مقالات

يا قضاة لبنان.. سبق السيفُ “العدل”!/عرفات شمس الدين

عرفات شمس الدين:
منذ أيّام توفي موقوف في سجون الدولة اللبنانية تحت ظروف الاستجواب، وبمعزل عن أسباب الحادث ومن هو المتهم وكيف حصل ذلك ومن المسؤول، فهذه كارثة انسانية في مفهوم القانون الدولي الانساني ولو حصلت في غير بلد لاستقال نصف المسؤولين فيه.
هذه الحادثة وغيرها من القضايا والأحداث المرتبطة بالقضاء تدفعنا إلى التوقّف مليًا أمام الانحدار غير العادي الذي يحصل في مسار العدالة في لبنان، فالتشكيلات القضائية معطّلة في أروقة السياسيين والتحقيقات العدلية في الملفّات الحسّاسة متوقّفة لأسباب سياسية وقضائية ، وأموال المودعين في خبر كان بسبب النفاق المسيطر على إدارة البلاد وسطوة رجال المال على مفاصل الدولة العميقة، ولقمة العيش صارت عزيزة في وطن لا يرحم أهله بعضهم البعض، وملفّات الفساد تُفتح وتُفتح ثمّ تذهب أدراج الرياح ويبقى الفاعل مجهولًا، وقطاعات الدولة تُشلّ الواحدة تلو الأخرى حتّى وصل الأمر إلى أقواس العدالة.
ورغم كلّ ما يشوب القضاء من أزمات ما زال هناك العشرات من القضاة الأبرار الذين يعوّل عليهم الناس لحماية ما تبقّى من كرامة وحقوق، فلماذا التعطيل؟ فالاضراب عمل غير مشروع وفقًا لقانون الموظّفين وقانون التنظيم القضائي، ومهما سمّيتموه اضرابًا أو اعتكافًا فهو مخالفة قانونية يرتكبها قضاة.
صحيح وممّا لا شكّ فيه أنّ حقوقكم في العيش الكريم مسلّمةٌ لا جدال فيها وأنتم الذين لم تُنصَفُوا يومًا، ولكن في هذه الظروف الاستثنائية ينبغي التصرّف بحكمة استثنائية وعالية فالتاريخ سيسجّل أحد أمرين:
1- إنّ القضاة آثروا العدالة على أنفسهم وضحّوا وصبروا لأجل الناس ومضوا يقومون بواجباتهم في أصعب الظروف.
2- أو أنّ القضاة استسلموا أمام البلاء فقرّروا التضحية بحقوق الناس حتّى ينالوا حقوقهم!!
وبالتأكيد الأولى شرف عظيم ، والثانية سقطة لن يرحمكم التاريخ لأجلها.
ثمّ ألسنا أصحاب رسالة وقضيّة؟ وأيّ سبب سيبرّر لنا التخلّي عن هذه المهمّة الالهية العظيمة؟ المال؟ الحقّ؟ البلاء؟ …أمام العدالة كلّ شيء يصغرُ..
وإذا توقّفتم ، مَنْ للمظلومين المعذّبين دون محاكمة وهل ترضون أن يجري على اولادكم ما يصيب هؤلاء الناس؟!
أيّها القضاة الشرفاء ، أنتم حماة ما تبقّى من مؤسّسات، عودوا إلى ضمائركم وكونوا روّادًا للعدالة لا للوظيفة.
قد يردّ قائل منكم – ممن لم يؤتَ من العلم إلّا قليلًا – ما لكاتب هذا المقال يُنظّر علينا وهو الخارج من اللعبة؟ أقول لك سلفًا إنّني وبكلّ فخر لم أُصرف لظلم ارتكبته ولا لرشوة معاذ الله أن أقربها ولا لخدمة أدّيتها لأحد إلّا الله.
لقد أدانوني بالفضيلة وعاقبوني لأنّي عاقبت مجرمًا ملاحقًا بأربعين جناية وجنحة وهو يستحقّ العقاب.. لقد أدّيت واجبي الديني والقانوني والوطني لحفظ هيبة القانون فقُتلت لأجل ذلك – واسألوا أهل الذكر إنْ كنتم لا تعلمون- حينها بدأ الانحدار وسبق السيفُ “العدل” وافتقدت الادارة القضائية معايير المحاسبة الشفافة والعادلة.
وبعيدًا عن هذا الاستطراد الضروري، إنّكم اليوم بإضرابكم تعمّقون جرح العدالة أكثر وتوسّعون مساحة الللاثقة بينكم وبين الناس. اهجروا الحاكم والمصارف وارتضوا بتسوية (الراتب + المساعدة الاجتماعية+ راتب التعاضد) كحلّ مؤقّت يروي شيئًا من ظمئكم في هذه الأيّام الحالكة على الوطن ولتعودوا لحمل الأمانة ولو تحت قصف الرعود.. هكذا فقط يباهي بكم لبنانُ العالم..
أيّها القضاة الشرفاء لقد وقع القضاء في كثير من الأفخاخ وسبق السيفُ العدل.. ثوروا على أنفسكم وعلى الطغيان والفساد، وليكن كلّ منكم ثائرًا بحسب صلاحيته، حينها تعود العدالة لتسمو ويعود العدل سلطانًا مسلّطًا على كلّ قراراتنا..
أيّها القضاة لقد سبق السيفُ العدل، فهللّا يسبق العدلُ السيف .. وتعودون إلى العمل؟!
“محكمة” – الخميس في 2022/9/8

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!