أبرز الأخبارمقالات

في عدم دستورية إنشاء اللجنة في مشروع قانون الـ”Capital Control”/هادي خليفة

بقلم المحامي هادي خليفة:

.Il faut croire au progrès du droit, mais ne pas le reconnaître dans l’abondance des lois
.G.Ripert- Les forces créatrices du Droit

توطئة:
يشكّل مشروع القانون المعجّل المحال حالياً من الحكومة على مجلس النوّاب والمتعلّق بوضع ضوابط إستثنائية ومؤقّتة على التحاويل المصرفية والسحوبات النقدية والمعروف بقانون الـ Capital Control الحالة النموذجية للقانون العرفي Martial law وفيه إبادة جماعية مدنية بحقّ شعب بكامله خُدع من قبل أشخاص دمّروا مالية الوطن بكلّ وطنية…،
كما يشكّل تعديلاً دستورياً ولكن بصورة مقنّـعة ،لاسيما تعديل الفقرة –و- من مقدّمة الدستور التي حدّدت بصورة واضحة بأنّ النظام الإقتصادي في لبنان هو نظام إقتصادي حـرّ يكفل المبادرة الفردية والملكية الخاصة،
وهو يشلّ عمل لجنة الإقتصاد الوطني والتجارة والصناعة والتخطيط النيابية الدائمة،
ويشكّل تعطيلاً للمجلس الإقتصادي الذي أنشىء في وثيقة الوفاق الوطني والمقتبس عن المادة 69 من الدستور الفرنسي،
كما فيه إعتداء سافر على القرارات الصادرة عن المجلس الدستوري في لبنان الذي ثابر وبخطى ثابتة على تحصين الحرّيات والحقوق حاذياً بذلك حذو زميله المجلس الدستوري الفرنسي ، لا سيما القرار الصادر عنه تحت رقم 2000/5 – تاريخ 2000/6/27 الذي أبطل القانون رقم 227- تاريخ 2000/5/31 المتعلّق بتعديل بعض مواد قانون القضاء الإداري والذي ورد فيه:
“وبما أنه عندما يسّن المشترع قانوناً يتناول الحقوق والحريات الأساسية فلا يسعه أن يعدّل أو أن يلغي النصوص النافذة الضامنة لهذه الحرّيات والحقوق دون أن يحلّ محلّها نصوصاً أكثر ضمانة أو تعديلها على الأقل فاعلية وضمانة، وبالتالي لا يجوز للمشترع أن يضعف من الضمانات التي أقرّها بموجب قوانين سابقة لجهة حقّ أو حرّية أساسية سواء عن طريق إلغاء هذه الضمانات دون التعويض عنها بإحلال ضمانات محلّها أقل قوة وفاعلية….”
1- في عدم دستورية اللجنة المحكى عنها في مشروع القانون المومأ اليه:
ورد في البند -1- من المادة 3 من مشروع القانون إنشاء لجنة خاصة مؤقّتة مؤلّفة من وزير المالية وحاكم مصرف لبنان وخبيرين إقتصاديين وقاضٍ من الدرجة 18 وما فوق يختارهم رئيس مجلس الوزراء، ويمكن لها أن تستعين بمن تراه مناسباً من أهل الإختصاص.
أ-إنّ منح رئيس مجلس الوزراء حقّ تعيين هذه اللجنة لا يدخل مطلقاً ضمن صلاحياته الدستورية المحدّدة في المادة 64 من الدستور،كما فيه مخالفة جوهرية للمادة 65 منه التي أناطت السلطة الإجرائية بمجلس الوزراء وهو المولج حصراً بإجراء التعيينات اللازمة لتسيير المرفق العام ضمن ضوابط قانونية بعيدة عن الإستنسابية، وهذا ما قضى به المجلس الدستوري في لبنان في القرار رقم 2001/5 الذي أبطل القانون رقم 363 – تاريخ 2001/8/16 والمتعلّق بالتعيينات في الفئتين الأولى والثانية ومُسنداً قراره على المادة 65 من الدستور، كما عاد وأكّد على ما سبق وقضى به في هذا الخصوص بموجب القرار رقم 2020/4 – الصادر عنه بتاريخ 2020/7/22.
ب – المخالفة الدستورية الثانية في هذه اللجنة يقع ضمن دائرة حكومة تصريف الأعمال، كونه من الثابت أنّ الفقرة -2- من المادة 64 من الدستور لا تجيز مطلقاً للحكومة عند استقالتها أو اعتبارها مستقيلة أو قبل نيلها الثقة أن تمارس صلاحياتها الدستورية إلاّ ضمن حدود مفهوم تصريف الأعمال وبصورة ضيّـقة، فكيف لوزير المال العضو في اللجنة المحكي عنها ومن خلفه رئيس الحكومة عند استقالة الحكومة أو اعتبارها مستقيلة أن يقدم على تسيير شؤون المهام الملقاة على عاتق اللجنة الهجينة؟؟؟؟
ج- تناغمت السلطة التنفيذية مع السلطة التشريعية عند سنّ القوانين في مخالفة القرارات المُلزمة الصادرة عن المجلس الدستوري، والذي أبطل العديد من القوانين أو بعضاً من المواد القانونية في معرض إعمال رقابته على مدى دستوريتها، بهدف تحصين مبدأ الضمانة القضائية – sécurité juridique – المنصوص عنها في المادة 20 من الدستور من أيّ اعتداء، وأكّد المجلس في قراره رقم 2014/6 تاريخ 2014/8/6-(الطعن بقانون الإيجارات) على هذا المبدأ ذاهباً الى تكييفه ضمن مبادىء الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي أصبح جزءًا لا يتجزأ من الدستور، ومؤكّداً أنّ التمادي في إنشاء اللجان بدون التقيّد بالشروط المطلوبة لذلك يطيح بالضمانة القضائية ويؤدّي إلى إهدار الحقّ بالتقاضي ويشكّل انتهاكاً لمبدأ فصل السلطات وتوازنها وتعاونها.
د – ورد في البند -2- من المادة 3 المتعلّقة بإنشاء اللجنة، أنّ اللجنة تقترح على مجلس الوزراء النصوص التطبيقية اللازمة لوضع القانون موضع التطبيق ولها أن تعدّل بالطريقة التي تراها مناسبة أو من خلال تعاميم دورية تصدر عن مصرف لبنان، وينتهي هذا البند بعبارة ” وفقاً للأصول المرعية الإجراء “- هذه العبارة كما هو معلوم هي حمّالة أوجه، ولا يمكن ضبطها، وهي أفضل وسيلة لعدم إمكان إجراء أيّة رقابة على عمل اللجنة،
إنّ منح اللجنة هذه الصلاحية الإستنسابية وتناغمها مع مصرف لبنان في تقرير مصير أموال الناس المودعة في المصارف وتكييف حياتهم بوصاية منها عليهم ، فيه تجيير لاختصاص مجلس النواب إلى هذه اللجنة الهجينة وبدون أيّة رقابة منه عليها، وفيه مسّ بالقاعدة الدستورية المتمثّلة بفصل السلطات وتوازنها وتعاونها، ولقد أقرّ المجلس الدستوري بموجب القرار رقم 2002/1 – تاريخ 2002/1/31- مبدأً مفصلياً في أصول وقواعد التشريع إذ ورد فيه: أنّ ما هو محجوز للمشرّع بموجب الدستور هو محجوب عن السلطة الإجرائية الممثّلة بمجلس الوزراء، كما ذهب القرار إلى أبعد من ذلك ليقضي حتّى عند حصول تفويض من المشرّع إلى مجلس الوزراء على فرض دستوريته، فإنّ هذا التفويض لا يمكن إطلاقه في الزمن لأنّ فيه تجاوزاً لطبيعة التفويض ويدخل عندها ضمن قاعدة التخلّي عن الإختصاص.
الخلاصة:
يستخرج من كلّ ما تقدّم، أنّ مشروع القانون المومأ إليه ينفصل بصورة كاملة عن المبادىء الدستورية والقانونية، وأنّ المادة 3 منه خلطت المفاهيم الدستورية واعتدت عليها بشكلٍ صارخ، إذ لا يمكن أن تكون أعمال هذه اللجنة غير خاضعة لأيّة سلطة رقابية أو قضائية، ولا يمكن لها أن تقترح القوانين المطبـّقة أمامها ولديها.
إنّ مشروع القانون هذا قد خلط حابل القوانين بنابل السياسة والإقتصاد بذريعة إنقاذ البلد من كبوته الإقتصادية والمالية وشرّع الإستيلاء على أموال المودعين بعد أن أخفى الدين العام بسحر ساحر لينتقل إلى قلب مفهومه إلى خسائر، وارتضى بصورة مستمرّة ومتمادية ومتعاقبة بتوزيع الخسائر على المودعين فقط ولكن … “بعدالة” !!!!
إنّ أسوأ أنواع العدالة هي تلك التي تصنع من الباطل لإلباسه ثوب الحقّ.
“محكمة” – الجمعة في 2022/4/22
*حفاظاً على حقوق الملكية الفكرية، يمنع منعاً باتاً على أيّ شخص، طبيعيًا كان أم معنويًا وخصوصًا الإعلامية ودور النشر والمكتبات منها، نسخ أكثر من 20% من مضمون الخبر، مع وجوب ذكر إسم موقع “محكمة” الإلكتروني، وإرفاقه بالرابط التشعّبي للخبر(Hyperlink)، كما يمنع نشر وتصوير أيّ خبر بطريقة الـ”screenshot” وتبادله عبر مواقع التواصل الإجتماعي وتحديدًا منها “الفايسبوك” و”الواتساب”، ما لم يرفق باسم “محكمة” والإشارة إليها كمصدر، وذلك تحت طائلة الملاحقة القانونية.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!