أبرز الأخبارعلم وخبرميديا

القاضي الحسن: يحقّ للمدين تسديد كامل القرض للمصرف قبل أجله بسعر 1508 ليرات للدولار/علي الموسوي

كتب علي الموسوي:
بعدما استجدّت متغيّرات في سعر صرف الدولار الأميركي إزاء الليرة اللبنانية في ظلّ الوضع الإقتصادي الصعب والمنهار في لبنان منذ أواخر العام 2019، وانعكاساته السلبية على الصعيد الإجتماعي والمعيشي نتيجة عوامل سياسية مختلفة ضيّقت الخناق على أنفاس المواطنين، سعت المصارف إلى مجاراة هذه التبدّلات عبر الإلتفاف على مضامين العقود الموقّعة مع الناس باعتبارها فرصة ذهبية لاغتنام المزيد من المال والأرباح على غرار ما فعله التجّار من دون حسيب أو رقيب والذين دفعهم جشعهم إلى تسعير بضاعتهم بالدولار الأميركي وليس بالليرة اللبنانية وبقيمة تفوق قيمة الصرف المتداولة في السوق السوداء، مخالفين بذلك قانون النقد والتسليف وقانون حماية المستهلك ومستفيدين بطبيعة الحال، من الغياب الكلّي للمعنيين والمسؤولين في الجمهورية اللبنانية.
وضمّت القاضي هانيا الحسن بوصفها قاضيًا منفردًا مدنيًا في طرابلس ناظرًا في الدعاوى المالية والتجارية، صوتها إلى أصوات زملائها القضاة الذين أصدروا أحكامًا انتصروا فيها بفعل إعمال القانون والضمير، إلى المواطن، بعكس ما فعلته محكمة التمييز المدنية في عهد رئيسها السابق القاضي المتقاعد ميشال طرزي بانحيازها التام لمصلحة المصارف وبارتكاب مخالفات قانونية جسيمة يفترض ألّا تصدر عن محكمة معنية بتنفيذ القانون أكثر من سواها.
ويتناول الحكم الجديد للقاضي الحسن مسألة موافقة مصرف “فرنسبنك” على قبض قيمة بعض الأقساط المالية المترتّبة له بذمّة المدين بالليرة اللبنانية، ثمّ تراجعه عن هذه الخطوة، لا بل انقلابه عليها، مع تسجيل الدولار الأميركي أسعارًا مرتفعة في التداول في السوق السوداء ناهزت في حزيران 2020 العشرة آلاف ليرة ووصلت في شهر آذار 2021 إلى خمسة عشر ألف ليرة، فيما استقرّ السعر الرسمي المعتمد كلاميًا، على 1508 ليرات.
وقد رفض المصرف المذكور أن يقبض القسط المتوجّب له بالليرة اللبنانية وبقي مصرًّا على موقفه على مدى ثلاثة أقساط أخرى، مفضّلًا دفعها بالدولار الأميركي الذي صار تداوله شحيحًا مع استمرار ارتفاع سعره إزاء الليرة، ثمّ رتّب من دون وجه حقّ قانوني، فوائد إضافية و”غرامات تأخير” على أقساط رفض أن يقبضها من المدين الذي اضطرّ في نهاية المطاف، وإزاء تعنّت المصرف، إلى التوجّه إلى الكاتب بالعدل وإيداع كامل قيمة الأقساط المالية لديه، واللجوء إلى القضاء باستحضار يطالب فيه بإثبات حقّه القانوني في ما فعله وبعدم مشروعية تصرّف المصرف المذكور.
وأكّدت القاضي الحسن في معرض تعليلها لحكمها، أحقّية المدين في تسديد كامل المبلغ المتبقي من القرض لمصلحة المصرف قبل أن تحين مواقيت الدفع طالما أنّ العقد لا يتضمّن بندًا مغايرًا لآلية الدفع المتفق عليها، وقد جرت العادة في الكثير من هذه المعاملات المالية أن يبادر المدين إلى تسديد كامل المبلغ المتوجّب عليه قبل الوصول إلى الأجل المحدّد، وكانت المصارف تبدي سعادتها المطلقة بهذا التصرّف النبيل من المواطنين خصوصًا وأنّها أخذت مسبقًا الفوائد التي وضعتها على القيمة الفعلية لأساس القرض.
كما أكّدت القاضي الحسن عدم أحقّية المصرف الدائن في رفض قبول عملية تسديد كامل المبلغ بحسب سعر الصرف الرسمي المحدّد من البورصة العاملة لدى مصرف لبنان والذي يساوي 1508 ليرات، لأنّ هذا السعر “ليس سعرًا إتفاقيًا بين الفريقين، أو سعرًا محدّدًا مزاجيًا من قبل أحد فريقي العقد”، فضلًا عن أنّ المادة 301 من قانون الموجبات والعقود تنصّ بشكل صريح لا لبس فيه على وجوب الإيفاء بالعملة الوطنية، وأنّ الدفع بالعملة الأجنبية هو أمر جوازي وليس أساسيًا، كما أنّ الإتفاق على “الإيفاء بالعملة الأجنبية لا يقصي إمكانية الإيفاء بالليرة اللبنانية كقاعدة أساسية”.
وبطبيعة الحال، خصلت القاضي الحسن إلى إعلان صحّة معاملة العرض والإيداع المنظّمة من المدين لمصلحة المصرف الدائن لدى الكاتب العدل ومن دون أيّة إضافات مالية تثقل كاهله.
“محكمة” تتفرّد بنشر تفاصيل حكم القاضي هانيا الحسن والذي يصبّ في خانة انتصار القضاء للمواطن ورفض هيمنة المصارف واستئثارها، وذلك ضمن القواعد القانونية المرعية الإجراء:
باسم الشعب اللبناني
إنّ القاضي المنفرد المدني في طرابلس الناظر في الدعاوى المالية والتجارية،
لدى التدقيق،
تبيّن أنّه بتاريخ 2020/9/2، تقدّم الياس جميل العلماوي، بوكالة المحامي شيبان الخوري، باستحضار دوّن في قلم المحكمة برقم أساس(2020/1413) بوجه المدّعى عليه فرنسبنك ش.م.ل.، وطلب في ختام الإستحضار:
1- قبول الدعوى شكلًا، لاستيفائها شروط المادة (824) محاكمات مدنية،
2- ثبوت صحّة العرض الفعلي والإيداع من المبلغ المستحقّ البالغ /60، 24617/ دولارًا أميركيًا، وبالتالي إعلان براءة ذمّته تجاه المصرف المدّعى عليه، من كامل رصيد الدين الوارد في العقد، سندًا للمادة (301) موجبات وعقود، والمادتين (7) و (192) من قانون النقد والتسليف، وإنشاء المصرف المركزي، على أن يعيد المصرف المدّعى عليه فائض الإيداع لو تبيّن من المحاسبة أنّ المبلغ المستحقّ هو أقلّ من قيمة الإيداع،
3 إلزام المدّعى عليه بالرسوم والنفقات القانونية، المتأتية عن معاملة العرض الفعلي والإيداع،
وعرض المدّعي أنّه بتاريخ 2019/6/25، وقّع المدّعي مع المدّعى عليه عقد قرض سقفه /35000/ دولار أميركي، على أن يعيده على أقساط شهرية، بحسب الجدولة الواردة من قبل المصرف، وأنّه ثابر على تسديد الأقساط المتوجّبة وأنّ أخر تسديد كان ما يعادل قيمة السند بالعملة الوطنية، بحسب السعر الرسمي، وآخرها كان في 2020/5/23، بقيمة /1750000/ ليرة لبنانية، وحضر المدّعي إلى المصرف وعرض تسديد كامل الرصيد المتبقي من القرض، بما يوازيه بالعملة الوطنية، بحسب السعر الرسمي، الصادر عن المصرف المركزي، فرفض المصرف ذلك، ومن ثمّ توقّف المدّعي عن تسديد السند المستحقّ بتاريخ 2020/6/30، وحصل على إفادة من المصرف بقيمة المبالغ المتوجّبة المتبقّية بلغ مجموعها /60، 24517/ دولارًا أميركيًا، يسدّد بموجب أقساط شهرية قيمة كلّ منها / 1151/ دولارًا أميركيًا لغاية 2022/6/30،
وبعد أن أبلغه أحد موظّفي المصرف أنّ قيمة الرصيد المتبقي هو /26473/ دولارًا أميركيًا، وليس / 60، 24617/ دولارًا أميركيًا بسبب فرض نسبة إضافية كغرامات، ورغم عدم إعترافه بالغرامات، إلاّ أنّه أودع المبلغ المذكور لدى الكاتب العدل في طرابلس الأستاذ أحمد خانجي، بموجب معاملة عرض وإيداع برقم(2020/5742) تاريخ 2020/7/28، تبلّغها بتاريخ 2020/7/29، وشرح على محضر التبليغ رفضه لها. وأنّه بتاريخ 2020/8/31 أبلغ رفض المصرف الدائن معاملة العرض والإيداع،
وأدلى المدّعي في القانون أنّه يقتضي قبول الدعوى في الشكل، سندًا للمادة (824) محاكمات مدنية، إذ إنّه أبلغ رفض المصرف لمعاملة العرض والإيداع بتاريخ 2020/8/31، فتكون الدعوى الراهنة واردة ضمن المهلة القانونية، عدا عن استيفائها للشروط الشكلية كافة، وأنّه يقتضي إصدار القرار بصحّة معاملة العرض والإيداع، وفقًا للمادة (823) محاكمات مدنية، وبالتالي إعلان براءة ذمّته سندًا للمادة (301) موجبات وعقود، والتي أوجبت الإيفاء بعملة البلاد، وأنّ المصرف المدّعى عليه قَبِل بالفعل إستيفاء قيمة أربع سندات بالعملة الوطنية، وهي السندات المستحقّة بالتواريخ التالية: 2020/2/24، 2020/3/26، 2020/4/23، 2020/5/22، وأنّه وفق المادة (192) من قانون النقد والتسليف وإنشاء المصرف المركزي، يعاقب من يمتنع عن قبول العملة اللبنانية، وأنّ المادة السابعة من القانون عينه أعطت للأوراق النقدية التي تساوي قيمتها خمسماية ليرة لبنانية وما فوق قوّة إبرائية غير محدودة على أراضي الجمهورية اللبنانية، وأنّ هذه المواد تتعلّق بالإنتظام العام المالي للبلاد، ولا يمكن فرض الدفع بالعملة الأجنبية، ولا يمكن رفض الإيفاء بالعملة الوطنية، وإنّ تدهور قيمة العملة الوطنية لا يغيّر من النتيجة بشيء إذ إنّ مبدأ الإسمية النقدية يفترض محافظة الوحدة النقدية على نفس القيمة الإبرائية، وإنّ المبدأ العام الذي يرعى الموجبات بدَين نقدي لا يلتفت إلى عملة الدَين بحيث تطبّق نفس المبادىء دون تمييز بين العملة الوطنية والعملات الأجنبية،
وتبيّن أنّه في الجلسة المنعقدة بتاريخ 2020/12/15، تقرّر محاكمة المدّعى عليه وكرّر المدّعي أقواله وطلباته السابقة، واختتمت المحاكمة أصولًا،
بناء عليه
1- في الشكل:
حيث إنّه بالتدقيق في المستندات المبرزة في الدعوى الحاضرة، يتبيّن أنّ الدعوى الحاضرة تهدف إلى إعلان صحّة معاملة العرض الفعلي والإيداع المجراة من قبل المدّعي، والتي رفضها المدّعى عليه، الفريق الدائن،
وحيث إنّ المدّعى أبلغ رفض الجهة الدائنة، أيّ الجهة المدّعى عليها، بتاريخ 2020/8/31، وإنّ الدعوى الراهنة وردت إلى قلم هذه المحكمة بتاريخ 2020/9/2،
وحيث إنّ الدعوى الراهنة قدّمت ضمن المهلة القانونية المنصوص عليها في المادة (824) من قانون أصول المحاكمات المدنية، وجاء الإستحضار مستوفيًا شروطه الشكلية كافة، فيقتضي قبول الدعوى في الشكل،
2- في الأساس:
حيث إنّ المدّعي يهدف من خلال الدعوى الحاضرة إلى إعلان ثبوت صحّة العرض الفعلي والإيداع، بمبلغ / 39921284/ ليرة لبنانية، الموازي لمبلغ /26473/ دولارًا أميركيًا، حسب سعر الصرف البالغ /1508/ ليرة لبنانية للدولار الأميركي الواحد، والمنظّم بموجب معاملة مسجّلة لدى الكاتب العدل في طرابلس الأستاذ أحمد خانجي، بالرقم(2020/5742) تاريخ 2020/7/28، وإلى إعلان براءة ذمّته من مجمل رصيد الدَين الوارد في العقد،
وحيث إنّ المدّعى عليه أبلغ أصولًا إستحضار الدعوى الراهنة، وأبلغ موعد جلسات المحاكمة الراهنة، ودون أن يمثل أصولًا في المحاكمة أو أن يبدي أيّ جواب في الدعوى، فيمكن بالتالي إجابة طلبات الجهة المدّعية إذا كانت قانونية في الشكل وجائزة القبول ومبنية على أساس صحيح، سندًا للمادة (468) من قانون أصول المحاكمات المدنية،
وحيث إنّه باستعراض الوقائع المبرزة أمام المحكمة، وبالتدقيق في المستندات المبرزة في سياق المحاكمة الراهنة، يتبيّن أنّه من الثابت أن المدّعي حرّر لدى الكاتب العدل في طرابلس الأستاذ أحمد خانجي، معاملة عرض فعلي وإيداع، بالرقم(2020/5742) تاريخ 2020/7/28، موجّه إلى مصرف فرنسبنك، أيّ الجهة المدّعى عليها بموجب الدعوى الحاضرة، وأنّ معاملة العرض الفعلي والإيداع تضمّنت تسديد الدَين المتوجّب بذمّة المدّعي، لصالح المدّعى عليه، والناتج عن عقد القرض رقم (1410025612100) بقيمة /35000/ دولار أميركي، وأنّ المدّعي سدّد قيمة ثلاثة وعشرين قسطًا شهريًا بقيمة /26473/ دولارًا أميركيًا، إستنادًا إلى سعر الصرف المحدّد من مصرف لبنان، بقيمة /1508/ ليرة لبنانية للدولار الأميركي الواحد، (نسخة من معاملة العرض الفعلي والإيداع مرفقة باستحضار الدعوى)،
وحيث إنّه بمراجعة أوراق الدعوى الراهنة كافة، يتبيّن أنّه من الثابت أنّ المدّعي أبرم مع المصرف المدّعى عليه بتاريخ 2019/6/25، عقد قرض هو “قرض لأجل متوسّط”، بحدّ أقصى يمكن للمقترض أن يكون مدينًا به في حال استعماله بلغ خمسة وثلاثين ألف دولار أميركي، وتمّ الإتفاق بين الفريقين على معدّل فائدة سنوية للقرض بقيمة 14، 11%، وعلى تسديد قيمة القرض بموجب أقساط شهرية محدّدة وفق جدول مرفق بالعقد ويعدّ جزءًا لا يتجزأ منه، على أن يبدأ استحقاق القسط الأوّل في 2019/7/31، ويستحقّ القسط الأخير بتاريخ 2022/6/30،
وحيث إنّه بالتدقيق في مندرجات عقد القرض المبرم بين الفريقين، والمرفقة نسخة منه باستحضار الدعوى الراهنة، يتبيّن أنّ الفريقين إتفقا على أن يستعمل القرض بكامله ضمن مهلة أسبوع من تاريخ توقيع العقد، (المادة رقم 2 من العقد)، كما اتفقا في المادة (4) من العقد أن يتمّ تسديد القرض على أقساط محدّدة، وفقًا لجدول الأقساط المرفق بالعقد، والذي يعدّ جزءًا لا يتجزأ من العقد،
وحيث إنّه بمراجعة أوراق الدعوى الراهنة، يتبيّن أنّ المدّعي وقّع العقد مع المصرف المدّعى عليه بتاريخ 2019/6/25، وأنّ الأقساط المستحقّة بذمّته، إنفاذًا للعقد المبرم بين الفريقين، سدّد جزء منها بالعملة الوطنية، وتحديدًا وفق ما أدلى به المدّعي أنّ الأقساط الأربعة المسدّدة من قبله في 2020/2/24/ 2020/3/26، 2020/4/23، 2020/5/22، سدّدها بالعملة الوطنية وفق سعر الصرف الرسمي للدولار الأميركي، بتاريخ تسديد القسط، وبموافقة المصرف الدائن،
وحيث إنّ المادة (166) من قانون الموجبات والعقود تنصّ على أنّ”قانون العقود خاضع لمبدأ حرّية التعاقد وللأفراد أن يرتّبوا علاقاتهم القانونية كما يشاؤون بشرط أن يراعوا النظام العام والآداب العامة والأحكام القانونية التي لها صفة إلزامية”، كما أنّ المادة (221) من قانون الموجبات والعقود تنصّ على أنّ”العقود المنشأة على الوجه القانوني تلزم المتعاقدين. ويجب أن تفهم وتفسّر وتنفّذ وفاقًا لحسن النيّة والإنصاف والعرف”،
وحيث إنّه بالعودة إلى الوقائع المعروضة أمام هذه المحكمة، وبالتدقيق في الأوراق المبرزة في سياق المحاكمة الراهنة، يتبيّن أنّ الفريقين كرّسا في العقد المبرم بينهما، خضوع العقد لأحكام القانون النافذة، إذ إنّ المادة (1) من العقد المبرم على أن”يمنح المقرض للمقترض لحاجاته التجارية قرضًا يستعمل بالحساب وفقًا لهذا العقد ولأحكام القانون غير المخالفة”،
وحيث إنّه يستنتج من ماهية القضيّة المعروضة أمام هذه المحكمة ومن مندرجات العقد المبرم، أنّ العقد نظّم لحاجات المدّعي التجارية، حدّد المصرف الدائن بموجبه مبلغًا ماليًا يستعمله المدّعي حسب مقتضيات تجارته، إنّما استهلك بكامله بحدّه الأقصى البالغ خمسة وثلاثين ألف دولار أميركي، ضمن أسبوع من تاريخ إبرامه، أيّ بعد أسبوع من تاريخ توقيعه في 2019/6/25، وذلك وفق ما اشترط عليه المصرف الدائن المدّعى عليه، ويكون المدّعي قد استهلك قيمة القرض بحدّه الأقصى قبل نشوء الأزمة التقدية وتأرجح سعر صرف الدولار الأميركي في سوق موازية للسوق الرسمية،
وحيث إنّه باستهلاك المدّعي المدين للقرض بكامله، يصبح المدّعي المدين بالمبلغ ملزمًا بردّ أصل قيمة القرض مع فوائده في الوقت المحدّد، حسب العقد المبرم بين الفريقين، كما يمكن للمدين أن يردّه قبل حلول أجَل القسط الأخير منه، ما لم يكن هذا الردّ مضرًّا بمصلحة الدائن، وفق المادة (762) من قانون الموجبات والعقود،
وحيث إنّ المدّعي المدين للمصرف المدّعى عليه، دأب على تسديد الأقساط المتوجّبة بذمّته في آجالها المحدّدة، وإنّ جزءًا من الأقساط سدّد بالفعل بالليرة اللبنانية، محسوبة على سعر الصرف الرسمي للدولار الأميركي بتاريخ التسديد الفعلي، وفق ما ورد في استحضار الدعوى، وبعد أن يجري المصرف الدائن عملية احتساب قيمة القسط المتوجّب على أساس سعر الصرف الرسمي، المحدّد من قبل المصرف المركزي اللبناني، أيّ مصرف لبنان،
وحيث إنّ النزاع الراهن نشأ بين الفريقين لدى تمنّع المصرف الدائن عن قبض قيمة القسط المستحقّ في 2020/6/30، كما جرت العادة والأعراف المتّبعة بين الفريقين، على أثر الأزمة النقدية التي نشبت بالبلاد، والتي تمثّلت بمظاهر نقدية مستجدّة منها شحّ عملة الدولار الأميركي لدى محلّات الصيرفة المعتمدة قانونًا في البلاد، وبروز سوق موازية للدولار الأميركي، يتأرجح فيها سعر الصرف للدولار الأميركي، بشكل يفوق سعر الصرف الرسمي المحدّد من قبل مصرف لبنان،
وحيث إنّه بالنسبة للقضية الحاضرة، فإنّ المصرف المدّعى عليه وافق على قبض قيمة بعض الأقساط الشهرية بالعملة اللبنانية، حتّى بعد بروز بعض مظاهر الأزمة النقدية، أيّ خلال عام 2020، وإنّ المدّعي، حسن النيّة، والذي دأب على تسديد الأقساط المتوجّبة بذمّته، عمد إلى إجراء معاملة العرض الفعلي والإيداع موضوع الدعوى الراهنة، على أثر تمنّع المصرف المدّعى عليه الدائن بقبض قيمة القسط المتوجّب في 30/6/2020، بالليرة اللبناينة بعد احتساب قيمة القسط المحدّدة بالدولار الأميركي، على أساس سعر الصرف الرسمي، أيّ أنّ المصرف المدّعى عليه تمنّع عن قبض قيمة القسط وفق ما جرت العادة المتّبعة بين الفريقين، ومع زبائن عدّة، ووفق الأعراف المصرفية المتّبعة في لبنان،
وحيث إنّ المدّعي المدين، له الحقّ في تسديد القرض بكامله قبل حلول أجله، ولا يمكن للدائن منعه من ذلك، طالما لا يوجد في العقد أيّ بند مخالف للتسديد السابق لأجَل انقضاء العقد، في العقد المبرم بين الفريقين، وهو الأمر المنتفي في القضيّة الحاضرة،
وحيث إنّ المدّعي استحصل من المصرف الدائن على إفادة بالدَين المتبقّي بذمّته، والبالغ /24617/ دولارًا أميركيًا، وفق ما تثبته الإفادة المبرزة الصادرة عن المصرف المدّعى عليه بتاريخ 2020/7/16، والمرفقة باستحضار الدعوى، وبعد علمه بأنّ المصرف احتسب بعض الغرامات، رفعت من قيمة الدَين إلى مبلغ /26473/ دولارًا أميركيًا، وأنّه عمد بالفعل إلى إجراء معاملة عرض فعلي وإيداع بالدَين المتبقي بذمّته لصالح المصرف الدائن، أي المدّعى عليه، وذلك بموجب معاملة عرض فعلي وإيداع، منظّمة لدى الكاتب العدل في طرابلس، الأستاذ أحمد خانجي، بالرقم(2020/5742) تاريخ 2020/7/28، بقيمة الدَين البالغ /26473/ دولارًا أميركيًا، أو ما يوازي مبلغ /39921284/ ليرة لبنانية، محسوبًا على سعر الصرف الرسمي للدولار الأميركي، أيّ/1508/ ليرة لبنانية للدولار الأميركي الواحد، وهو السعر المحدّد رسميًا من قبل البورصة العاملة لدى مصرف لبنان، وليس سعرًا إتفاقيًا بين الفريقين، أو سعرًا محدّدًا مزاجيًا من قبل أحد فريقي العقد،
وحيث إنّه بالإطلاع على محضر تبيلغ العرض الفعلي والإيداع، يتبيّن أنّ المدّعى عليه رفض معاملة العرض الفعلي والإيداع، المجراة من قبل المدّعي، موضوع القضيّة الحاضرة، وفي الرفض هذا ما يشير إلى إلزام المدّعي بتسديد الأقساط المتوجّبة بالدولار الأميركي، حصرًا، دون إمكانية تسديده بالليرة اللبنانية،
وحيث إنّ المادة (301) من قانون الموجبات والعقود تنصّ على “عندما يكون الدَين مبلغًا من النقود يجب إيفاؤه من عملة البلاد وفي الزمن العادي، حين لا يكون التعامل إجباريًا بعملة الورق يظلّ المتعاقدون أحرارًا في اشتراط الإيفاء نقودًا معدنية أو عملة أجنبية”، ويستفاد من عبارات المادة المذكورة أنّ القاعدة الأساسية هي الإيفاء بعملة البلاد، إنّما يمكن أن يتمّ الإيفاء بعملة أجنبية على أساس جوازي، وإنّ الإتفاق على الإيفاء بالعملة الأجنبية لا يقصي إمكانية الإيفاء بالليرة اللبنانية كقاعدة أساسية،
وحيث إنّ هذا المفهوم للمادة (301) من قانون الموجبات والعقود ينسجم مع ما نصّت عليه المادة (7) من قانون النقد والتسليف، الصادر عام 1963، إذ نصّت المادة المذكورة، على أنّه للأوراق النقدية التي تساوي قيمتها الخمسماية ليرة لبنانية وما فوق قوّة إبرائية غير محدودة في أراضي الجمهورية اللبنانية،
وحيث إنّه في القضيّة الحاضرة فلا ينصّ العقد المبرم على أيّ شرط واضح وصريح على شرط الإيفاء حصرًا بالدولار الأميركي، فضلًا عن أنّه جرت العادة بالفعل أن يوفي المدّعي الأقساط المحدّدة قيمتها بالدولار الأميركي، إنّما عملة الإيفاء بالليرة اللبنانية، بعد احتساب قيمة كلّ قسط شهري على سعر الصرف الرسمي للدولار الأميركي، وذلك بما يتفق مع الأعراف المصرفية، ووفق ما كان أصدره المصرف المركزي من تعاميم إلى المصارف التجارية، إنطلاقًا من وظائفه المحدّدة في قانون النقد والتنسليف، ومنها ثبات القطع، والتأثير على السيولة المصرفية وتحديد حجم التسليف من أنواع معيّنة أو الممنوحة لأغراض معيّنة، وتنظيم شروط التسليف، ومراقبة كيفية الإستفادة من القروض التي تمنحها المصارف،
وحيث إنّ المحكمة تستخلص من المواد القانونية المذكورة، ومن وقائع القضيّة برمّتها على أنّ المدّعي بإبرائه ذمّته من الدَين المتوجّب لصالح الدائن المصرف المدّعى عليه، لم يخالف أحكام العقد عينه، والذي ينبغي تفسيره بما يتفق مع النظام المالي المتّبع في البلاد، ووفق مبادىء حسن النيّة والعرف والإنصاف، فيكون قد تقيّد بمضمون العقد لناحية إيفاء قيمة الدَين، إنّما بالعملة الوطنية التي تعتمدها الأعراف المصرفية، ومحسوبة القيمة على أساس سعر الصرف الرسمي للدولار الأميركي، وفق الأنظمة المالية المتّبعة في البلاد،
وحيث إنّه على ضوء التعليل السابق بيانه، يغدو رفض المصرف المدّعى عليه للعرض الفعلي والإيداع المجرى من قبل المدين المدّعي، واقعًا في غير محلّه القانوني، ويقتضي بالتالي إصدار القرار بإثبات صحّة معاملة العرض الفعلي والإيداع، المنظّم من قبل المدّعي لدى الكاتب العدل في طرابلس الأستاذ أحمد خانجي، بالرقم(2020/5742)، تاريخ 2020/7/28، وإعلان براءة ذمّة المدّعي الياس جميل العلماوي من الدَين موضوع المعاملة المذكورة، لصالح الدائن مصرف فرنسبنك ش.م.ل.،
وحيث إنّ المدّعي يعدّ بريء الذمّة تجاه دائنه المصرف المدّعى عليه، وذلك منذ تاريخ العرض الفعلي والإيداع، أيّ منذ تاريخ 2020/8/31، وذلك سندًا للمادة (825) من قانون أصول المحاكمات المدنية، ويتوقّف سريان كلّ الفوائد الناتجة عن القرض منذ التاريخ المذكور،
وحيث إنّه بالنسبة للطلب المتعلّق بإعادة الفائض من الدَين، بعد احتساب قيمة الدَين الحقيقي مع فوائده، فإنّه وفق المادة (766) من قانون الموجبات والعقود، فإنّ المقترض الذي يدفع من تلقاء نفسه فوائد غير منصوص عليها أو زائدة عن الفوائد المشترطة فلا يحقّ له استردادها ولا حسمها من رأس المال، ويغدو الطلب لهذه الناحية مستوجب الردّ،
وحيث إنّه بالنسبة للطلب المتعلّق بإلزام المدّعى عليه بتسديد نفقات معاملة العرض الفعلي والإيداع، فإنّ المدّعي لم يبرز أيّ مستند يثبت ما سدّده من رسوم ونفقات لدى دائرة الكاتب العدل، ويغدو الطلب مستوجب الردّ لعدم الثبوت،
وحيث إنّه بعد النتيجة التي توصّلت إليها المحكمة، يقتضي ردّ سائر الأسباب والطلبات المثارة الزائدة أو المخالفة إمّا لعدم الجدوى أو لعدم القانونية أو كونها لقيت الردّ الضمني،
لذلك
يحكم:
1- بقبول الدعوى شكلًا،
2- بقبول الدعوى في الأساس، وبإعلان صحّة معاملة العرض والإيداع المنظّمة من قبل المدّعي الياس العلماوي لدى الكاتب العدل في طرابلس الأستاذ أحمد خانجي، بالرقم(2020/5742)، تاريخ 2020/7/28، بقيمة إجمالية تبلغ/ 39921284/ ليرة لبنانية،
3- بردّ الطلب المتعلّق بنفقات معاملة العرض الفعلي والإيداع، وذلك للأسباب المبيّنة في متن هذا الحكم،
4- بردّ الأسباب والطلبات الزائدة أو المخالفة،
5- بتضمين المدّعى عليه فرنسبنك ش.م.ل. الرسوم والنفقات العائدة للمحاكمة،
حكمًا صدر وأفهم علنًا في طرابلس بتاريخ 2021/3/30.
“محكمة” – الخميس في 2021/4/15
*حفاظاً على حقوق الملكية الفكرية، يمنع منعاً باتاً على أيّ شخص، طبيعيًا كان أم معنويًا وخصوصًا الإعلامية منها، نسخ أكثر من 20% من مضمون الخبر، مع وجوب ذكر إسم موقع “محكمة” الإلكتروني، وإرفاقه بالرابط التشعّبي للخبر(Hyperlink)، كما يمنع نشر وتبادل أيّ خبر بطريقة الـ”screenshot” ما لم يرفق باسم “محكمة” والإشارة إليها كمصدر، وذلك تحت طائلة الملاحقة القانونية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!