مقالاتميديا

دور الضابطة الإدارية في حماية النظام في ظلّ حكومة تصريف الأعمال/محمّد علي شكر

الدكتور محمّد علي شكر*:
عرّف الفقيه الفرنسي موريس هوريو الضابطة الإدارية بأنّها” كلّ ما يستهدف بها المحافظة على النظام العام في الدولة”، أيّ هي مجموع النشاطات التي يكون موضوعها إصدار قواعد عامة أو تدابير فردية لوقاية وحماية النظام العام في المجتمع من كلّ ما يهدّد استقراره.
فالنظام العام وفقًا للفقيه هوريو هو “حالة واقعية تعارض حالة واقعية أخرى ألا وهي الفوضى”، والمقصود بذلك عدم السماح بوقوع اضطرابات من شأنها أن تهدّد الأمن العام أو السكينة العامة في الدولة.
هذا المفهوم الضيّق للنظام العام عارضه جانب آخر من الفقهاء وفي مقدّمهم جورج بوردو الذي أكّد على أنّ النظام العام لا يجب أن يُنظَر إليه فقط من الجانب المادي، بل ضرورة تضمينه الجانب الأدبي والاقتصادي ليمتدّ إلى كافة صور النشاط الإجتماعي.
وعليه فقد أجمع الفقهاء على عناصر ثلاثة لوظيفة الضابطة الإدارية ألا وهي: الأمن العام، الصحّة العامة والسكينة العامة. لكن مع تطوّر دور الدولة وتدخّلها في العديد من النواحي الإجتماعية والإقتصادية والثقافية…، توسّعت وظيفتها الضبطية لتكون المكلّفة بالحفاظ على الإستقرار داخل المجتمع من نواحي كثيرة وعديدة (آداب عامة- بيئة- حرّية رأي- نظام اقتصادي …..).
ولمّا كانت وظيفة الضابطة الادارية وظيفة حيوية وأساسية، أوكلت إلى مجموعة من الموظّفين العموميين للنهوض بعبء القيام بمهام الحفاظ على النظام العام، من خلال تنظيم أنشطة الأفراد وذلك لاتقاء الإخلال بالنظام العام. ووفقًا للدستور اللبناني الصادر بتاريخ 1990/9/21 أناط صلاحية الضابطة الادارية بمجلس الوزراء، وهو ما نصّت عليه المادة ٦٥ من الدستور بقولها:”تناط السلطة الإجرائية بمجلس الوزراء، ولهذا المجلس وضع السياسة العامة للدولة في جميع المجالات، والسهر على تنفيذ القوانين والإشراف على أعمال كلّ أجهزة الدولة من إدارات ومؤسّسات مدنية وعسكرية وأمنية.”
أمّا على مستوى المناطق، فقد ورد في المرسوم الاشتراعي رقم ١١٦ تاريخ 1959/6/12 المتعلّق بالتنظيم الإداري في لبنان أنّ الضابطة الإدارية يمارسها المحافظ الذي يتمتّع بصلاحيات مهمّة وعديدة نذكر منها على سبيل المثال: السهر على تنفيذ القوانين والأنظمة والتعليمات العامة في المحافظة ويُعتَبَر مسؤولًا عن حسن تطبيقها. لهذه الغاية له أن يتّخذ جميع التدابير التي تؤول إلى تنسيق العمل بين مختلف الدوائر. كما ويتولّى حفظ النظام والأمن وصيانة الحرّية الشخصية وحرمة الملكية الخاصة. وله من أجل ذلك أن يطلب إلى قوى الأمن اتخاذ جميع التدابير التي تقتضيها.
كما وينصّ قانون البلديات في لبنان الصادر بالمرسوم الإشتراعي رقم ١١٨ تاريخ 1977/6/30، على إعطاء رؤوساء البلديات، كلٌّ ضمن نطاق عمله، صلاحيات عامة كالسهر على النظام العام والمحافظة على السلامة العامة والصحّة العامة.
ونظرًا إلى أنّ الحكومة الحالية في لبنان هي حكومة مستقيلة، ولا يمكن لها أن تمارس صلاحياتها إلّا بالمعنى الضيّق لتصريف الأعمال وفقًا لما ورد في المادة ٦٤ من الدستور والمعدّلة بالقانون الدستوري الصادر في 1990/9/21، نجد أنّ الأعمال الإدارية غير التصرّفية هي فقط التي تدخل ضمن صلاحيات حكومة تصريف الأعمال، نذكر منها مهام الضابطة الإدارية والأعمال الإدارية التي يجب إجراؤها في مهلة محدّدة بالقوانين تحت طائلة السقوط والإبطال.
بناءً على كلّ ما تقدّم، نطرح في هذا المجال السؤال التالي: هل أنّ استقالة وإقالة الحكومة تعني إحجام من تعود إليهم صلاحية الضابطة الإدارية في المناطق عن القيام بواجباتهم خاصة في ظلّ ما تشهده البلاد من ظروف إستثنائية صعبة؟ إنّ جوابنا هو التأكيد على ضرورة تفعيل عمل ودور الضابطة الإدارية في نطاق المناطق خاصة في ظلّ الظروف الاستثنائية السائدة في البلاد، لأنّ الوضع غير طبيعي وخارق للأحوال العادية، وبالتالي فمن واجبات أشخاص الضابطة الإدارية القيام بكلّ ما يلزم من أجل الحفاظ على النظام العام والصحّة العامة والسكينة العامة، حتّى لو استدعى الأمر الخروج على قواعد المشروعية العادية، لاستحالة التصرّف بطريقة أخرى، خصوصًا إذا كان الهدف من وراء ذلك الحفاظ على النظام العام وتحقيق المصلحة العامة واحترام كرامة الإنسان. إلّا أنّ التذرّع بالظروف الإستثنائية واتساع سلطات الادارة لا يعني أبدًا تحرّرها من أيّة رقابة، تبقى خاضعة لرقابة القاضي الإداري لجهة التحقّق من توافر الظروف الإستثنائية ومدى استمراريتها وتناسب الإجراء المتخذّ مع الظرف الإستثنائي، وهو ما سار عليه كلّ من مجلس شورى الدولة في لبنان ومجلس الدولة الفرنسي.
*أستاذ محاضر في كلّية الحقوق والعلوم السياسية والإدارية- الجامعة اللينانية.
“محكمة” – الأربعاء في 2021/5/19
*حفاظاً على حقوق الملكية الفكرية، يمنع منعاً باتاً على أيّ شخص، طبيعيًا كان أم معنويًا وخصوصًا الإعلامية منها، نسخ أكثر من 20% من مضمون الخبر، مع وجوب ذكر إسم موقع “محكمة” الإلكتروني، وإرفاقه بالرابط التشعّبي للخبر(Hyperlink)، كما يمنع نشر وتبادل أيّ خبر بطريقة الـ”screenshot” ما لم يرفق باسم “محكمة” والإشارة إليها كمصدر، وذلك تحت طائلة الملاحقة القانونية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!