مكتب الادعاء في نقابة المحامين يسجّل “عيوبًا وزلّات” في مسارات التحقيق بانفجار المرفأ
أصدر “مكتب الإدعاء في نقابة المحامين في بيروت الخاص بفاجعة ٤ آب” بيانًا في ذكرى مرور سنة على الجريمة تضمّن التالي:
“بمناسبة مرور سنة على جريمة تفجير مرفأ بيروت بتاريخ ٤ آب ٢٠٢٠، والتي أودت بحياة أكثر من ٢٠٠ مئتي شخص وجرح أكثر من ستّة آلاف وتدمير أجزاء كبيرة من العاصمة بيروت، أصدر مكتب الإدعاء التابع لنقابة المحامين في بيروت البيان التالي المتعلّق بنتيجة متابعته للتحقيقات منذ سنة وحتّى اليوم بصورة حثيثة ومتواصلة:
مع حلول يوم ٤ آب ٢٠٢١ يطوي اللبنانيّون العام الأوّل على وقوع جريمة العصر، وتطوي نقابة المحامين أيضًا سنة متواصلة من الجهود والمتابعة الحثيثة لهذه القضيّة الإستثنائية التي تتابعها منذ لحظة وقوعها عبر مكتب الإدعاء الذي أنشأته النقابة وتمأسس خصيصًا لهذه الغاية.
لا تخفي النقابة ولا مكتب الإدعاء إنطباعاتهما عن سير التحقيقات في هذه الذكرى الأليمة، والميزة الأساسية لهذه الإنطباعات هي عدم الرضى والإطمئنان على مسار التحقيقات وتخوّف جدّي على إمكانية إحقاق الحقّ وتحقيق العدالة الكاملة في جريمة العصر هذه.
ويمكن في هذا المجال تسجيل العيوب والزلات التالية، سواء في مسارات التحقيق الداخلي، أم في التعاون الدولي مع التحقيق، أم في الشقّ المتعلّق بتعويض الضحايا وأهالي الضحايا والمتضرّرين.
1- على صعيد مسار التحقيقات في الداخل، يمكن تسجيل الزلات التالية:
• تنحّي المدعي العام لدى المجلس العدلي بحجّة ارتباطه بأحد النوّاب المطلوب رفع الحصانة عنهم. وتولّي متابعة التحقيقات أحد معاونيه أو إثنين من معاونيه.
يضاف إلى هذا المعطى المعلن عنه عن أسباب التنحّي، معطى إضافي يتمثّل بتولّي حضرة النائب العام التمييزي توجيه التحقيق الذي أجراه الرائد جوزف الندّاف خلال شهري أيّار وحزيران ٢٠٢٠ بشأن تخزين كمّية النيترات امونيوم في العنبر رقم ١٢ في مرفأ بيروت، وهو تحقيق إنتهى إلى إعطاء حضرة النائب العام التمييزي إشارة تتعلّق بتدابير لمنع سرقة العنبر أكثر من تعلّقها بمعالجة خطورة تخزين هذه المادة. وقد تبع هذه الإشارة إصدار حضرة المحامي العام التمييزي، الذي يتولّى هذه القضيّة منذ تنحّي حضرة النائب العام التمييزي، قرارًا بحفظ ملفّ القضيّة التي تولّى التحقيق فيها الرائد الندّاف.
وقد أدّت هذه الظروف إلى تخلّي النيابة العامة لدى المجلس العدلي عمليًا عن دورها كسلطة ملاحقة.
وعلى سبيل المثال:
فقد وافق أحد المحامين العامين خلال شهر كانون الأوّل ٢٠٢٠ على طلب تخلية سبيل مشتبه بهما أساسيين في القضية (رئيس إدارة واستثمار مرفأ بيروت السيّد حسن قريطم ومسؤول الأمن في المرفأ في إدارة واستثمار مرفأ بيروت السيّد سامر العوف) وذلك لأسباب غير مفهومة، قبل أن يردّ المحقّق العدلي طلب تخلية سبيلهما.
تجدر الإشارة إلى أنّ النيابة العامة عادت وناقضت موقفها المتخذ خلال شهر كانون الأوّل ٢٠٢٠ عندما رأت ردّ طلب تخلية سبيل السيّدين قريطم والعوف لاحقًا لدى تقديمهما طلب تخلية سبيل خلال شهر آذار ٢٠٢١.
ممّا يدعو للتساؤل عن مبرّرات الموافقة على طلب تخلية سبيلهما في المرّة الأولى ومعارضة ذلك في المرّة الثانية.
– إتخاذ النيابة العامة موقفًا من الحصانات ومن المرجع المختص لمحاكمة الوزراء، إذ اعتبر المحامي العام التمييزي في مذكّرة تقدّم بها ردًّا على طلب نقل الدعوى من أمام المحقّق صوّان، أنّ القضاء العدلي ليس مختصاً لمحاكمة رئيس وزراء ووزراء، بحيث إنّه بدل فتح المجال أمام الهيئة العامة أو المحقّق العدلي أو مرجع قضاء حكم للبتّ بمسألة الصلاحية، تلكأت سلطة الملاحقة سلفًا عن أيّ إجراء ملاحقة مع الرؤساء والوزراء.
– إتخاذ النيابة العامة موقفًا من سلطة المحقّق العدلي الإستثنائية في سماع الموظّفين كمدعى عليهم سندًا للمادة ٣٦٢ أ.م.ج (حتّى ولو كانت النيابة العامة لم تدعِ عليهم)، بحيث فسّرت النيابة العامة المادة ٣٦٢ أ.م.ج تفسيرًا ينزع من المحقّق العدلي سلطة سماع مشتبه به كمدعى عليه إذا كان موظّفًا إذا لم تكن النيابة العامة بالذات قد إدعت أو اتخذت إجراءات ملاحقة بحقّه.
إنّ مواقف النيابة العامة هذه أدّت عمليًا بالتالي إلى تعطيل دورها كسلطة ملاحقة.
• إلصاق تهمة الإرتياب المشروع بالمحقّق العدلي القاضي فادي صوّان بمجرّد أن وسّع مروحة تحقيقاته لتشمل سياسيين من رئيس وزراء حالي ووزراء سابقين أو نوّاب، حتّى بلغ الأمر إصدار محكمة التمييز قرارًا بنقل الدعوى للإرتياب المشروع بالمحقّق العدلي بذريعة واهية وهي أنّ المحقّق العدلي تضرّر منزله من جرّاء الإنفجار وتقاضى تعويضًا عن هذه الأضرار.
• تحرّك السياسيين واستنهاض قواهم وحضورهم السياسي بصورة تلقائية لحماية مواقع سياسية وإبقائها بمنأى عن التحقيقات العدلية. وهذا ما حصل مثلًا مع مسألة الإدعاء على رئيس الوزراء في الحكومة المستقيلة.
• إستنفار أكثرية الكتل النيابية لحجب اختصاص المحقّق العدلي في التحقيق مع الرؤساء والوزراء وإبقاء التحقيق معهم ضمن إطار لجنة تحقيق برلمانية والمجلس النيابي ومجلس محاكمة الرؤساء والوزراء غير المشكّل أصلًا.
• ويمكن التساؤل في هذا المجال، لماذا لم يتحرّك المجلس النيابي لحظة وقوع الإنفجار لتشكيل لجنة تحقيق برلمانية، ولماذا انتظر وصول طلب رفع حصانات عن بعض الوزراء السابقين النوّاب الحاليين للسير بإجراءات تصبّ في خانة حفظ صلاحية المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء الذي لم يمارس أيّة مهام قضائية في أيّ يوم من الأيّام.
• مزايدة السياسيين لإدخال مسألة الحصانات في التجاذبات السياسية وتعديل الدستور لوضع العوائق أمام شمولية التحقيق العدلي.
• تعقيد آلية إعطاء إذن ملاحقة بعض كبار مسؤولي القادة الأمنيين.
• أمّا على الصعيد الخارجي، فأمكن تسجيل بعض العوائق على الشكل التالي:
• ما زال المحقّق العدلي بانتظار نتيجة عدّة استنابات قضائية وجّهت إلى السلطات القضائية في أكثر من بلد في الشرق وفي الغرب، في أوروبا كما في إفريقيا.
• وكذلك لم يتمّ تزويدنا بأيّة صور جويّة أو Satellite تظهر موقع الإنفجار خلال فترة الحريق والإنفجار أو حتّى قبله أو بعده لحجج ليست مقنعة. رغم مطالبتنا حضرة الأمين العام للأمم المتحدة بذلك.
وبالتالي، فلا تعاون دولي جدّي مع التحقيقات لكشف كلّ جوانب الحريق والتفجير اللذين وقعا في ٤ آب ٢٠٢٠.
• أمّا على صعيد التعويض عن الضحايا وأهالي الضحايا والمتضرّرين: لا زالت مسألة التعويض الجدّي للضحايا وأهالي الضحايا وللمتضرّرين، كلّ المتضرّرين، غير واضحة لغاية تاريخه، أمام غياب الدولة التي اكتفت بتعويضات رمزية لبعض المتضرّرين، وبقيت المدينة مدمّرة، وبقي الضحايا وأهالي الضحايا والمتضرّرين بدون أيّ تعويض جدّي رغم مضي سنة على جريمة العصر، وبقي المصابون والمعاقون من جرّاء هذه الجريمة في مواجهة الظروف الإقتصادية الصعبة وتكاليف العلاج الباهظة، ولولا دعم بعض الجمعيات ومؤسّسات المجتمع المدني لبقيت المدينة المدمّرة والمهجورة على حالها منذ سنة ولغاية تاريخه.
أمام هذا المشهد المأساوي، تبقى نقابة المحامين في بيروت إلى جانب الضحايا وأهالي الضحايا والمتضرّرين، مصمّمة، كما في اليوم الأوّل، على مواكبة التحقيقات والمحاكمات حتّى النهاية، حتّى إحقاق العدالة الكاملة، في لبنان كما في الخارج، والإقتصاص من المسؤولين عن جريمة العصر، كلّ المسؤولين، ليستعيد الضحايا الأحياء، وأهالي الضحايا الذين استشهدوا، وأهل المدينة، والمواطنون، أملهم بوطن اعتاد أن ينبعث من الرماد على مرّ العصور.”
“محكمة” – الأربعاء في 2021/8/4