طرائف وأشعار

القضاة والمحامون.. مواقف وطرائف: يوم انتفض القاضي/ناضر كسبار

المحامي ناضر كسبار:
يروي القاضي جورج باسيل انه عرضت عليه قضية يوم كان قاضياً للامور المستعجلة في المتن مفادها ان شخصاً يدعي محمد قد احتل مأجوراً في قضاء المتن، وذلك اثناء الحرب اللبنانية. وكان المحامي وكيل المدعي مسؤولاً حزبياً معروفاً.
فأطلع الرئيس باسيل على الملف فوجد ان هناك سند ايجار، وكان المدعى عليه يقف امامه ويبدو عليه الخوف الشديد، ولم يقل أي كلمة. فسأله الرئيس باسيل قائلا: هل سند الايجار صحيح؟
فأومأ المدعى عليه بالايجاب. الا انه لم يتكلم لشدة الخوف.
فصرخ الرئيس باسيل:
– معقول محمد يحتل شقة في المنطقة الشرقية؟
وارجأ الدعوى للحكم الى اليوم التالي وقضى بردها.
* * *
بين القاضي والمحامي
بناء على طلبي كتب المحامي الياس كسبار ما يأتي:
أثناء المرافعة، طلب أحد المحامين الفرنسيين إعلان براءة موكّله لأنهّ في الثانية والستين من عمره وبات فاقدًا العقلية الكاملة.
فانتفض رئيس المحكمة مقاطعًا:
– هذه ليست حجّة يا أستاذ. أنا في الثالثة والستين، فهل تراني فاقدًا قوّتي العقلية؟
فبادره المحامي:
– الفرق بينكما سيّدي الرئيس هو أنّ موكّلي عمل جاهدًا طوال سني عمره.
* * *
“التخطيط” للدفاع المشروع عن النفس
ويضيف المحامي كسبار:
في سنة 1989، اقدمت صبية فرنسية عمرها 17 سنة على قتل والدها لانه كان “نازي” الطبع والتصرف، وكان يضربها ويسيء معاملتها بشكل غير معقول او مقبول. وعملية القتل حصلت عند الساعة الثامنة صباحاً وكان الوالد يغط في نوم عميق عندما دخلت الابنة الى غرفة والدها وبيدها مسدسه واطلقت عليه النار واردته على الفور.
بتكليف من المحكمة، تولت احدى المحاميات الناشئات الدفاع عن الابنة، وبعد دراسة الملف وظروف القضية، لم تجد امامها سوى طلب البراءة لموكلتها مدلية بأن القتل حصل دفاعاً عن النفس، الامر الذي رفضه النائب العام قائلاً: ان الجريمة حصلت اثناء نوم المغدور فلم يكن من خطر محدق على القاتلة دفعها الى القتل.
هنا، وبجرأة نادرة، طلبت المحامية الناشئة تفسير المادة 328 من قانون العقوبات الفرنسي على قاعدة ان عبارة “الضرورة الحالية” necessité actuell” لا تعني لحظة معينة، بل قد تمتد في الزمن، بمعنى انه “يمكن التحضير لقتل شخص دفاعاً عن النفس”.
On peut planifier de tuer quelqu’un par ligitime defense…
وطرحت المحامية الوكيلة على المحلفين سؤالاً طلبت منهم الاجابة عليه:”هل يمكن ان تستمر الظروف والاحوال التي كانت تعيش فيها الابنة؟” وبمعنى آخر، الم يكن يحق لها التخطيط لقتل والدها…؟
وجاء جواب هيئة المحلفين قاطعاً: لا يمكن لهذه الحالة ان تستمر.
وصدر قرار بإعلان براءة الابنة…هذه المحامية الناشئة إسمها:
“Blandine Lejeune” …دعونا نحفظ هذا الاسم.
* * *
الليلة الـ Final
يروي المحامي ميشال عيد ان احدهم ذهب الى عيادة احد الاطباء وقال له انه لا يستطيع النوم طوال الليل لانه يبصر في نومه “بأن الجراذين تلعب الفوتبول”. فاستغرب الطبيب وقال له ان هذا الامر مش معقول، ولا يجب ابدا ان يستمر، ووصف له دواء فعالاً قائلاً له:
– خذ هذا الدواء والليلة سوف تنام نوماً هنيئاً..لا جراذين ولا فوتبول..ولا من يحزنون.
ففرح المريض وشكر الطبيب ومشى قليلاً ثم عاد الى الوراء وسأل الطبيب قائلاً:
– دكتور… هل استطيع تناول الدواء غداً وليس اليوم؟
فاستغرب الطبيب وسأله عن السبب.
فأجابه
– لان الليلة الـFinal (النهائي)
* * *
خليلي هالدعوى تايجي ريسنا
في كتابه قبل ان ننسى، يروي القاضي المرحوم اميل ابو سمرا الطرفة الآتية:
اثناء ولايتي القضاء في عاليه ذهبت الى اوروبا بإجازة فانتدبت وزارة العدل مكاني زميلي السابق الاستاذ جورج ساروفيم محافظ البقاع حالياً وهو معروف بعلمه وبلباقته وبحديثه العذب. واتفق ان مثل امامه صاحب الدعوى وكان ساذجاً لا عهد له بالرئيس ساروفيم.
فأخذ الرئيس يكثر الشرح ويطيل ويتكلم بالقانون كلاماً لم يفهمه صاحب الدعوى فقال للرئيس وقد كاد يصاب بالدوار:
بترجاك يا سيدي خليلي هالدعوى تايجي ريسنا.
فانتهره الرئيس ساروفيم قائلاً: ولاه! شو انا بزيت؟ فضحك الجميع لهذه النكتة الطريفة. وساق الدرك امامي في عاليه لصاً قبض عليه يسرق بالجرم المشهود فبعد سؤال عن اسمه وهويته الخ…واعترافه بما نسب اليه، قلت: هل كنت وحدك ام كان معك شريك؟
فهزّ رأسه قائلاً: طول عمرك يا سيدي وين بتلاقي بهالايام شخص امين وادمى بتقدر تحط ايدك بايدو…
تأمين غرفة
يقول المحامي مطانيوس عيد انه قرر تسجيل زوجته الاستاذة تريز على اسمه وفي مكتبه عندما سأله عضو مجلس النقابة يومها النقيب المرحوم ميشال ليان الذي كان مسؤولاً عن الجدول العام عما اذا كان قد أمّن لها غرفة لأنّ قرار مجلس النقابة كما هو معلوم يفرض تخصيص غرفة لكل محام فأجابه عيد مداعباً:
– يا قطيعة…تزوجنا وما همنا ان كان عنا غرفة. صار التدرج اهم من الزواج.
* * *
واذا همدر؟
يخبر المحامي البروفسور فايز الحاج شاهين عميد كلية حقوق اليسوعية سابقاً انه كان يشرح لطلاب جامعة القديس يوسف في زحلة مبدأ الدخول في المحادثات بين الاطراف لانشاء العقد في القانون المدني وانه قال:
– ان الذي توجه اليه الدعوة للدخول في المحادثات يستطيع ان يقبل بقوله نعم او يرفض بقوله لا او يقول نعم ولكن او يسكت ولا يجيب.
فوقف احد الطلاب الزحلاويين وسأله قائلاً:
– واذا همدر؟
* * *
ادمون كسبار وبترو طراد
روى النقيب ادمون كسبار للصحافي الاستاذ وليد عوض انه حضر كمحام متدرج احدى مرافعات الرئيس المحامي بترو طراد في العشرينات فنسى ما حوله وذاب في كلمات الرجل. ولما انتهى الرئيس طراد من مرافعته وخرج تجاه شجرة قصر العدل الشهيرة انطلق نحوه الشيخ ادمون وقال له:”كل ما ارجوه يا سيدي هو أن أصبح في يوم من الايام محامياً مثلك” فربت بترو طراد على كتف المحامي الشاب المتدرج وقال له:
– كل ما ارجوه لك ان تصبح محامياً افضل مني.
* * *
سأكون بينكم بودادي
قبل وفاته بشهرين القى معالي النقيب الشيخ ادمون كسبار محاضرة في نقابة المحامين في بيروت بعنوان “الكتاب المضمون وقطع مرور الزمن” جاء في مقدمتها:”علينا ان نربط دائماً بين الامس واليوم والغد. فكما حاضرت في الماضي احاضر بينكم اليوم. واتطلع بشوق كبير الى اليوم الذي سيحاضر فيه كل منكم. فاذا فاتني ان اشهد ذلك اليوم فثقوا بأنني سأكون بينكم بودادي ودعائي…”
وانهمرت دموعه وانخفض صوته. ولكنه كعادته تجاوز الغصة والعاطفة وأكمل المحاضرة.
* * *
لن يخسر حسنة قداس لخلاصها
على اثر وفاة الوزير السابق النقيب ادمون كسبار كتب عضو المجلس الدستوري المحامي اميل بجاني الذي كان قد تدرج في مكتبه مقالة ومما جاء فيها:
“…قال له مرة احد القضاة: قرأنا لوائح خصمك فلم نفهم، قرأنا لوئحك ففهمنا ما يقول. واذا اتاه من يقص عليه وقائع قضية فكثيراً ما يقاطعه ليتابع هو عن محدثه وقائع القضية لان ما سمعه كان كافيا لجعله يحزر الباقي ويتنبأ بالخاتمة. ذلك ان الوقت في ازدحام مشاغله وزحمة انشغاله ثمين جدّاً، وان ضياعه هو ضياع للحياة والثروة وانتاج العمر فضلاً عن ان اللحاجة كانت عنده من فرط الذكاء ويقظة الخاطر وسرعة البادرة تحضره النكتة اذا شاء يستلذ سماعها ويتقنها جارحة غير قاتلة كانت او لابسة ثوب الظرف والمداعبة. فذات يوم قرأ نبأ وفاة اسقف يعرف بخله فعلق ضاحكاً:” حتى اذا خسر نفسه فلن يخسر حسنة قداس لخلاصها.”
* * *
الاوادم بيروحو بكير
اثناء زيارتنا للمحامي الكبير سامي ابو جودة، والذي يتحلّى بروح النكتة، وبعد عرض أسماء عدّة شخصيات ماتوا في عزّ شبابهم قال:
– الأوادم بيروحو بكير.
ثمّ أردف قائلًا:
– الله يخلّينا بصحتنا.

“محكمة” – السبت في 2019/3/30

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!