مقالات

في القيد الدستوري على انتخاب رئيس جديد للجمهورية اللبنانية/ فرانسوا ضاهر

القاضي السابق والمحامي فرانسوا ضاهـر:
هناك نظرية دستورية تقول إنّه يمكن انتخاب رئيس جديد للجمهورية اللبنانية خارج القيد الذي نصّت عليه الفقرة 3 من المادة 49 دستور، في حال تمّ إنتخابه بعد انقضاء مهلة الشهرين التي تسبق انتهاء ولايته والتي نصّت عليها المادة 73 من الدستور نفسه.
على اعتبار أنّه بانقضاء المهلة الدستورية على انتخاب رئيس جديد للبلاد (73 دستور) ينقضي معها القيد الدستوري (3/49 دستور).
غير أن هذه النظرية تشكّل خطأً جسيماً في فهم وتفسير أحكام الدستور، للأسباب التالية:
أ‌- لأن القيد الذي وضعه المشرّع الدستوري بالفقرة 3 من المادة 49، والذي يقول بعدم جواز انتخاب رئيس للجمهورية من بين القضاة وموظفي الفئة الأولى وما يعادلها في جميع الإدارات العامة والمؤسسات العامة وسائر الأشخاص المعنويين في القانون العام مدة قيامهم بوظيفتهم وخلال السنتين اللتين تليان تاريخ استقالتهم وانقطاعهم فعلياً عن وظيفتهم أو تاريخ إحالتهم على التقاعد، والذي يُقصد منه عدم تمكينهم من صرف نفوذهم الوظيفي واستغلال هذا النفوذ واستخدامه لغاية تسهيل وصولهم الى سدّة الرئاسة الأولى في البلاد،لا يتبدّل بتبدّل التوقيت الذي يتمّ فيه انتخاب رئيس جديد للجمهورية.
أوقع هذا التوقيت ضمن مهلة الشهرين الدستورية التي تسبق انتهاء ولاية رئيس الجمهورية والتي نصّت عليها المادة 73 من الدستور أم خارجها حيث تصبح البلاد حينئذٍ في حالة الخلاء أو الشغور الرئاسي، التي لحظتها المادة 62 من الدستور نفسه، وقد عالجت الوضعية الناشئة عنها، ” بأن أناطت صلاحيات رئيس الجمهورية وكالةً بمجلس الوزراء. ”
ب‌- إنه من غير الجائز في علم القانون عموماً، وعلم الدستور تحديداً، أن يُفهم ويُفسّر نص دستوري ويحدّد ميدان تطبيقه على نحو يلغي أي نص دستوري آخر. بمعنى أنه لا يجوز أن تكون المهلة الدستورية المحدّدة لانتخاب رئيس جديد للجمهورية، والتي وضعتها المادة 73 دستور، مُسقطة بعد انقضائها، للقيد الذي وضعته المادة 3/49 دستور على انتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية.
ج- إن هدفيّة وغاية القيد الدستوري الذي وضعه المشرّع الدستوري بالمادة 3/49 دستور، والذي يرمي الى منع فئة من الأفراد العاملين في القطاع العام أو الذين لم ينقضِ على عملهم فيه سنتان، من الترشّح لرئاسة الجمهورية، لا يرتبط بالتوقيت الذي يتمّ فيه انتخاب رئيس جديد للجمهورية، وذلك بالنظر الى طبيعة القيد بحدّ ذاته. ألا وهو الحؤول دون انتخاب هؤلاء الموظفين لرئاسة الجمهورية، تبعاً لإمكانية صرف نفوذهم الوظيفي أو استخدام وظائفهم أو التجاوز في استخدامها لغاية تسهيل انتخابهم.
وإن التفسير المعاكس يفضي الى القول بأن صرف النفوذ يعتدّ به ويؤخذ في الإعتبار، في حال تمّ انتخاب رئيس جديد للبلاد، ضمن المهلة الدستورية المحدّدة لانتخابه (73 دستور)، ولا يعتدّ به ولا يؤخذ في الإعتبار إذا ما تمّ انتخابه بعد انقضاء تلك المهلة، الأمر الذي يجافي منطق الأمور وطبيعتها ويخالف المفاهيم العامة.
د- ولا يردّ على ما تقدّم، أنه بإمكان المجلس النيابي أن يتجاوز القيد الذي وضعته الفقرة 3 من المادة 49 دستور، وذلك بانتخاب رئيس جديد للجمهورية بالأكثرية الموصوفة الموضوعة لتعديل الدستور التي نصّت عليها المادة 79 دستور، وهي ثلثا الأعضاء الذي يؤلّفون المجلس قانوناً، ذلك أنه لا مجال للقول بالتعديل الضمني للدستور. لأن لتعديله آلية دستورية جوهرية وضعها المشرّع الدستوري، لا يمكن تجاوزها ولا الإلتفاف عليها ولا تجاهلها، وهي تلك التي نصّت عليها المواد 76 و77 و78 و79 دستور، على اعتبار أن لكلّ تعديل دستوري أسبابه الوطنية الموجبة وأبعاده ومراميه وتأثيره على سير عمل المؤسسات الدستورية وتعاونها وكيفية تكوينها، لتوفير المزيد من الخير العام للأمة.
لذا، يقتضي الإستنتاج، على وجهٍ مدعّم، أن النظرية الدستورية المثارة هي مخالفة لأحكام الدستور ولصراحة أحكامه وللمفاهيم التي أرساها. ولا بدّ من إهمالها وإسقاطها، بدليل أن المجلس النيابي عندما شرع بانتخاب العماد إميل لحود رئيساً للجمهورية، قد عمد أولاً بأول وقبل انتخابه الى إقرار التعديل الدستوري رقم 687 تاريخ 1998/10/13 الذي نصّ على إمكانية انتخابه خارج القيد الذي وضعته الفقرة 3 من المادة 49 دستور، ولو أنه ارتأى أن النص الدستوري يجيز له تعديل الدستور ضمناً، لكان أتمّ انتخابه للتوّ، بالأكثرية الموصوفة الواجبة لهذا التعديل، مباشرةً، دونما حاجة لإقرار التعديل الدستوري المشار إليه.
“محكمة” – الخميس في 2022/7/28

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!