مقالات

زلزال المرفأ: للتركيز على أسباب الإنفجار وليس فقط على التقصير/ناضر كسبار

المحامي ناضر كسبار:
بتاريخ الرابع من آب 2020 دوّى انفجار ضخم في مرفأ بيروت، قتل وجرح نصف أهلها ودمّر نصف بيوتها ومكاتبها ومؤسّساتها ومصالحها. وكنت من بين الناس الذين أصيبوا في رأسي ويدي التي أجريت لها عملية لعدّة ساعات ولا تزال في حالة صعبة.
بدأت التحليلات، والحمد لله كلّ مواطن وكلّ إعلامي بات رجل قانون وخبيرًا عسكريًا وأمنيًا واستراتيجيًا. إلاّ أنّه حتّى الساعة لم نعرف من أدخل المواد ولأيّ هدف وماذا حلّ بها، وكم بقي منها، وكيف انفجرت. وبات التركيز على من قصّر في كشفها وفي التخلّص منها ومن خطورتها.
بعد عدّة أيّام من خروجي من المستشفى كتبت مقالة بعنوان: كلّ من علم بالمواد وبمدى خطورتها هو مسؤول.
وعُين المحقّق العدلي القاضي فادي صوّان الذي بدأ تحقيقاته. وبعد جهد تسلّم مكتباً في قصر العدل ومن دون التجهيزات اللوجستية اللازمة المرافقة لخطورة الجريمة ولارتداداتها لبنانيًا ودوليًا. إلاّ أنّ ما لفت نظر المراقبين، على الأقلّ من ظاهر الحال وإعلاميًا، هو التركيز على من قصّر من المسؤولين في معالجة موضوع الأمونيوم، إذ لو تحرّك المسؤولون الذين علموا بوجود تلك المواد، والذين يعلمون مدى خطورتها أو على الأقلّ كان عليهم أن يعلموا خصوصًا وأنّ مستشاريهم – ما شاء الله – بالمئات، اللهم إلاّ إذا كان معظمهم معيّنين لقربهم منهم ومن أحزابهم ومن مناطقهم، لكنا تفادينا هذه الكارثة.
وبالتالي، فإنّ هؤلاء المسؤولين مسؤولون عن نتائج ما حصل، إذ لو تحرّكوا واتخذوا الإجراءات اللازمة، لما كان حصل الإنفجار الزلزال، ولما كان قتل من قتل وأصيب من أصيب، وتضرّر من تضرّر. هذا أمر لا يختلف عليه إثنان.
ولكن،
هل المطلوب من التحقيق التوصّل إلى معرفة من قصّر من المسؤولين السياسيين والعسكريين والأمنيين والإداريين، وكشفهم وملاحقتهم إذا كان بالإمكان ذلك خصوصًا بالنسبة للكبار منهم؟ وهل المطلوب التركيز على هؤلاء المسؤولين وما يلحق ذلك من ارتدادات وجدالات إعلامية وقانونية؟
إنّ كشف المقصّرين وملاحقتهم أمر ضروري وملحّ وواجب. إلاّ أنّ الأمر الأهمّ والأعمق، هو كشف كيفية دخول تلك المواد وسبب تخرينها، ومن استفاد منها ومن كان يمكنه التصرّف بها ولماذا وبأيّ هدف؟ وهل انفجرت بكاملها أم كان قد تمّ سحب قسم منها ومن سحبها وإلى أين؟ ثمّ التحقيق في كيفية الإنفجار إذ حتّى هذه اللحظة لا أحد يعلم كيف تمّ هل من الجوّ أم من البحر، أم من الداخل. وهل هو صدفة أم مقصود؟
وبالتالي، فإنّ معرفة المقصّرين أمر ضروري كمن يقصّر في ترك الباب مفتوحًا، ولكنّ المهمّ هو معرفة ما إذا كان هذا الفعل مقصودًا أم لا. أمّا الأهمّ فهو معرفة من الذي دخل وسرق وقتل..الخ وفي هذه الحالة فإنّ المطلوب من المحقّق العدلي التركيز أكثر على معرفة من أدخل المواد وكيف تمّ تفجيرها ومن احتفظ بها قبل التفجير؟
“محكمة” – الثلاثاء في 2021/1/26

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!