علم وخبر

إقتراح معجل مكرر مخالف للنظام والدستور/عصام اسماعيل

الدكتور عصام إسماعيل (استاذ القانون الإداري والدستوري في كلية الحقوق والعلوم السياسية والإدارية- الفرع الأول):
يثار في وسائل الإعلام إشكالية متصلة باقتراح قانون معجل مكرر يرمي إلى تعديل قانون الانتخابات النيابية والامتناع عن طرحه على الهيئة العامة لمجلس النواب من أجل إقراره، وقد تناول العديد من الكتّاب هذه المسألة ودستوريتها، ما استدعى التحري حول صحة الإدلاءات المثارة حصراً بالرغم من تعذّر الوصول إلى نص هذا الاقتراح وصحة تسجيله في المجلس والمرحلة التي وصل إليها.
وفق النظام الداخلي لمجلس النواب، فإن رئيس هذا المجلس هو الذي يرعى في المجلس احكام الدستور والقانون والنظام الداخلي (المادة الخامسة)، وتطبيقاً لهذه المادة، فإنّ رئاسة المجلس تمارس سلطة ميثاقية تجيز لها إجراء الرقابة على دستورية ونظامية أعمال المجلس بحيث إذا تبيّن له أن ما يطرح يتضمّن تجاوزاً للدستور أو النظام الداخلي لمجلس النواب جاز له التصدي لهذا المخالفة انطلاقاً من المسؤولية الملقاة على عاتقه في المادة الخامسة المذكورة، وهذه الرقابة لا تقتصر على أعمال الهيئة العامة واللجان النيابية، بل تشمل أيضاً أعمال النواب منفردة أو جماعية إذ في حال تبيّن له أن ما يقدّمه نائب أو أكثر يتضمّن مخالفة للنظام الداخلي أو الدستور فإن من واجب رئيس المجلس منع وصول المخالفة إلى الهيئة العامة لمجلس النواب وتصويب الأمور لكي تأتي هذه الأعمال منسجمة مع الدستور والنظام الداخلي.
وبالعودة إلى ما أثير حول اقتراح القانون المعجل المكرر الرامي إلى تعديل قانون الانتخابات النيابية، نجد أنه مشوب بثلاث مخالفات تجعل من الواجب عدم وضعه على جدول أعمال الهيئة العامة لمجلس النواب وهذه المخالفات الثلاث هي:
المخالفة الأولى: تجاوز عدد الموقّعين للحد المقرر في النظام الداخلي
حدّدت المـادة (101) من النظام الداخلي للمجلس النيابي العدد الأقصى من النواب الذين يحقّ لهم تقديم اقتراح القوانين فنصّت على أن:” تقدم اقتراحات القوانين الى المجلس بواسطة رئيسه مرفقة بمذكرة تتضمن الاسباب الموجبة. لا يجوز ان يوقع اقتراح القانون اكثر من عشرة نواب.
إن هذا النص ليس جديداً بل كان معمولاً به منذ النظام الداخلي الأول للمجلس النيابي لعام 1930 حيث حدد هذا النص الأسباب التي دفعت إلى حصر عدد الموقعين على اقتراح القانون، فجاء في المادة 149 من النظام الداخلي للمجلس النيابي لعام 1930 أنه:” لا يجوز ان يوقع اكثر من عشرة نواب على اي اقتراح بمشروع قانوني خشية التحكم بآراء الباقين من الاعضاء، اما الرغبات والطلبات فهم احرار بتوقيعها بأي عدد كان”. وقد شرح رئيس المجلس يومها بقوله :” المقصد من هذه المادة أن لا يقدم اقتراح توقعه الاكثرية فلا يعود من سبيل الى عدم قبوله ويقفل الباب امام الذين يودون الادلاء بآرائهم فيه فلا يجوز ان يوضع المجلس امام امر مفعول”.
وعليه وحيث أن اقتراح القانون المعجّل المكرر الموقّع من أكثر من عشرة نواب هو اقتراح مخالف للمادة 101 من النظام الداخلي للمجلس النيابي وفيه مصادرة لإرادة النواب في مناقشة المشروع، ما يجعل من امتناع طرحه على الهيئة العامة أمراً واجباً تقتضيه ضرورة دفع النواب إلى التقيّد بأحكام النظام الداخلي لهذا المجلس.
المخالفة الثانية: عدم جدية الأسباب الموجبة
لم يحدد النظام الداخلي للمجلس النيابي معنى الاستعجال ما يجعل من الواجب أخذ النص على اطلاقه، ولقد فسّرت المادة 191 من النظام الداخلي السابق للمجلس العائد لعام 1930 معنى الاستعجال بنصّها: الاستعجال المكرر عبارة عن النظر في القانون حالاً دون احالته إلى اللجان، إلا أن كلا النظامين القديم والمرعي الإجراء اشترطا أن يقدّم النائب الأسباب المبررة لطلب النظر بالقانون المؤلف من مادة وحيدة دون عرضه على اللجان وفي النظام الجديد نصّت المادة 110 أن: ” للحكومة ولأي من النواب مع تقدم مشروع أو اقتراح قانون أن يطلب بمذكرة معللة مناقشته بصورة الاستعجال المكرر شرط ان يكون مؤلفا من مادة وحيدة.
إذاً، فإن المذكرة المعللة المقصودة بهذه المادة ليست الأسباب الموجبة للقانون، وإنما الأسباب المبررة للاستعجال، أي يجب أن يضع النواب المبررات الكافية التي دفعتهم لطلب مناقشة اقتراح قانون مؤلف من مادة وحيدة بصفة المعجل المكّرر.
وهنا أيضاً يحق لرئيس المجلس أن يتحقق من جدّية مبررات مناقشة اقتراح قانون بصورة مستعجلة كما هي واردة في المذكرة المعللة الواردة في الطلب، وكذلك يتحقق مما إذا كان اقتراح القانون مؤلفاً من مادة وحيدة أم من مجموعة مواد جرى دمجها بمادة وحيدة لجعل النص المطروح مطابقاً للمادة 110 من النظام الداخلي للمجلس النيابي. فإذا ما وجد رئيس المجلس أن المذكرة المعللة لا تتضمن أسباباً جدّية مبررة لطرح المشروع بصفة المعجل المكرر، أو وجد أنه يتضمّن عدة مواد جرى دمجها في مادة وحيدة، هنا لرئيس المجلس وفق المـادة 109 أن يرفض هذا الطلب لأنّ هذه المادة منحت رئيس المجلس السلطة الاستنسابية، وعليه إذا تبيّن لرئيس المجلس أنه لا يوجد أي مبررات للاستعجال بخاصةٍ وأنه بتاريخ تقديم الاقتراح كانت لا تزال هناك مدة زمنية طويلة فاصلة عن الانتخابات النيابية، فهذا كافياً لينفي عن الاقتراح أي مبررات جدّية لطرحه بصيغة المعجّل المكرر، وتبعاً لذلك يحق لرئيس المجلس ممارسة سلطته الاستنسابية برفض هذا الاقتراح وعدم طرحه بهذه الصيغة على الهيئة العامة.
المخالفة الثالثة: عدم مراعاة خصوصية قانون الانتخاب
إن قانون الانتخاب هو من القوانين التي لها خصوصية لكونها تأتي بالهيئة المؤتمنة على تطبيق الدستور، وهو من القوانين السياسية بامتياز وينتمي إلى فئة القوانين الدستورية، ولهذه الأهمية وردت الإشارة إلى قانون الانتخاب أربع مراتٍ في الدستور في اثنينِ منها يصار إلى تفويض هذا القانون وضع دقائق تطبيق المواد الدستورية، ثمّ أوجب الدستور في المادة 65 أن يوافق مجلس الوزراء بغالبية الثلثين على قانون الانتخاب كل ذلك عائد لخصوصية هذا القانون.
ولهذا، إذا كان من حق نائب أو نواب طلب مناقشة قانون بصيغة المعجل المكرر، فإن هذه التقنية يستحيل استخدامها في طرح موضوعات أساسية ترتبط بكيفية تكوين السلطات المنبثقة عن الشعب، وعليه فإن مجرّد أن يكون الاقتراح متصلاً بمادة جوهرية وليس إجرائية في قانون الانتخاب (إذ يمكن قبول الاستعجال لمواد إجرائية)، فإن من الواجب ردّه فوراً لأن هكذا موضوعات مصيرية تطبخ على نارٍ هادئة، وليس بالتسرع والضغط الإكراهي الذي لا يوصل إلى أي نتيجة.
“محكمة” – السبت في 2025/11/1

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!
مجلة محكمة
Privacy Overview

This website uses cookies so that we can provide you with the best user experience possible. Cookie information is stored in your browser and performs functions such as recognising you when you return to our website and helping our team to understand which sections of the website you find most interesting and useful.