لجنة الشؤون المصرفية وحماية حقوق المودعين في نقابة المحامين: مغالطات قانونية في حكم محكمة بداية بيروت
خاص “محكمة”:
تعليقًا على الحكم الصادر عن الغرفة الإبتدائية الأولى في بيروت برئاسة القاضية ميشيل طربيه بتاريخ 2024/01/80، صدر عن لجنة الشؤون المصرفية وحماية حقوق المودعين في نقابة المحامين في بيروت برئاسة المحامي الدكتور علي زبيب، الموقف التالي:
“تؤكّد لجنة الشؤون المصرفية وحماية حقوق المودعين في نقابة المحامين في بيروت (“اللجنة”) على إلتزامها الكامل بأداء جميع المهام المناطة بها، وبأداء المُقتضى لضمان حقوق المودع اللبناني أولاً وحماية الإقتصاد عبر المساهمة في إعادة إنتاج قطاع مصرفي سليم ثانياً. وعليه، تسعى اللجنة من خلال هذا التعليق أن توضح موقفها القانوني حول الحكم الصادر عن الغرفة الابتدائية الأولى في بيروت، المؤلفة من القضاة ميشيل طربيه وزينة زين وتدي سلامة، في الدعوى المقامة من السيد قاسم ياسين ضد الشركة الجديدة لبنك سوريا ولبنان ش.م.ل.
ومن باب إحترام اللجنة للسلطة القضائية ودورها في إرساء العدالة، فإنها ترى أنه من واجبها تسليط الضوء على المغالطات القانونية التي شابت هذا الحكم وما يرتبط به من تأثيرات على حقوق المودعين والنظام المالي العام في لبنان. وعليه، وبعد دراسة مستفيضة للحكم وأبعاده القانونية، تبيّن للجنة أن الحكم يتضمن عدة مغالطات قانونية جسيمة، أبرزها تجاوزه نطاق مداولات الخصوم وخروجه عن إطار ما نص عليه قانون أصول المحاكمات المدنية، إذ إن الحكم لم يلتزم بمبادئ القانون الأساسية، وخاصةً في ما يتعلق بمبدأ الوجاهية ومبدأ نسبية العقود، مما يشكل خرقاً واضحاً للمادة 366 من قانون أصول المحاكمات مدنية والتي تنص على ضرورة أن يفصل القاضي في حكمه بما هو مطلوب وفقط بما هو مطلوب، وسوف نلخصها كالتالي:
أولاً: في مخالفة الحكم لأحكام قانون أصول المحاكمات المدنية: تشير اللجنة إلى أن الحكم تناول مواضيع بعيدة عن نطاق النزاع الأساسي، حيث تطرَّق إلى الأزمة الاقتصادية العامة ومسؤولية الدولة ومصرف لبنان دون أن تكون هذه المواضيع ضمن مداولات الخصوم. وقد خالف الحكم مبدأ الوجاهية بنص الفقرة الأخيرة من المادة 373 من قانون الأصول المحاكمات المدنية، حيث اعتمد على أسباب لم تُناقش وجاهياً، مما يفرض ضرورة إعادة النظر في هذا الحكم من خلال الطعن به أمام الجهات المختصة.
ثانياً: في مبدأ نسبية العقود: إن إدخال الحكم لعوامل خارجية تتعلق بعلاقة المودع بالدولة اللبنانية ومصرف لبنان يخالف بوضوح مبدأ نسبية العقود المنصوص عليه في المادة 225 من قانون الموجبات والعقود. فلا يمكن تحميل المودع مسؤولية توقف الدولة أو مصرف لبنان عن الدفع، فالعقد الذي أبرمه المدعي كان مع المصرف المدعى عليه حصراً، وبالتالي فإن المصرف ملزم قانوناً بإعادة ودائع المدعي وفقاً لشروط العقد الموقع بينهما.
ثالثاً: في انتهاك الحكم المبادئ الأساسية للقانون المصرفي: تُشدد اللجنة على أنه لا يمكن إعتبار الشيك وسيلة إيفاء كونه لا يُمكِّن المستفيد من قبض قيمته الحقيقية أي الإستفادة منه بقيمته الحقيقية. وقد اعتبر هذا الحكم أن المدعي لم يثبت عدم وجود المؤونة في الشيكات المدفوعة، ووضع عبء الإثبات في غير محله القانوني، إذ يجب أن يكون المصرف هو من يثبت توافر أو عدم توافر المؤونة وقت إصدار الشيك، وليس أي طرف آخر.
رابعاً: في عدم تطبيق أحكام القانون 67/2 المتعلق بإعلان توقف المصارف عن الدفع: ترى اللجنة أن المحكمة لم تُصب في تطبيق أحكام القانون 67/2 المتعلق بإعلان توقف المصارف عن الدفع. إنّ هذا القانون تم إقراره خصيصاً لمعالجة حالات توقف المصارف عن سداد ديونها، وهو يهدف إلى حماية المودعين وضمان استقرار النظام المالي. إن عدم تطبيق هذا القانون في الحكم الصادر يعرض حقوق المودعين لخطر جسيم ويتجاهل القواعد القانونية التي وضعت لتفادي مثل هذه الأزمات. إن القانون 67/2 ينص بوضوح على الإجراءات التي يجب اتخاذها في حال توقف المصرف عن الدفع، بما في ذلك وضع اليد على المصرف من قبل السلطة القضائية لضمان حقوق المودعين، والأزمة التي يشهدها لبنان هي خير مثال توجب تطبيقه.
إتجهت المحكمة إلى عدم إعلان توقف المصرف المدعى عليه عن الدفع تفادياً لتداعيات هذا الإعلان على المصارف العاملة الأخرى، حيث ورد في نص الحكم التالي “يتسبب بسلسلة من الإفلاسات بسبب مطالبة المدينين بوفاء ديونهم أيضاً تجاه المصرف”، الأمر الذي يشكل إعترافاً صريحاً من قبل المحكمة بتوقف المصارف عن الدفع بما يؤشر إلى إفلاسها، مما يثبت صحة مطالبات المدعي لناحية إعلان المصرف متوقفاً عن الدفع.
ترى الللجنة أن المحكمة في قراراها تمنّعت عن إحقاق الحق، سيما وأن القاضي ملزم بتطبيق النصوص القانونية النافذة، لا الحكم بعدم تطبيقها مهما تعددت الحجج و الأسباب، كما يتوجب على القاضي أن يجترح الحلول عند وجود ثغرات أو نواقص في النصوص القانونية مستعينا عند الحاجة بالفقه والإجتهاد والأعراف (خاصةً المادة الثانية من قانون أصول المحاكمات المدنية)، لا أن يرفض تطبيق النصوص، خاصة إذا كانت بوضوح ودقة القانون 67/2 الهادف بالذات إلى حماية المصرف المتعثر حيث أوجد سبل معالجة لوضعه، تتلائم وطبيعته وتتمايز وأحكام الإفلاس العادية، كما هدف إلى حماية حقوق المودع، وهي كانت نية المشترع أساساً من وراء سن هذا القانون.
في ضوء هذه المعطيات، تؤكد لجنة الشؤون المصرفية وحماية حقوق المودعين في نقابة المحامين في بيروت إلتزامها التّام بتحقيق الأهداف التي أُنشئت من أجلها، بحيث ستواصل اللجنة العمل على وضع إطار قانوني متين يشمل تقديم مشاريع القوانين الضرورية مثل إعادة هيكلة المصارف والكابيتال كونترول، وستواصل التنسيق مع الجهات الرقابية والقضائية لضمان تنفيذ الأحكام التي تصدر بحق المصارف المخالفة. كما ستعمل اللجنة على تعزيز التعاون مع المؤسسات العامة والخاصة والنقابات وهيئات المودعين وكل طرف يعمل داخلياً أو خارجياً من أجل إستعادة وحماية حقوق المودعين.
إن اللجنة، ومن منطلق مسؤولياتها تجاه المجتمع والمحامين والمودعين، ستقوم بالإستعلام عن جميع الإجراءات القانونية من وكلاء المدعي لضمان تصحيح هذا الحكم وتحقيق العدالة. وعليه، تدعو اللجنة جميع الأطراف المعنية إلى إحترام القوانين المرعية الإجراء وإلى العمل بشكل جماعي من أجل حماية حقوق المودعين وتعزيز استقرار القطاع المصرفي في لبنان، والذي من شأنه إستعادة الإنتظام المالي العام لإعادة خلق إقتصاد مُنتج وفعَّال.”
“محكمة” – الاثنين في 2024/12/2