أبرز الأخبارعلم وخبر

الحكم على الشقيق المزعوم للقاضي محيو.. وجاهة وسيكار وصرف نفوذ ومطلوب للعدالة/علي الموسوي

المحامي المتدرّج علي الموسوي:
ليس الحكم الصادر عن القاضي المنفرد الجزائي في بيروت فاطمة جوني الأوّل من نوعه بحقّ من توهّم نفسه قادرًا على تشويه سمعة القاضي نبال محيو بزعمه أنّه شقيقها، في محاولة منه لنيل الوجاهة أو سيكار أو حفنة من الليرات. وأيضًا فإنّه لن يكون الأخير ما دام “السماسرة” الفعليون والساعون إلى القيام بهذه الوظيفة الدنيئة موجودين في كلّ مكان وزمان، لذلك فإنّه من المهمّ التصدّي لهم متى وجدوا وعثر عليهم ولو بالمصادفة التي قد تكون خير طريق إلى الحقيقة.
وتعجّ سجّلات المحاكم بهذا النوع من الأحكام التي نال أصحابها العقوبات المناسبة، لكنّها مؤشّر خطر على تناميها المستمرّ فيما يفترض تراجعها واستئصالها إلى غير رجعة، إذ إنّها تطلّ برأسها بين الفينة والأخرى.
وإذا كان م.م. وقع في قبضة القضاء، فإنّ هناك كثرًا يشبهونه وربّما أخطر منه وأشدّ حنكة وأفظع عملًا لا يزالون بمنأى عن الملاحقة إمّا لقدرتهم على التملّص والفرار، وإمّا لأنّهم محظيون ومحظوظون، على أنّ الجدير بالإهتمام أن يحظى كلّ واحد منهم بعقوبة مشدّدة متى عثر عليه، لأنّ فعله الجرمي لا يقتصر على شخص القاضي الذي يتربّص بسمعته شرًّا، بل يطاول الجسم القضائي برمّته وهيبة العدالة ومكانتها في المجتمع وبناء الوطن.
وهذا ما تنبّهت له القاضي جوني ودفعها إلى عدم التهاون مع هذا النوع من الأشخاص وتشديد العقوبة بحقّه لكي يكون عبرة لمن توسّل له نفسه تكرار مثل هذا التصرّف أو تدفع “لابسي قبّعة الإخفاء” إلى الإحجام والتوبة، إلّا إذا كان القاضي المعني راضيًا ومقتنعًا ومستفيدًا. وهذا الصنف من القضاة موجود ومعروف ويعرفه أهل العدلية والمسؤولون في القضاء ولكنّهم يغضّون الطرف من دون وجود سبب واحد مقنع لهذا التساهل و”الرضى”!
ويبدو أنّ الشقيق المزعوم في الحكم الصادر عن جوني، ليس خبيرًا في قطف الفرص متى لاحت، إذ اقتصر عمله على تمهيد الدرب أمام نفسه للفوز بنتيجة ما في المستقبل، فأشاد بمناقبية القاضي محيو التي لا تحتاج في الأصل، إلى شهادة منه ولا من سواه، بل أعمالها وأحكامها تدلّ على نزاهتها وشفافيتها وحضورها القضائي المشرّف، ولم يجرؤ يومًا على الإقتراب من باب مكتبها والإفصاح عن حقيقته، مستفيدًا من حمله شهرة مطابقة لشهرتها العائلية دون أن يكون على معرفة بها، وهذا ما سهّل المهمّة عليه لخداع الناس المنتظرين على قارعة توهّم الظفر بحُكْمٍ يكون لمصلحتهم في ملفّ ما!
ولم تتأخّر القاضي جوني في إصدار الحكم على م.م. بعقوبة السجن سنتين لجهة صرف النفوذ وهي العقوبة القصوى والأعلى في الجنح الموجّهة إليه، علمًا أنّه يفضل إجراء تعديل قانوني يقضي بالتشدّد أكثر في مثل هذه الحالات ومتى شملت قاضيًا وبالتالي القضاء.
“محكمة” تنشر حكم جوني كاملًا وحرفيًا على الشكل التالي:
“باسم الشعب اللبناني
إنّ القاضية المنفردة الجزائية في بيروت،
لدى التدقيق،
وبعد الاطلاع على إيداع جانب النيابة العامة الاستئنافية في بيروت هذه المحكمة القرار الظني مع كامل الملف ربطاً، عدد /1300/ في تاريخ 2023/4/20،
وعلى القرار الظني المذكور الصادر عن حضرة قاضي التحقيق في بيروت تحت الرقم 2023/51 تاريخ 2023/4/13 والقاضي بالظن في المدعى عليه:
ـ م. م. (لبناني، أوقف احترازياً في تاريخ 2023/2/28 ووجاهياً في تاريخ 2023/3/29، ولا يزال موقوفاً) سنداً لأحكام المواد 655 و357 و383 من قانون العقوبات
وبنتيجة المحاكمة العلنية،
وبعد الاطلاع على أوراق الدعوى كافة وتلاوتها علناً،
تبيّن ما يأتي:
أولاً: في الوقائع:
تبين أن المدعية الشخصية القاضية نبال محيو قد تقدّمت بشكوى أمام النيابة العامة التمييزية عارضةً فيها ما مفاده أنها تشغل منصب قاضية منفردة جزائية في بيروت، وأنه نمي إليها أن شخصاً يدعي كونه شقيقها ويوهم الغير أنه بإمكانه التدخل في القضايا العالقة لديها، وقد تمكّن من خلال ذلك من تقاضي أموال طائلة ومن شراء سيارة فخمة، ومشيرةً إلى أنه قد التقى بالقاضي محمد صعب في إحدى الصيدليات التي كان يعمل فيها في منطقة بعبدا، وعرّف عن نفسه كونه شقيقها،
وتبين أن حقوق المدعى عليه قد تليت عليه في التحقيقات الأولية، فصرّح بادئ ذي بدء بأنه يرغب بالإدلاء بإفادته بحضور محاميه، ومُكِّن من إجراء الإتصال الهاتفي اللازم لذلك في تمام الساعة الحادية عشرة والدقيقة الخامسة والثلاثين من اليوم الواقع فيه 2023/2/28، ثمّ وفي تمام الساعة الرابعة عشرة والدقيقة الثلاثين تراجع المدعى عليه عن حقه بحضور محامٍ أثناء الإدلاء بإفادته، معترفاً بانتحاله صفة شقيق المدعية، مدلياً بأنه ملاحق بدعوى شيك بدون مؤونة منذ العام 2014، وبأنه يتردد إلى العدلية منذ ذلك الحين، وبأنه علم منذ حوالي السنة بأنه يوجد قاضية تدعى نبال محيو وهي معروفة من أقاربه، فأضحى يدعي لدى سؤاله من قبل معارفه وأصدقائه كونه شقيقها، وذلك من باب الفخر والإعتزار بها كونها ذات سمعة جيدة، وبأنه لم يكن لديه في الأساس أية نية لمخالفة القانون، ولكنه، ومع مرور الوقت، ونظراً لظروفه المادية والعائلية، بدأ بعض الأشخاص يتقربون منه اعتقاداً منهم بأنه شقيق المدعية ويطلبون منه مساعدتهم في ملفات عالقة أمامها، فاسترسل، وفقاً لأقواله، بمتابعة كذبه على أمل الإستحصال على هدية ما أو ما شابه، إلا أنه لم يتابع أي ملف ولم يتعرف على أي موظف في هذه المحكمة، ولم يوهم أحداً بأنه يدفع للمدعية أي مبلغ، كونه لم يتقاض أية مبالغ طائلة من أحد، بل اقتصر الأمر على هدايا مثل الشوكولا والنرجيلة والسيكار والمشروبات الروحية، وبأنه لم يدع إطلاقاً أنه يقوم برشوة المحكمة أو الموظفين، ونفى امتلاكه أية سيارة،
وتبين بمراجعة مكتب المستندات والمحفوظات أنه يوجد بحق المدعى عليه عدة محاضر بقضايا مختلفة منها توقيفه بجرم مخدرات وبجرم تزوير شيك،
وتبين أن المدعى عليه قد أنكر إفادته الأولية في التحقيق الإستنطاقي، كما أنكرها أمام المحكمة مدلياً بانتزاعها منه بالضرب وبالإكراه وبغياب محاميه، ومؤكّداً على اعترافه بادعائه فقط كونه شقيق المدعية بداعي الفخر والإعتزاز، ونافياً تلقيه أية هدايا أو منافع مادية جراء ذلك،
وتبين أن المحكمة قد استمعت إلى بعض الشهود الذين أكّدوا أمام المحكمة أن المدعى عليه كان يعرف عن نفسه بكونه شقيق المدعية، ونفى جميعهم أن يكون المدعى عليه قد ادعى أمامهم قدرته على التدخل في ملفات القاضية محيو أو أن يكون قد استحصل من أي منهم على منافع مادية مقابل ذلك، وأكّد بعضهم أن المدعى عليه لم يكن يتناول المدعية أمامهم إلا بسيرتها الحسنة،
وتبين أن المدعية الشخصية قد طلبت الحكم لها بعشرة مليارات ليرة لبنانية كبدل عطلها وضررها، فضلاً عن تدريك المدعى عليه الرسوم والنفقات،
ثانياً: في الأدلة:
تأيّدت هذه الوقائع:
بالادعاء.
بالتحقيقات كافة.
باعتراف المدعى عليه الأولي.
بمجمل الأوراق ومجريات المحاكمة.
ثالثاً: في القانون:
حيث إن المحكمة تنطلق في تكوين قناعتها من الأدلة المبسوطة أمامها في الملف، فتدققها وتمحصها، وتنتقي منها ما ترتاح إليه قناعتها وتطرح ما لا تجده صحيحاً، للوصول إلى اليقين التام بشأن البراءة أو الإدانة، وما عليها سوى تعليل خيارها كما سيأتي،
وحيث إنه ثبت للمحكمة يقيناً باعتراف المدعى عليه وبأقوال الشهود كافة، أن المدعى عليه كان يدعي أمام عموم معارفه والأشخاص الذين يلتقي بهم كونه شقيق المدعية القاضية نبال محيو، مستغلاً التطابق بين شهرتيهما، وإذا كان من الثابت أنه كان يفعل ذلك في بعض الأحيان من باب التباهي والإعتزاز فقط، إلا أنه، ومن المؤكد وبصورة جازمة لا يرقى إليها الشك، أنه قد توسل احياناً ادعاءه الكاذب هذا في سبيل الإستحصال على هدايا ومنافع مادية أخرى، وآية ذلك اعترافه الصريح والواضح في مرحلة التحقيقات الأولية،
وحيث من المعلوم أن الإعتراف يبقى سيد الأدلة، ولا يجدي المدعى عليه نفعاً النيل من اعترافه هذا بذريعة صدوره عنه تحت وطأة الإكراه والضرب، وبغياب وكيله القانوني، ذلك أن الإكراه والضرب المزعومين لم يلقيا في أوراق الملف أي دليل من شأنه إضفاء بعض الجدية عليهما، هذا فضلاً عن أن أخذ إفادته بغياب محاميه قد تمّ بعد تمكينه من إجراء الإتصال الهاتفي اللازم لذلك، ومضي حوالي الثلاث ساعات بانتظار وصول وكيله القانوني دون جدوى، وبعد تنازله بملء إرادته عن حقه بحضور محاميه وقبوله بأخذ إفادته بغيابه، بحيث يكون حقه بالإستعانة بمحام قد روعي على أكمل وجه، وتكون إفادته قد صدرت عنه وفقاً للأصول، وبالتالي تجد المحكمة في اعترافه دليلاً كاملاً على صحة الإسناد، ولا ترى التوقف أمام إنكاره اللاحق، إذ ان الضباط العدليين قد سجلوا اعترافه واستحصلوا على توقيعه عليه بعد تلاوته بحضوره، وقد أتى اعترافه متسماً بالعفوية البعيدة كلياً عن أي اصطناع أو اختلاق أو تلقين، ومتصفاً بالدقة في سرد الوقائع، ومنطوياً على معطيات مفصلة ومتزامنة مع تاريخ الجرم المسند إليه، فلا يمكن أن يكون القائم بالتحقيق قد ابتدعها أو اصطنعها كما دفع المدعى عليه،
وحيث ما يؤكد صحة اعترافه أيضاً القرينة المستمدة من مباشرة التحقيقات معه في جرائم عدة،
وحيث إن فعل المدعى عليه المتمثل بايهام الغير بكونه شقيق المدعية وبقدرته على التدخل في الملفات القضائية العالقة لديها والتأثير على مسارها، وتمكنه من خلال كذبه هذا من الإستحصال على هدايا وغيرها من المنافع المادية، يؤلف جنحة المادة 655 من قانون العقوبات، وهذه الجنحة تتوافر بمجرد تحقق أركانها، المناورة والإستيلاء على مال الغير والقصد الجرمي، وكلها متوفرة في أفعال المدعى عليه، ولا تشترط إطلاقاً اتخاذ من استولي على ماله احتيالاً صفة الإدعاء الشخصي أمام المحكمة،
وحيث إن فعله المتمثل بأخذه هدايا بقصد التأثير بمسار الملفات القضائية العالقة أمام المدعية يؤلف جنحة المادة 357 من قانون العقوبات، وهذه الجنحة لا تشترط صفة وظيفية معينة لدى المرتكب، بل تقوم بمجرد توافر أركانها المادية وبمعزل عن ماهية عمله، وبصرف النظر عن مدى اقتران وعوده بالتنفيذ،
وحيث إن أوراق الملف لم تختزن أي تحقير موجّه إلى شخص المدعية في “منصة القضاء”، ما يخرج أفعال المدعى عليه عن نطاق المادة 383 من قانون العقوبات المدعى بها، ويدخلها في نطاق المادة 386 منه وحدها، كون الكلام الذي صدر عنه أمام معارفه بقدرته على التأثير في مسار الدعاوى العالقة أمام المدعية إنما يشكل ذماً بالمدعية بالنظر لانطوائه على نسبة أمور إلى شخصها من شأنها النيل من شرفها المهني وكرامتها،
وحيث إن أفعال المدعى عليه لا تنال فقط من سمعة المدعية وهيبتها وشرفها المهني كقاضٍ، إنما من شأنها النيل من سمعة القضاء وهيبته ككل، وذلك من خلال إيهام العامة بأن هذا او ذاك من القضاة يمكن إستعطافه او إستمالته حتى لا نقُل أكثر من ذلك، في زمنٍ تزايدت فيه أعداد من يحاولون تحقيق وجاهة اجتماعية أو مكاسب مادية من خلال علاقات فعلية أو مزعومة مع القضاة، بحيث بات القضاء وكأنه سلعة يتاجر بها هؤلاء سعياً لقضاء مصالحهم، مع ما يستتبع ذلك من العبث بنزاهة القضاة الذين يبذلون أقصى ما لديهم سعياً لاستعادة ثقة المواطنين، في زمن باتت فيه تلك الثقة مهتزَّة لا بل شبه معدومة لأسبابٍ لم تعد خافية على أحد، بحيث تكون تلك الأفعال قد أتت في سياق الإمعان في تهشيم هيبة القضاء وتحطيم ثقة المواطنين به،
وحيث ولئن كانت المدعية هي الضحية اليوم، ولئن كان غيرها قد يكون الضحية غداً، فالأسماء تتبدل، ولكن يبقى الهدف واحداً: تحقيق المنافع المادية غير المشروعة من وراء الملفات القضائية، فإن المحكمة ترى، ونظراً لخطورة هذه الأفعال، التشدد في العقوبة الواجب إنزالها بحق المدعى عليه،
وحيث وبالرغم من أن سمعة الإنسان لا تثمّن وكرامته لا “تُقرَّش”! فكيف إذا كان قاضياً قد ولي الحكم بين الناس، وأتى من يشوّه نزاهته! فإنه، وكما لا مفر من العقاب، لا بد أيضاً من تعويض، وهو تعويض يبقى، ومهما بلغت قيمته، قاصراً عن رفع الأضرار المتأتية من أفعال المدعى عليه، وعاجزاً عن التعادل معها، والمحكمة ترى تحديده بمبلغ خمسة مليارات ليرة لبنانية،
وحيث إن التوصل الى هذه النتيجة ينفُل معه بحث كل زائد وكل مخالف،
لذلك
وسنداً للمادة 196 من قانون أصول المحاكمات الجزائية، تحكم:
أولاً: بإدانة المدعى عليه م. م. المبيّنة كامل هويته أعلاه بالجنح المنصوص عليها في المواد 655 و357 و386 من قانون العقوبات، وبحبسه عن الجنحة الأولى مدة سنة وبتغريمه مبلغ مليون ليرة لبنانية، وبحبسه عن الجنحة الثانية مدة سنتين وبتغريمه ثلاثة ملايين ليرة لبنانية، وبحبسه عن الجنحة الثالثة مدة سنة، وبإدغام العقوبات بعقوبة الجنحة الثانية كونها الأشد، وعلى أن يحبس عند عدم دفع الغرامة يوماً واحداً إضافياً عن كل عشرة آلاف ليرة لبنانية سنداً للمادة 54 من قانون العقوبات، وعلى ان تحتسب له مدة توقيفه كافة.
ثانياً: بإلزامه بأن يدفع إلى المدعية مبلغ خمسة مليارات ليرة لبنانية كبدل عطل وضرر.
ثالثاً: بتضمين المدعى عليه النفقات كافة.
حكماً وجاهياً في حق الفريقين، يقبل منهما الاستئناف، صدر وأفهم علناً في بيروت في تاريخ 2023/5/18.”
“محكمة” – الخميس في 2023/5/18
*حفاظاً على حقوق الملكية الفكرية، يمنع منعاً باتاً على أيّ شخص، طبيعيًا كان أم معنويًا وخصوصًا الإعلامية ودور النشر والمكتبات منها، نسخ أكثر من 20% من مضمون الخبر، مع وجوب ذكر إسم موقع “محكمة” الإلكتروني، وإرفاقه بالرابط التشعّبي للخبر(Hyperlink)، كما يمنع نشر وتصوير أيّ خبر بطريقة الـ”screenshot” وتبادله عبر مواقع التواصل الإجتماعي وتحديدًا منها “الفايسبوك” و”الواتساب”، ما لم يرفق باسم “محكمة” والإشارة إليها كمصدر، وذلك تحت طائلة الملاحقة القانونية.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!