مقالات

النتائج القانونية المترتّبة في حال بقاء رئيس الجمهورية المنتهية ولايته في موقع رئاسة الجمهورية/هادي خليفة

بقلم المحامي هادي خليفة:
طالب الدنيا مثل شارب ماء البحر، كلما ازداد شرباً، إزداد عطشاً حتى يقتله (السيد المسيح)
كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن إمكانية بقاء رئيس الجمهورية الذي تنتهي ولايته ليل 2022/10/31 في القصر الجمهوري في حال عدم انتخاب مجلس النواب رئيساً جديداً للجمهورية اللبنانية،
لن أتطرق الى مدى صحّة أو عدم صحّة ما يتمّ تداوله لهذه الجهة، بل سأكتفي بتسليط الضوء على هذا الموضوع من الناحية القانونية في حال راودت البعض فكرة بقاء رئيس الجمهورية لممارسة عمله في القصر الجمهوري رغم انتهاء ولايته.
ترسم المادة 49 من الدستور- المعدّلةـ الإطار الدستوري لإنتخاب رئيس الجمهورية وهي حدّدت مدّة ولايته الرئاسية بستّ سنوات غير قابلة للتجديد، وأطلقت عليه صفة تسمو كلّ الصفات الوطنية وهي موضع اعتبار كبير بأنّه رمز وحدة الوطن، وهو يحلف اليمين أمام مجلس النواب سنداً للمادة 50 من الدستور التي لم تعدّل منذ إقرار الدستور في العام 1926 ويتعهّد بالمحافظة على استقلال الوطن وعلى سلامة أراضيه وبأنه يحترم دستور الأمة اللبنانية،
وهذه الخصوصية التي اصطفاها الدستور لرئيس الجمهورية لها دلالات أخلاقية تحتمّ على من يتبوأ موقع رئاسة الجمهورية بأن يمارس مهامه بمناعة مطلقة كي يحترم دستور الأمّة اللبنانية، وكي يبقى بعيداً عن شرنـقـة التجاذبات مهما اتسع نطاقها أو ضاق،
وبانقضاء المهلة الدستورية لولاية رئيس الجمهورية، يكتسب الرئيس صفة رئيساً سابقاً للجمهورية، وهو مُلزم بترك الموقع الذي يشغله وإن تقاعس مجلس النواب عن انتخاب رئيس جديد للبلاد ضمن المهلة الدستورية المنصوص عنها في المادة 73 من الدستور سواء بامتناع رئيسه عن الدعوة لعقد جلسة لإنتخاب رئيس جديد، أو بتعذّر الإجتماع الحكمي للنواب لإنتخاب الرئيس،
أما بقاء رئيس الجمهورية المنتهية ولايته الدستورية في سدّة الرئاسة والقيام بعمله كرئيس للجمهورية فهو يرتّب مسؤولية قانونية بحقّه ما لم يعلن الثورة على النظام القائم بحيث يعلّق أحكام الدستور ويلعب دور Marechal Pétain – عند إعلانه حكومة Vichy- (6/16 – لغاية 1940/7/10) كونه بمجرّد انتهاء ولايته تسقط عنه صفة رئيس الجمهورية ويصبح كأيّ مواطن عادي يجب عليه أن يعي مسؤولية تصرّفاته وأن لا يقوم بأيّ عمل يشكّل خرقاً للقوانين المرعية الإجراء لاسيّما المادة 301 وما يليها من قانون العقوبات كون بقائه في موقع رئاسة الجمهورية يشكّل تغييراً للدستور المؤدّي إلى إثارة العصيان ضدّ السلطة القائمة بمقتضى الدستور، كما يشكّل اعتداءً يمنع السلطات القائمة من ممارسة وظائفها المستمدّة من الدستور، كما لا شيء يحول بدون ملاحقته قضائياً بفعل التعدّي voie de fait – لقيامه بعمل مادي متمثّل بمخالفات خطيرة لأحكام القانون وللمبادىء القانونية كونه يعتبر خارجاً عنها،
وعليه،
فإنّ من يهمس أو ينصح الرئيس بالبقاء في القصر الجمهوري عند انتهاء ولايته في ليل 2022/10/31 فهو يضلّل الرئيس ويتحمّل مسؤولية أيّ تصرّف يخرج عن القانون ويجب عليه الإبتعاد عن التحذلق الفكري المؤدّي إلى الإنتحار كي لا ينطبق عليه ما قاله تشرتشل لأحد الأشخاص في مجلس العموم:
نسرٌإذا استطعت ببغاءً أبداً مهما تحمّلت.
“محكمة” – الثلاثاء في 2022/8/23

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!