مقالات

واقع التعاطي مع المثلية والشذوذ الجنسي/نجوى العرب

إعداد نجوى العرب:
المثلية الجنسية استعمار من نوع آخر وجدت منذ الأزل. انتشرت في البلاد الأوروبية ثم انتقلت للدول العربية على نطاق واسع ينذر بجرّ البشرية الى مخاطر وجودية وحضارية.
إنّ مبدأ احترام الحريات الشخصية وتقبل اختلاف الآخر، أمر متفق عليه من قبل الجميع، إلا ان لهذا المبدأ حدودًا، حيث ظهرت في السنوات الأخيرة قضية المثلية الجنسية و”هي عبارة عن انجذاب جنسي لأفراد من نفس الجنس والرغبة بممارسة الجنس معهم”.
هل المثلية حالة طبيعية أم مرضية؟
يقول المحامي سلمان بركات في كتابه ” جريمة المثلية الجنسية في القانون اللبناني والأديان السماوية ” لا يمكن الجزم بوجود “جين الشذوذ” وهذا ما أكده عالم الوراثة الأميركي دين هامر، مؤكّدًا أنّ للمثلية الجنسية أضرارًا خلقية نفسية صحية واجتماعية.
قبل السبعينات كانت كافة الدوائر العلمية والطبية في الغرب تعتبر الشذوذ الجنسي مرضًا نفسيًا – إجتماعيًا أو نفسيًا- عضويًا. ثم حدث تحول حاسم عام 1973 حين ألغت الجمعية الأمريكية للأطباء النفسيين تصنيف المثلية الجنسية كاضطراب نفسي. وتبعهم في ذلك مجلس ممثلي جمعية علم النفس الأمريكية عام 1975. ثم حدث جدل عالمي كبير حول هذا التحوّل إنتهى لصالح الرؤية العلمية الغربية، فترتب على ذلك أن ألغت مؤسسات الصحة النفسية الكبرى حول العالم تصنيف المثلية كاضطراب نفسي بما في ذلك منظمة الصحة العالمية التابعة للأمم المتحدة عام 1990.
وبطبيعة الحال، هناك طائفة كبيرة من علماء النفس والأطباء النفسيين الغربيين لا يتفقون مع وجهة نظر هذه الجمعيات والمنظمات، ويتساءل هؤلاء كيف يمكن اعتبار هذه الممارسة غير مرضية، والبحوث الميدانية تشير إلى أن الغالبية العظمى من المثليين تعرضوا في بداية حياتهم لانتهاكات جنسية. ويذهب هؤلاء الأطباء إلى أن الأطفال بعد سن السادسة حين يتعرضون لهذه الانتهاكات، يصابون بإضطرابات نفسية أكيدة، كما أن الكبار الذين قاموا بفعل الانتهاك الجنسي، هم في الأساس يعانون من هذه الاضطرابات.
ومن البديهي أن تحصل مواجهات كلامية بين مؤيدين ورافضين. فاعتبر البعض ان المثلية الجنسية طاعون أخلاقي يهدد المجتمعات ويقود الاجيال الى سقوط أخلاقي لأنها تتعارض مع مبادئ الاديان السماوية والاخلاقيات والتقاليد التي تحكم علاقات الأفراد مع بعضهم والتي تكرس القيم الإنسانية الصحيحة، باعتبار ان الشذوذ الجنسي يشكل فاحشة وخطيئة كبيرة تخالف الفطرة الإنسانية السليمة وبعيدة كل البعد عن التقدم أو التطوّر البشري أو الحضاري.
ماذا عن القضاء؟
في 2009/12/3، صدر اول حكم قضائي عن القاضي المنفرد في البترون في سياق ملاحقة جزائية ضد شابين ادعت عليهما النيابة العامة على اساس المادة ٥٣٤ عقوبات التي تنص عل انّ “كل مجامعة على خلاف الطبيعة يعاقب عليها بالحبس حتى سنة واحدة”.
وقد آل الحكم الى وقف التعقبات لأسباب واقعية هي عدم ثبوت الأفعال المعزوة اليهما، فضلًا عن أنّ الأفعال المذكورة على فرض صحتها لا تخضع لمفهوم “المجامعة خلافاً للطبيعة”!
واعتبر القاضي ان هذا المفهوم قابل للتغيير بحسب ذهنية المجتمع وإمكانية تقبله لأنماط جديدة غير مألوفة. بينما هناك محاكم قرّرت الحكم على المدعى عليهم رافضة إبطال التعقبات مثلما فعلت محكمة الجنايات في بيروت(يراجع مقال علي الموسوي المنشور في مجلة “محكمة” بعنوان: المعاهدات الدولية لا تشرّعها والتذرّع بها ساقط.. العلاقات المثلية جرم يعاقب عليه القانون اللبناني”).
إنّ مفهوم المجامعة الطبيعي يفترض أن يتمّ بين رجل وامرأة ضمن رابط شرعي قوامه الزواج، وبالتالي فالعلاقة الجنسية القائمة بين رجل ورجل أو إمرأة وإمرأة هو المفهوم المعاكس الشاذ وغير الطبيعي.
كما أنّ المادتين ٦٨ و٦٩ من قانون حفظ الصحة من البغاء الصادر في 1931/2/6 تؤكّدان بشكل صريح أنّ المثلية جرم معاقب عليه، إنّما للأسف البعض لا يعرفونه أو يتجاهلونه.
فالمادة ٦٨ تنصّ على أنّ “كل صاحبة بيت عمومي او بيت تلاقي او بنسيون مشبوه يقبلون بارتكاب فظيعة اللواط عندهم يعاقبون بالحبس من اسبوع الى ستة اشهروباقفال محلهم نهائيًا”.
فيما تنصّ المادة ٦٩ على أنّ “كل شخص يثبت عليه ارتكاب اللواط تجري عليه احكام المادة السابقة واذا كان مريضًا يساق الى المستشفى للمعالجة”.
وبالتالي، فإنّ المادتين واضحتان بتجريم اللواط، وقد وصفتها المادة ٦٨ بفظيعة اللواط، وباعتبار مرتكبه مريضًا يتوجّب معالجته.
إنّ هذه المواد بمضمونها الواضح والصريح تؤكّد تجريم المثلية الجنسية بما يتوافق مع مبادئ وأخلاقيات الديانات السماوية جميعها.
وإنّ اعتبار هذا الشذوذ من الممارسات القانونية المشروعة التي يمكن تقبّلها أو السماح بممارستها سواء بشكل علني ام سرّي، يعتبر انتهاكًا واضحًا لمبادئ وأخلاقيات وقيم مجتمعنا اللبناني والعربي.
“محكمة” – الثلاثاء في 2023/8/15

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!