أبرز الأخبارمقالاتميديا

العائق الأوّل في محاربة الفساد: الدفوع الشكلية/جوزف القزّي

القاضي جوزف ناجي القزّي*:
منذ اندلاع ثورة 17 تشرين الأوّل 2019 في لبنان، تزايدت اقتراحات القوانين الهادفة إلى الإصلاح ورفع الحصانات ومحاربة الفساد.رغم قناعتنا بأهمّية وضرورة إرساء مثل هذه القوانين الإصلاحية، فإنّنا نجدها غير كافية، بل قد تصبح عاجزة أو مشلولة بسبب واقع التشريع الجزائي وإجراءات التحقيق والمحاكمة عامة، وبصورة خاصة، وبسبب إجراءات الدفوع الشكلية التي ينصّ عليها قانون أصول المحاكمات الجزائية رقم 328 تاريخ 2001/8/2.
بالفعل، فهذه الدفوع الشكلية التي أرادها المشترع في الأصل، وسيلة يلجأ إليها المدعى عليه لوضع حدّ للتحقيقات والدعاوى غير القانونية المساقة بحقّه، نرى أنّها أصبحت بالممارسة، وسيلة يستعملها المدعى عليه غالب الأحيان، من أجل المماطلة وتأخير السير بالتحقيق والمحاكمة. لذلك، تأكّد على مدى عشرين عامًا تقريبًا على تطبيق قانون الأصول الجزائية، أنّ تقديم الدفوع الشكلية أدّى إلى إشغال الخصوم بمناقشات وبمذكّرات مطوّلة، كما فرض على قاضي التحقيق أو المحكمة أمر البتّ بهذه الدفوع بصورة أوّلية، وقبل المباشرة بالتحقيق. وتبيّن أيضًا، أنّ ما يبذل من وقت وجهود في مناقشة الدفوع الشكلية وفي بتّها، ينتهي أكثر الأحيان، بقرارات تقضي بردّها. وفضلًا عن ذلك، فإنّ الإجراءات المتبعة تفسح في المجال للفريق الخاسر أن يطعن بالقرار استئنافًا، وثّم تمييزًا. ونادرًا ما تؤدّي كلّ هذه الطعون إلى فسخ أو تعديل للقرار الابتدائي. وأكثر من ذلك، فإنّ ما تستغرقه كلّ هذه الإجراءات من وقت طويل يتسبّب في تأخير قاتل يشلّ سير التحقيق، ويؤدّي إلى فقدان الأدلّة، كما يدخل الدعاوى الجزائية في متاهات تضيع فيها الحقوق وتتعطّل محاسبة المجرمين.
أخشى ما نخشاه، هو أن تلقى المصير ذاته التحقيقات والدعاوى التي سوف تتناول مرتكبي الفساد وناهبي الأموال العامة بالإستناد إلى قوانين الإصلاح ومحاربة الفساد الموعودة، في حال أُدخلت هذه الملاحقات في دهاليز الدفوع الشكلية التي نعاني من إجراءاتها اليوم. فحينها، تتعطّل مسيرة الإصلاح، وتخيّب الآمال في استرداد الأموال المنهوبة.
لا شكّ أنّ الدفوع الشكلية أصبحت بعد مرور عشرين سنة على تطبيق أحكامها مشكلة مستعصية، إلاّ أنّ الصعوبة ليست في عملية إصلاح وتعديل الأحكام المتعلّقة بها وإنمّا في عدم توافر إرادة التعديل حتّى اليوم، ولأسباب غير مفهومة، رغم توافر القناعة العامة بوجوب تعديل الأحكام المتعلّقة بالدفوع الشكلية.
كلّنا أمل، أن يعمد الساعون إلى إرساء قوانين الإصلاح ومحاربة الفساد، إلى المبادرة بتعديل الأحكام القانونية المتعلّقة بالدفوع الشكلية التي نصّت عليها المادة 73 من قانون أصول الجزائية، بعد أن تأكّد أنّها تشكّل العائق الأوّل الذي لا بدّ من إزالته حتّى يمكن تطبيق قوانين الإصلاح ومكافحة الفساد بصورة فعّالة ومجدية.
إنّ التعديل المطلوب للدفوع الشكلية يجب أن يراعي طبيعتها والغاية منها من جهة، وأن يحول دون استعمالها وسيلة مماطلة وتأخير، من جهة ثانية. فالدفوع الشكلية هي مجموعة أسباب إجرائية أوردتها المادة 73 أصول جزائية تعطي المدعى عليه حقّ الإدلاء بها في مستهلّ التحقيق، وتتناول المنازعة في قانونية الملاحقة الجزائية الجارية بحقّه، ممّا يؤثّر في مجرى الملاحقة أو وقف سيرها، دون البحث في موضوعها، أو في أساس الحقّ.
تجدر الإشارة في معرض تعديل الأحكام المتعلّقة بالدفوع الشكلية إلى الأمور التالية:
1- يقدّم المدعى عليه دفوعه الشكلية قبل استجوابه، أيّ قبل المباشرة بالتحقيق، أيّ غالبًا في وقت لا تكون معطيات التحقيق مكتملة ومتوفّرة بصورة كافية من أجل البتّ بالدفوع الشكلية.
2- توسّعت المادة 73 أصول جزائية في إيراد سبعة أسباب للدفوع الشكلية، تبيّن بالممارسة أنّ أكثرها يتعلّق بالأساس، أو أنّ البتّ بها يستلزم استكمال التحقيق أو البحث في الأساس.
3- تفرض قواعد وأحكام القانون الجزائي على قاضي التحقيق، وعلى القضاة الجزائيين عامة، أن يثير عفوًا الأسباب المتعلّقة بالدفوع الشكلية لتعلّقها بالنظام العام. وبالتالي، لا يتوقّف بحث هذه الدفوع على تقديمها من قبل المدعى عليه.
4- أعطت المواد 63 و64 و65 من أصول المحاكمات الجزائية لقاضي التحقيق عندما يضع يده على ملفّ التحقيق، أن يتخذ القرار بعدم السير بالدعوى لأسباب هي ذاتها المتعلّقة بالدفوع الشكلية التي أوردتها المادة 73.
وعلى ضوء ما تقدّم،
فإنّنا من باب المساهمة في تعديل أحكام المادة 73 أصول جزائية من أجل التخلّص ممّا يشوب الإجراءات المتعلّقة بالدفوع الشكلية، وسعيًا إلى إزالة عائق من شأنه أن يعطّل مستقبلًا تطبيق قوانين الإصلاح الموعودة، نبدي من جهتنا الإقتراحات التالية:
1- تطبيق أحكام المادة 73 المذكورة لجهة وجوب تقديمها والبتّ بها بمهلة أسبوع في ما يتعلّق بالدفعين 1 و2 فقط من هذه المادة، المتعلّقين بالدفع بانتفاء الصلاحية والدفع بسقوط الدعوى العامة بأحد أسباب السقوط المحدّدة قانونًا.
يكون قرار قاضي التحقيق الذي يبتّ بهذين الدفعين قابلًا للإستئناف، الذي ليس من شأنه أن يوقف تنفيذ قرار قاضي التحقيق، ما لم تقضِ الهيئة الاتهامية بذلك.
2- يعود لقاضي التحقيق بالنسبة لسائر الدفوع الواردة في المادة 73 المذكورة التي يدلي بها المدعى عليه، أن يتخذ القرار بضمّها إلى الأساس، أو بالبتّ بها. ويقبل قراره هنا الاستئناف الذي لا يوقف تنفيذه، ما لم تقضِ الهيئة الاتهامية بذلك.
*قاضٍ متقاعد في منصب الشرف. رئيس محكمة التمييز العسكرية سابقًا.
“محكمة” – الخميس في 2021/6/24
*حفاظاً على حقوق الملكية الفكرية، يمنع منعاً باتاً على أيّ شخص، طبيعيًا كان أم معنويًا وخصوصًا الإعلامية ودور النشر والمكتبات منها، نسخ أكثر من 20% من مضمون الخبر، مع وجوب ذكر إسم موقع “محكمة” الإلكتروني، وإرفاقه بالرابط التشعّبي للخبر(Hyperlink)، كما يمنع نشر وتبادل أيّ خبر بطريقة الـ”screenshot” ما لم يرفق باسم “محكمة” والإشارة إليها كمصدر، وذلك تحت طائلة الملاحقة القانونية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!