أبحاث ودراسات

‏ الشركة محدودة المسؤولية بشخص واحد.. داءٌ أم دواء؟!/ حبيب الشاويش

الملازم أوّل حبيب الشاويش:
يلاحق شبح الإفلاس كل شخص مزمع على تأسيس شركة تجارية، إذ إنّ تعثّر الشركة وتفوّق خصومها على أصولها يعرّض الذمّة المالية لخطر التنفيذ عليها من قبل الدائنين.
وتلافياً لهذه المعضلة، وتشجيعاً للإستثمار الفردي، أقرّ المشرّع بموجب القانون رقم 2019/126 والذي عدّل من خلاله النظام القانوني للشركات في لبنان، إمكانية إنشاء شركة محدودة المسؤولية من شخص واحد‬ بحيث أصبحت هذه الشركة تعرّف على أنّها شركة تجارية تتألف من شريك أو عدّة شركاء لا يتحمّلون الخسائر إلا بمقدار مقدّماتهم.‬‬‬
و‏لعلّ السبب الأبرز الذي دفع المشرّع نحو هذا التعديل والذي أقرّ عملياً إمكانية فصل الذمّة المالية للفرد، هو الحدّ من ظاهرة التحايل على القانون، إضافة إلى تحفيز النهوض الاقتصادي ودعم الأفراد وأصحاب المبادرات الاستثمارية الفردية، حيث يفضل المستثمرون اللجوء الى هذا النوع من الشركات لوجود فصل بين ذممهم المالية وذمة الشركة بعكس ما هو الوضع في المؤسّسة التجارية.
‏ومن خلال هذا التعديل، يكون المشرّع قد انقلب على المفهوم العقدي للشركة، وعلى مبدأ تعدّد الشركاء ونيّة المشاركة واقتسام الأرباح والخسائر، بحيث تمّ تعديل منطوق المادة 844 من قانون الموجبات والعقود بحيث إنّ الشركة أصبحت عقد متبادل يشترك شخصان أو عدّة أشخاص في شيء ما بقصد أن يقتسموا ما ينتج عنه من الربح، ويمكن في الحالات المنصوص عليها قانوناً تأسيسها بعمل صادر عن إرادة شخص واحد.
‏وبالرغم من المزايا والفوائد الاقتصادية لهذه الشركة إلا أنّها لا تخلو بتاتاً من المخاطر، والتي تتمثّل بهشاشة الضمانات التي يتمتّع بها الدائنون وصعوبة الفصل بين ذمّة الشريك الوحيد وذمّة الشركة المالية.
‏لذلك يُطرح التساؤل عمّا إذا كانت هذه الشركة تُمثّل الدواء للمستثمرين، أم الداء للدائنين والغير؟
‏لم يأخذ المشرّع بعين الاعتبار حماية المتعاملين مع الشركة، خصوصاً المموّلين من مؤسّسات مالية وشركات تجارية. ‏وحيث إنّ هذا النوع من الشركات لا يمكن أن ينهض أو يستمرّ من دون التمويل اللازم، لأنّ الدائن لن يُقدم على هذه الخطوة في ظلّ غياب الضمانات، فكان لا بدّ للمشرّع أن يحدد الحالات التي تُلغي المسؤولية المحدودة للشريك الوحيد وتجعله مسؤولاً عن ديون الشركة بما يتعدّى ذمّة الشركة إلى ذمّته الشخصية في حالات الغشّ، أو اختلاس أموال الشركة، أو ارتكاب مخالفات إدارية.
وفي هذا الصدد وفي ظلّ الانهيار المالي والاقتصادي لا بدّ من اعادة النظر بالحدّ الادنى لرأسمال الشركات في لبنان ولاسيما الشركة المحدودة المسؤولية. فلا يُعقل ان يتمّ تأسيس شركة بحدّ أدنى من رأسمال يبلغ وفق سعر الصرف السائد ما يقارب 60 دولاراً، بينما قد تصل حجم تعاملات هذه الشركة إلى الآلاف أو حتّى الملايين من الدولارات.
وعلى كل حال، ومهما كان حجم رأسمال الشركة، الّا أنّ مسألة ضمان استمراريّة هذه الأموال في ذمّة الشركة وعدم إمكانية تهريبها من الإرتهان العائد للدائنين، غابت عن المشرّع.
وفي سبيل الحؤول دون استعمال هذا النوع من الشركات كستار من أجل الإضرار بدائني الشريك عبر تهريب أمواله ووضعها ضمن إطار أموال الشركة، أو استعمال هذه الشركات وسيلة لتبييض الأموال أو لممارسة الاعمال غير المشروعة، منع المشرّع اللبناني بمقتضى المادة الخامسة من المرسوم الاشتراعي 1967/35 ان تكون الشركة المحدودة المسؤولية المؤلّفة من شريك وحيد، الشريك الوحيد في شركة أخرى محدودة المسؤولية.
وحيث إنّ هذا النوع من الشركات لا يمكن أن ينهض أو يستمرّ من دون التمويل اللازم، ومن دون زيادة عامل الثقة والائتمان الذي يشكّل عصب العمل التجاري، لأنّ الدائن لن يُقدم على هذه الخطوة في ظلّ غياب الضمانات وعامل الثقة. ومن هنا كان على المشرّع أن يوسّع الحالات التي تُلغي المسؤولية المحدودة للشريك الوحيد لتمتد الى حالات الغشّ على غرار ما تمّ تقريره بالنسبة لرئيس وأعضاء مجلس الادارة في الشركة المساهمة.
‏كما أنّه بتعزيز مبادئ الحوكمة، يصار إلى الإفصاح عن الأمور الجوهرية التي لا بدّ للغير من الاطلاع عليها للوقوف على حقيقة الوضع المالي للشركة، وذلك للحؤول دون إخفاء وتهريب أموال الشركة بوجه الدائنين.
من هنا، لا بدّ من تفعيل مبادئ الإفصاح والشفافية التي غابت عن المشرّع اللبناني وذلك كي لا تصبح شركة الشخص الواحد وسيلة للتهرّب الضريبي كاستعمال الشركة لأغراض شخصية، أو الغشّ والإحتيال وتبييض الأموال.
ونظراً للأهمية البالغة التي يتمتّع بها مدير الشركة الوحيد الذي قد يكون الشريك نفسه، كان ينبغي على المشرّع أن يفرض على هذا الأخير في حال عدم تمتّعه بالخبرة الإدارية الكافية أن يفوّض الإدارة إلى شخص من أهل الخبرة، فنقص الكفاءة والخبرة في إدارة الشركة من شأنها المساهمة في انهيار الشركة وإفلاسها.
‏أخيراً، كان من الأفضل أن يحيط المشرّع هذا النوع من الشركات بتنظيم قانوني أكثر دقّة، يؤدّي إلى زيادة ضمانات الدائنين والغير، من أجل أن تؤدّي هذه الشركة دورها الاقتصادي بشكل صحيح، وتشجّع المبادرات الفرديّة، لأنه من الصعب الحصول على التمويل اللازم في ظلّ غياب الثقة، وبالتالي لا بدّ من ايجاد الضمانات للدائنين لتعزيز إمكانية النهوض بهكذا نوع من الشركات.
“محكمة” – الأربعاء في 2023/10/18

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى