أبرز الأخبارمقالات

إختصاص المحكمة المدنية للنظر بدعوى الطلاق في زواج مدني/ناضر كسبار

بقلم المحامي ناضر كسبار:
إعتبرت المحكمة الابتدائية في المتن-الغرفة الثالثة-الناظرة في دعاوى الأحوال الشخصية، والتي كانت مؤلّفة من القضاة الرئيس جون القزي وعضوية القاضيين ألاء الخطيب وناجي الدحداح، أنّ زواج الفريقين الكنسي في لبنان، الذي تبع الزواج المدني المطلوب فسخه، وإنْ كان إبطاله قد تمّ من قبل المرجع الروحي المختص، إلاّ أنّه ليس من شأن ذلك أن ينزع من اختصاص المحكمة المدنية أمر النظر في طلب فسخ عقد الزواج المدني.
وقضت باعتبار المحكمة المدنية مختصة للنظر في الدعوى.
وممّا جاء في الحكم الصادر بتاريخ 2007/11/15.
بناءً عليه، ولدى المذاكرة، حيث إنّ الدعوى الراهنة تتمحور حول مآل العلاقة الزوجية في ضوء ما ساقته المدعية من إدلاءات في لوائحها لجهة هجر زوجها لها وانفصاله عنها بصورة دائمة، وفي ضوء ما صرّح به وكيل هذا الأخير على محضر المحاكمة خلال الجلسة الختامية، بعدما أبرز سند توكيله المنظّم أصولاً والمستغرق صلاحيات الإقرار والتنازل،
وحيث في البدء، يقتضي العرض لمدى انعقاد الصلاحية لهذه المحكمة، للبتّ والفصل، كي ما يصار في ضوئه إلى الوقوف عند الشروط المطلوبة لمقاربة المسألة المثارة، واقعاً وتكييفاً،
وحيث في هذا المجال، فإنّ المادة 79 من قانون الأصول المحاكمات المدنية تولي المحاكم اللبنانية إختصاص النظر في المنازعات الناشئة عن عقد الزواج الذي تمّ في بلد أجنبي بين لبنانيين أو بين لبناني وأجنبي في الشكل المدني المقرّر في قانون ذلك البلد، مع مراعاة أحكام القوانين المتعلّقة باختصاص المحاكم الشرعية والدرزية، إذا كان كلا الزوجين من الطوائف المحمّدية وأحدهما على الأقلّ لبنانياً،
وحيث من مراجعة المستندات المبرزة وما استغرقته، يتبدّى أنّ الفريقين لبنانيان، وينتمي كلّ منهما إلى إحدى الطوائف المسيحية، كما أنّهما عقدا زواجهما مدنياً في دولة قبرص بتاريخ 90/12/13.
وحيث تبعاً لذلك، فإنّ المنازعة الناشئة عن هذا الزواج تغدو، سنداً للمادة 79 المذكورة، من اختصاص المحاكم المدنية اللبنانية، وتحديداً من اختصاص هذه الغرفة عملاً بقرار توزيع الأعمال وتبعاً للمعيار المكاني، فيقتضي بالتالي حفظ الاختصاص،
وحيث في هذا السياق، تقتضي الإشارة إلى أنّ زواج الفريقين الكنسي في لبنان، الذي تبع الزواج المدني المطلوب فسخه راهناً، وإنْ كان إبطاله قد تمّ من قبل المرجع الروحي المختص، إلاّ أنّه ليس من شأن ذلك أن ينزع من اختصاص هذه المحكمة المدنية أمر النظر في طلب فسخ عقد الزواج المدني الذي يختلف ويستقلّ عن عقد الزواج الكنسي طبيعة ونشأة ومفاعيل وانقضاء، باعتبار أنّ مؤسّسة الزواج المدني إنّما ترعاها قواعد مستقلّة تبعاً للحيثية الخاصة التي تظلّلها وهي إذ تقوم على استثناء على قاعدة الزواج الديني المعتمد في لبنان، فإنّ مداها يتجاوز النطاق الإقليمي إلى الخارج ويندرج ضمن ضوابط وقيود، في الزمان والمكان، تستدعي عند الإنفصال آلية خاصة تبعاً لمبدأ موازاة الصيغ(parallelisme des formes ) ، إذ يعود فقط للمرجع المدني أن يقاربها، طالما أنّ قانونه هو الذي يرعاها منذ نشأتها ولحين انقضائها، حتّى أنّ مفاعيل هذا الانقضاء، عندما يتمّ قضاءً عبر الفسخ أو الإبطال، إنّما تظلّ مشمولة بالصيغة المدنية وخاضعة لها، لاسيّما في مرحلة التنفيذ حيث لا تزاحم أبداً بين المراجعة المدنية والدينية التي لا تتداخل فيها وينتفي أيّ أثر لها، ولو قام زواج ديني لاحقاً، طالما أنّه بدوره يخضع لحيثيات خاصة تستقلّ بها المراجع الدينية، نشأةً وانحلالاً،
وحيث إنّ الوجهة هذه، ولئن استغرقت “ازدواجية واقعية” في حال الشخص لجهة الزواج وفاقاً لصيغتين، مدنية ودينية، فإنّها لا تحمل حالين لهذا الشخص، إذ وبفعل القوانين المرعية، فإنّها تجعل لهذا الشخص زواجين بصيغتين مختلفتين، يقتضي مقاربة كلّ منهما على حدة، تبعاً للحيثية التي تلازمه، بمعنى أنّ قيد كلّ من الزواجين، يقوم منتجاً في دوائر الأحوال الشخصية على خانة الشخص نفسه، وفقاً للآلية التي تلازم كلّ عقد، مدنياً كان أم دينياً، وعليه، فلا يستقيم انسحاب أيّ قرار بخصوص هذا العقد، على الصيغة الأخرى المقيّدة، فينتفي أثر أيّ قرار آيل إلى بطلان الزواج الكنسي، على قيد الزواج المدني الذي يستقل بمفاعيله ويستدعي لشطبه صدور قرار بهذا الخصوص عن المرجع المدني، طالما أنّ المشترع إعترف بالصيغتين الإثنتين عندما يعتنقها الشخص ذاته، فلا نكون بذلك، على ما رأينا، أمام زواجين لشخص واحد، إنّما أمام صيغتين مختلفتين، نشأة ومفاعيل، لارتباط لا يمكن التحلّل منه، إلاّ بانحلال الصيغتين كليهما، وإلاّ فإنّ القول بغير ذلك يجعل انحلال الزواج ضمن إحدى الصيغتين، ينسحب على الصيغة الأخرى، فتنتفي الحاجة إلى تدوين قيد بهما تباعاً، لا بل تصبح النتيجة غير مؤتلفة مع السبب، في مخالفة لروح التشريع وللمنطق المشاهد،
وحيث بالنسبة إلى القانون الواجب التطبيق، فإنّ عقد الزواج، في المبدأ، يخضع لقانون محلّ إنشائه عملاً بقاعدة “المكان يسود العقد”، “LOCUS REGIT ACTUM”.
وحيث من هنا، فإنّ القانون المستوجب التطبيق على الزواج القائم بين الفريقين إنّما يغدو ذلك الذي يرعى الزواج والطلاق في قبرص، وهو تحديداً القانون الذي تمّ إدراجه في العام 2003 بعد نشره في الجريدة الرسمية للجمهورية تحت الفصل 52 من الدستور،
وحيث إنّ المادة 27 من هذا القانون، والتي حدّدت بعض أسباب حلّ الزواج، قد أوردت هجر المدعى عليه للمدعية من ضمن أسباب الطلاق بحيث يكون للمحكمة أن تصدر حكمها بذلك إذا ما تثبّتت من حصول ذلك الهجر، لاسّيما إذا تجاوزت فترته الأربع سنوات،
وحيث إنّ الهجر كما هو معرف فقهاً واجتهاداً إنّما هو افتراق الزوجين مسكناً ومضجعاً ومائدة بعد نشوء خلافات ذات أهمّية بينهما تستحيل معها العيشة المشتركة،
وحيث بالعودة إلى معطيات الملفّ، يتبيّن أنّ المدعية قد أكّدت في استحضارها أنّ المدعى عليه هجرها وانفصل عنها بصورة دائمة وفعلية بسفره إلى أوستراليا وبقائها هي هنا وذلك بعد أن تفاقمت الخلافات الزوجية بينهما بشكلٍ استحال الإستمرار بالعلاقة الزوجية،
وحيث إنّ زوجها المدعى عليه، المقيم حالياً في دولة اوستراليا، قد أكّد من جهته، بواسطة وكيله القانوني الذي حضر جلستي المحاكمة، واقع استحالة العيش المشترك بين الزوجين، كما وتحقّق الانفصال المادي بينهما منذ أكثر من خمس سنوات، موافقاً بالتالي على طلب الطلاق كما هو مساق،
وحيث تأسيساً على كلّ ما تقدّم، وفي ضوء توافر شروط المادة 27 من القانون القبرصي المذكور، لاسيّما الفقرتين 2و3/ب منهما، وانطلاقاً من تقاطع الادلاءات لهذه الجهة، يكون الطلب الرامي إلى إعلان الطلاق بينهما واقعاً في موقعه الواقعي والقانوني الصحيح فيقبل،
وحيث مع النتيجة هذه، لم يعد من حاجة لبحث سائر الأسباب والمطالب الزائدة أو المخالفة إمّا لعدم الجدوى أو لكونها لاقت في سياق التعليل ردّاً ضمنياً فيقتضي بالتالي ردّها جميعها،
لذلك تحكم بالإتفاق:
أوّلاً: بحفظ الاختصاص للنظر في الدعوى.
ثانياً: بإعلان طلاق المتداعيين في الزواج المدني المعقود مدنياً في قبرص بتاريخ 1990/12/13.
ثالثاً: بتضمين الفريقين النفقات مناصفة.
حكماً معجّل التنفيذ نافذاً على أصله بناءً للطلب صدر وأفهم علناً بتاريخ 2007/11/15
“محكمة” – الجمعة في 2018/03/09

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!