مقالات

في موضوع الرقابة على السينما الأجنبية والجدل حول “باربي”.. ماذا يقول القانون؟!/عطاف قمر الدين

الدكتورة عطاف قمرالدين:
تعرّف الرقابة على أنها عملية فرض قيود معيّنة على وسائل التعبير في حال كان المحتوى التعبيري يمسّ مصلحة محمية بالقانون، وفقاً لأصول يتولّى تحديدها الجهاز الرقابي في الدولة.
ومن المعلوم أن من أهم النتائج المترتبة على الحق في حرّية الرأي والتعبير المعترف به في المواثيق الدولية كما في الدستور اللبناني، نتيجة مفادها عدم جواز إعمال الرقابة المسبقة على المحتوى التعبيري، بمعنى أنّه يجوز القمع اللاحق لكل تجاوز للقيود المقرّرة تشريعيًا على حرّية الرأي والتعبير وليس المنع المسبق.
ومع ذلك، يعتمد لبنان نظام الرقابة المسبقة بشأن العديد من الأعمال الفنّية والثقافيّة، استناداً إلى نصوص قانونية خاصة ومتفرّقة، ومن تلك النصوص الرقابية ما يتعلّق بالرقابة على الأعمال السينمائية الواردة من الخارج والتي يدور الجدل حاليًا حولها عقب شهرة فيلم “باربي” الأجنبي وتضارب الآراء حول السند القانوني لمنع أو إجازة عرضه في لبنان.
من هنا، لا بدّ من توضيح موقف المشرّع اللبناني من موضوع الرقابة على الأعمال السينمائية في ضوء الأحكام القانونية المرعية الإجراء.
في الواقع، من القوانين النافذة في لبنان قانون إخضاع جميع الأشرطة السينمائية للمراقبة تاريخ 1947/11/27 والذي نصّ في المادة الأولى منه على ما يلي:
“تخضع جميع الأشرطة السينمائية للمراقبة ولا يجوز عرضها على الجمهور في قاعات السينما أو في النوادي الخاصة أو في أي مكان آخر إلا بإجازة من مديرية الأمن العام. تتناول المراقبة الأشرطة السينمائية على مختلف أنواعها سواء كانت مستوردة من الخارج أو مأخوذة في لبنان. تطبق هذه المادة على الأشرطة السينمائية المستوردة للمرة الثانية وإن كانت قد عرضت للمراقبة لدى استيرادها في المرة الأولى.”
وأضافت المادة ٣ من القانون عينه، أنه: “تقوم بمراقبة الأشرطة المعدّة للعرض في الجمهورية اللبنانية مصلحة المراقبة في مديرية الأمن العام. تجري المراقبة في قاعة خاصة مجهزة بالآلات الفنية الواجبة ومعدة لأجل هذه الغاية.”
وعليه، في حال تبيّن أن هناك ما يدعو إلى منع عرض الشريط كله أو بعض أجزائه، فإن أمر مراقبته يعود الى لجنة خاصة، تتألف من:
– مدير الدعاية والنشر رئيسًا.
– مندوب عن وزارة الخارجية عضوًا.
– مندوب عن وزارة التربية الوطنية.
– مندوب عن وزارة الاقتصاد الوطني والشؤون الاجتماعية.
– مندوب برتبة مفوض عن الأمن العام ٍ تبدي اللجنة رأيها بأكثرية الأصوات في شأن إجازة عرض الفيلم أو رفضه أو اقتطاع بعض أقسامه.
فإذا ما قررت اللجنة رفض عرض الشريط يصدر وزير الداخلية قرارًا بذلك.أما إذا قررت اقتطاع بعض أجزائه فتحفظ هذه الأقسام في مديرية الأمن العام ولا تعاد الى أصحابها إلا لأجل تصدير الفيلم إلى الخارج وتسجل إجازة عرض الشريط أو قرار الرفض او اقتطاع بعض أجزائه في سجل المراقبة.
ولكن ما هي المعايير التي يجب أن تتم مراعاتها في قرارات المراقبين؟ تجيب المادة 4 من القانون نفسه، بتكريسها المبادىء التالية في هذا الصدد:
1- احترام النظام العام وآلاداب وحسن الأخلاق.
2- احترام عواطف الجمهور وشعوره واجتناب إيقاظ النعرات العنصرية والدينية.
3- المحافظة على هيبة السلطات العامة.
4- مقاومة لكل دعاوة غير مؤاتية لمصلحة لبنان.
وأخيرًا تجدر الاشارة إلى صلاحية خاصة أعطيت لوزير الداخلية في مجال الرقابة على الأعمال السينمائية ، في المادة ٩ من القانون، تجيز له، تلافياً لأسباب تخل بالنظام والأمن العام، أن يمنع بناءً على اقتراح مديرية الأمن العام عرض أي شريط أجيز عرضه منعًا خاصًا في بعض أراضي الدولة او منعًا عامًا في مجموع هذه الأراضي!
ويمكن التعليق على الواقع التشريعي السابق عرضه من ناحيتين:
• الناحية الأولى تتعلق بالثغرات التي تعتري نظام الرقابة عمومًا لا سيما عدم الاستقلالية التامة لجهات الرقابة، وعدم تكريس موجب التعليل القانوني للقرار الرقابي والذي إن وُجد، فإنّه يُبنى على تعابير عامة تطبّق دون تعريف دقيق.
• أما الناحية الثانية فتتعلّق بكون المشرّع عندما أقرّ النصوص الرقابية (التي مرّ عليها زمن لا بأس به) لم يكن في تصوّره أن العقود القادمة ستحمل من التطوّر النوعي ما سيجعل وسائل النقل الرقمي إلى الجمهور عبر الانترنت متوفرة بين أيدي جميع الناس بشكل ينفي إمكانية إجراء رقابة مسبقة على المحتوى المنشور بواسطتها، وبالتالي يمكن من خلال الوصول المتاح إلى محتوى شبكة الانترنت العالمية، تعطيل مفاعيل أي قرار رقابي محلّي من هذه الجهة!
وعلى الرغم من أن قانون إخضاع جميع الأشرطة السينمائية للمراقبة قد عاقب في المادة 10 منه كل مخالفة لأحكامه مرتكبها بالغرامة وبإقفال دار العرض مدة تتراوح بين خمسة عشر يومًا وثلاثة أشهر، فضلًا عن العقوبات التي يجوز فرضها لدواعٍ أخرى، ولكن في مقاربة واقعية موضوعية لموضوع الرقابة المسبقة، يُطرح التساؤل حول جدوى هذا النظام عمليًا في ظلّ سطوة القطاع المعلوماتي الذي يسّر الحصول على المحتوى (المعلومة) بنقرة واحدة، خاصةً بالنسبة للأعمال الواردة من الخارج والتي أصبحت تصدر بنسخ إلكترونية عبر منصّات رقميّة متاحة لكافة مستخدمي الشبكة حول العالم!
على ما تقدّم، يمكن القول إنّه يقتضي إعادة النظر في القوانين الناظمة للرقابة المسبقة على المحتوى الفني والثقافي والإعلامي في لبنان، لجهة التركيز على قيد تحديد الفئات العمرية التي يجوز لها الدخول إلى دور العروض لمشاهدة الفيلم، عدا عن الاهتمام بالرقابة العائلية والتربية المنزلية والمدرسية درءًا لأية آثار ضارة محتملة لأي عمل فنّي، وبالمقابل عدم الإبقاء على نصوص جامدة تقضي بالحظر المطلق النظري للأعمال، وذلك مراعاةً للتطوّر الرقمي المبيّن آنفًا في هذا الشأن أوًلاً، وصوناً لحرّية الرأي والتعبير من القرارات التعسّفية غير المستندة إلى معايير تشريعية دقيقة ثانيًا.
“محكمة” – الأربعاء في 2023/8/23

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى