مقالات

هل يُلزم رئيس الجمهورية بنشر القانون بعد الردّ؟ قراءة دستورية في ضوء المادة 57 من الدستور اللبناني/أنطوان عيروت

أنطوان عيروت – نقيب محامين سابق:
كثر في الأيام الأخيرة الحديث عن إلزام رئيس الجمهورية بنشر قانون الإيجارات غير السكنية بعد مرور مهلة الشهر من إعادة مجلس النواب نصّه إلى الحكومة. ويستند هذا الرأي إلى ما ورد في قرار المجلس الدستوري الأخير، حيث استخلص البعض أنه سيكون على رئيس الحمهورية نشره مجددا في الجريدة الرسمية بعد اعتباره نافذأ حكمًا طالما انقضت مهلة الشهر منذ آخر نيسان 2025 ولم يعد بإمكان رئيس الجمهورية ردّها مع ملاحظاته إلى المجلس النيابي، لانقضاء مهلة القيام بذلك.
غير أن التفسير الدستوري الصحيح لمسار القانون بعد ممارسة حق الردّ يفرض إعادة النظر بهذه الخلاصة، نظراً لما يطرحه من تعارض مع المبادئ الدستورية الأساسية، وفي مقدّمها مبدأ الفصل بين السلطات.
تنصّ المادة 57 من الدستور على ما يلي:
” لرئيس الجمهورية، بعد اطلاع مجلس الوزراء، حق طلب اعادة النظر في القانون مرة واحدة ضمن المهلة المحددة لإصداره ولا يجوز أن يرفض طلبه· وعندما يستعمل الرئيس حقه هذا يصبح في حلّ من إصدار القانون إلى أن يوافق عليه المجلس بعد مناقشة أخرى في شأنه، واقراره بالغالبية المطلقة من مجموع الأعضاء الذين يؤلفون المجلس قانوناً·
وفي الفقرة الأخيرة منها، تشير المادة إلى أن:
“إذا انقضت المهلة دون إصدار أو طلب إعادة نظر، يُعدّ القانون نافذًا حكماً ويُوجب نشره.”
من هذا النص، يظهر بوضوح أن سريان مهلة النفاذ الحكمي يقتصر على الحالة التي يمتنع فيها رئيس الجمهورية عن إصدار القانون أو عن استعمال حق الردّ، أما إذا استعمل هذا الحق ضمن المهلة، فتتوقف المهلة تلقائيًا، ويُعلّق مسار القانون بانتظار إقرار جديد من البرلمان.
في الحالة التي نحن بصددها، أعادت الحكومة نص القانون إلى مجلس النواب بعد أن ردّه رئيس الجمهورية ضمن المهلة القانونية. غير أن المجلس النيابي لم يناقش القانون مجددًا، بل أعاده إلى الحكومة من دون أي إقرار جديد بالأكثرية المطلقة. وهنا يُطرح السؤال الجوهري: هل يحق لمجلس النواب أن يعيد القانون إلى الحكومة دون مناقشة؟ والأهم: هل تترتب أي مفاعيل دستورية على هذا التصرف؟
الجواب قطعًا بالنفي. فالمادة 57 واضحة في إلزام المجلس النيابي بإعادة مناقشة القانون وردّه إلى رئيس الجمهورية فقط إذا أقرّه مجددًا. أما مجرد الإحالة الصورية من دون مناقشة، فهي لا تُنتج أثرًا دستوريًا، بل تُبقي القانون في حالة “تعليق”، ولا تُحرّك مهلة جديدة من أي نوع.
صحيح أن المجلس الدستوري اعتبر أن النشر الذي حصل كان سابقًا لأوانه لأن مهلة الشهر لم تكن قد انقضت، غير أن ما يُفهم من منطق القرار – ضمنًا أو صراحة – هو أن النشر قد يصبح جائزًا بعد انقضاء المهلة التي تبدأ من تاريخ إحالة المجلس النيابي للنص مجددًا إلى الحكومة (أي من 28 آذار). وهذا التفسير فيه خطأ دستوري فادح، لأنه يتجاهل أن مهلة الشهر لا تنطلق أصلًا بعد استعمال حق الرد، بل تتوقف إلى حين إقرار القانون مجددًا في الهيئة العامة. والرئيس لا يُلزم بالنشر بعد الرد، والمجلس لا يُسقط رده إلا إذا صوّت مجددًا على القانون بأكثرية مطلقة.
إن القول بأن مهلة الشهر تبدأ من تاريخ إعادة القانون من المجلس النيابي إلى الحكومة، وأن انقضاءها يُلزم رئيس الجمهورية بنشر القانون، هو خلط خطير بين حالتي الصمت والرد المنصوص عليهما في المادة 57 من الدستور. فمتى مارس رئيس الجمهورية حقه الدستوري في طلب إعادة النظر، تنتفي إمكانية سريان مهلة النفاذ الحكمي، ولا يمكن استئنافها، بل يبقى القانون معلّقًا ريثما يُعاد إقراره من قبل المجلس النيابي بالأكثرية المطلقة.
من هنا، فإن النشر لا يتم لمجرد انقضاء مهلة شهر من تاريخ إعادة القانون، بل يتطلب إقرارًا نيابيًا جديدًا بعد الرد، وفق أحكام المادة 57 وإلا، فإن ممارسة رئيس الجمهورية لحقه في الرد تصبح بلا أثر، ويُعاد فرض القانون عليه تلقائيًا ولو لم يُقرّه البرلمان، ما يشكّل مخالفة جوهرية لمبدأ الفصل بين السلطات وللتوازن الدستوري الذي كرسه الدستور اللبناني.
“محكمة” – الأربعاء في 2025/5/21

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!
مجلة محكمة
Privacy Overview

This website uses cookies so that we can provide you with the best user experience possible. Cookie information is stored in your browser and performs functions such as recognising you when you return to our website and helping our team to understand which sections of the website you find most interesting and useful.