.
وحيث تأسيساً على ما تقدم فإن القرار المطعون فيه يكون واقعاً في موقفه من حيث النتيجة التي توصل اليها مما يقضي برد طلب النقض في الاساس.
لذلك، تقرر المحكمة بالاتفاق قبول طلب النقض شكلاً ورده اساساً وابرام القرار المطعون فيه وحفظ الرسوم.
“محكمة” – الخميس في 2019/2/21

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!