أبحاث ودراسات

أبرز التعديلات الجديدة على قانون العمل اللبناني/رودينة المهتار

المحامية رودينة المهتار:
بتاريخ 1946/9/23 صدر قانون العمل اللبناني رقم 10 ونشر في الجريدة الرسمية بتاريخ 1946/10/2، العدد 40، وذلك نتيجة مطالبات العمال المتواصلة لوضع قواعد قانونية تحفظ حقوقهم وتنظم ساعات عملهم وإجازاتهم وتعويضاتهم.
وفي ظل عجز مذهب الحرية الفردية ومبدأ سلطان الإرادة في حكم علاقة العمل بشكل متوازن، تدخلت الدولة لوضع اطر تنظيمية عادلة، فصدر القانون المذكور، والذي تناول تنظيم العلاقة بين صاحب العمل والعامل، إلّا انه لم يرع كافة جوانب هذه العلاقة مما أدى الى إقرار قوانين أخرى من جهة كقانون عقود العمل الجماعية والوساطة والتحكيم الصادر بتاريخ 1964/9/2، وكان قد سبقه قانون الضمان الاجتماعي 1963/9/26، والذي يشمل تعويض نهاية الخدمة، التعويضات العائلية، والمرض والأمومة وطوارئ العمل، أو العودة الى قوانين تنظم عقد الاستخدام من جهة أخرى كقانون الموجبات والعقود الصادر بتاريخ 1932/3/9، والذي تناول عقد الاستخدام في الباب الخامس منه.
وبعد ثورة التكنولوجيا والتقدم التقني وتغيّر دور الدولة، ظهرت أنماط جديدة من العمل والتي أصبحت في تزايد وانتشار مستمر. وانطلاقاً من أهمية هذه الأنماط سواء لجهة صاحب العمل الذي يستفيد من كلفة إنتاجية منخفضة، أو سواء لجهة الأجير الذي يستفيد من مرونة وسهولة هذه الأنماط، أقر المشرع اللبناني بتاريخ 2025/5/9 تعديلات ضرورية على قانون العمل اللبناني الصادر سنة 1946. وقد طالت هذه التعديلات المواد 1 ،2 و 12 من قانون العمل اللبناني.
وعلى الرغم من تأخر المشرع اللبناني في إقرار هذه التعديلات، ومن وجود بعض النقص والشوائب فيها ومن ضرورة إجراء تعديل كامل لقانون العمل، إلّا أنّنا نرى بأنّ هذه الخطوة جيدة لوضع قواعد ترعى هذه العقود والأنماط وتنظّمها.
صاحب العمل
بدأ المشرّع اللبناني تعديلاته هذه على المادة 1 من قانون العمل اللبناني لتصبح على الشكل التالي: “صاحب العمل هو كل شخص طبيعي او معنوي يستخدم أجيراً بموجب عقد استخدام خطّي أو شفهي، مقابل اجر حتى ولو كان هذا الاجير عيناً أو نصيباً في الأرباح .”
في هذا التعديل لم يقم المشرع اللبناني بتعريف عقد العمل، إلّا أنّه من حيث الشكل، إستبدل كلمة ” رب العمل “، بكلمة “صاحب العمل”، فيكون بالتالي قد واكب المصطلح المستخدم في الاتفاقيات الدولية كاتفاقية انهاء الاستخدام بمبادرة من صاحب العمل الصادرة برقم 158 تاريخ 1982/7/22، واتفاقية حق التنظيم النقابي والمفاوضات الجماعية الصادر برقم 98 تاريخ 1949/7/1 واتفاقية العمل رقم 111 الخاصة بالتمييز في الاستخدام والمهنة الصادرة بتاريخ 1960/7/15.
أمّا من حيث المضمون، فالمشرّع أشار الى ان طبيعة العلاقة بين صاحب العمل والاجير تنظّم بموجب عقد استخدام، وأشار إلى أنّ هذا العقد قد يكون خطياً أو شفهياً، وبالتالي وكما كان معتمداً سابقاً، فالكتابة ليست شرطاً لصحة عقد الاستخدام، ويمكن اثبات هذا العقد بكافة طرق الاثبات.
أنماط عقود العمل
اما في ما خص التعديل الذي طال المادة 2 من قانون العمل اللبناني التي نصت على ما يلي:
” الأجير هو كلّ رجل أو إمرأة أو حدث يعمل بأجر عند صاحب العمل في الأحوال المبيّنة في المادة الأولى، بدوام كامل، جرئي أو موسمي، حضورياً أو عن بُعْد، وحتى ولو كان يستعمل معداته وتجهيزاته الخاصة لتنفيذ العمل.”
نرى بأن نص المادة المذكور قد أشار الى أنماط عقود العمل التي قد تكون عملاً بدوام كامل، او بدوام جزئي، كذلك عمل موسمي. وأضاف المشرّع بأنّ هذا العمل قد يكون حضورياً او عن بعد, فلم يشترط المشرع اللبناني التواجد مباشرة مكان وجود صاحب العمل والخضوع الفعلي لتبعيته ورقابته واشرافه ليعتبر العقد عقد عمل، بل قد تحصل التبعية هذه عن بعد)وهذا ما أكده المشرع اللبناني في تعديل المادة 12 فقر 1 والذي عرّف بموجبها عقد العمل الفردي بأنّه إتفاق يلتزم بمقتضاه الاجير ان يقدّم برضاه عمله لمصلحة صاحب العمل وتحت اشرافه ومراقبته مقابل أجر بغضّ النظر عن مكان العمل)، وبالتالي يكون الحضور الى مكان العمل او العمل عن بُعْد يشمل كافة أنواع عقود العمل سواء كان عملاً بدوام كامل او جزئي او موسمي.
أيضاً، عرّف المشرع اللبناني في الفقرة 7 من المادة 12 عقد العمل عن بُعْد، وهو الذي يؤدّيه الأجير من أي مكان يختاره بخلاف مكان عمل صاحب العمل سواء اكان الاجير بدوام كامل او بدوام جزئي وبحسب توجيهات ونظام صاحب العمل. بالتالي فهذا العقد يحصل في كافة عقود العمل حيث يكون الاجير بمكان وصاحب العمل بمكان آخر، إنّما يحصل تحت توجيهات وتعليمات صاحب العمل.
وهذا الامر يثير التساؤل عن كيفية تطبيق هذه التبعية في ظلّ وجود الأجير في مكان غير مكان عمل صاحب العمل وعن مدى إمكانية اعتماد الرقابة، والاشراف والتبعية القانونية فقط في عقود العمل عن بعد؟!
ملكية المبتكر والمؤلّف
وفي السياق ذاته، أضاف المشرع الى ان في هذا العقد،لا تؤخذ بعين الاعتبار ملكية التجهيزات المخصصة لاتمام العمل، فقد تكون هذه التجهيزات عائدة لصاحب العمل او للعامل، فالاهمية بالتالي لاتمام العمل وانجازه، الا ان في عقود الاستخدام، تعود ملكية المبتكر أو المؤلف لصاحب العمل في حال كان الأجير قد أنجز ضمن اطار عمله ابتكاره او مؤلفه تحت اشراف ورقابة صاحب العمل وبمعدّاته وتجهيزاته، الا ان المشرع اللبناني لم يتناول حالة قيام الاجير بإتمام هذه المؤلّفات والمبتكرات في عقد عمل عن بُعْد مستخدماً تجهيزاته ومعداته الخاصة، ودون اشراف مباشر لصاحب العمل، فكيف سينعكس ذلك على حقوق الاجير وملكيته لهذا المبتكر او المؤلّف؟
العمل المضغوط
وعلى نحو آخر، أشار المشرع اللبناني الى نوع آخر من أنواع عقود العمل وهو العمل المضغوط دون تعريفه، ولكن وضع بعضاً من القواعد التنظيمية له لمصلحة الاجير. فقد سمح للأجير وصاحب العمل الاتفاق على العمل وفق دوام العمل المضغوط لكن ضمن شروط وهي ان لا تتعدى ساعات العمل الأسبوعية 48 ساعة ، وان لا يمس هذا العمل بساعات الراحة اليومية المتقطعة او المتواصلة للاجير، وهذا الامر من شأنه أن يشكّل اكثر ضمانة لحقوق الاجير ولحقه بالراحة، الا انه كان لا بدّ للمشرع من أن يوسّع من هذه الضمانة وان يحدد ماهية هذا العمل والتزامات اطرافه بشكل اكثر دقة، علماً ان هذا النوع من العقود يعتمد على إنتاجية الاجير اكثر من ساعات العمل.
العمل الجزئي
ومن أبرز التعديلات الأهم التي طالت قانون العمل، نذكر المواد التي اضيفت على المادة 12 لجهة العمل الجزئي، حيث بدأ المشرع اللبناني في المادة 12 فقرة 2، بتحديد ماهية العمل الجزئي إنطلاقاً من ساعات العمل، فاعتبر ان العمل الجزئي هو الذي لا يقل دوامه عن ثلث دوام عمل العاملين المماثلين في المؤسسة او الشركة ذاتها بدوام كامل ولا يزيد عن ثلثيه. ومن ثم أضاف في البند الثاني من الفقرة الثانية طبيعة هذا العمل الذي قد يكون إمّا خطياً أو شفهياً ويتمّ الاتفاق على نوع العمل بين صاحب العمل والاجير وساعات العمل وكيفية توزيعها والأجر وعناصر الأجر.
وهنا نشير إلى أنّه كان من الاجدر على المشرع اللبناني ان يحدد الاجر وعناصره بطريقة اكثر وضوحاً وذلك حفاظاً على حقوق ومصلحة الاجير، وان لا تترك باتفاق الطرفين باعتبار ان صاحب العمل هو الطرف الأقوى في العلاقة العقدية، وربما يضطرّ الاجير للقبول بشروط اقل فائدة له، إنّما يقبل بها لضرورات معيّنة.
ساعات العمل الإضافية
أما في ما خصّ ساعات العمل الاضافية في عقد العمل الجزئي، يتبين أن في حال أراد صاحب العمل ولضرورات عمله ان يقوم الاجير بتغطية ساعات عمل اضافية، فان هذا الامر يحصل وفق الاتفاق بينهما ووفق ضوابط أشار اليها المشرع وهي إما الاتفاق المسبق بين الاجير وصاحب العمل على ساعات العمل الإضافية عند التعاقد او بموافقة صريحة للاجير، وفي حال عدم الاتفاق المسبق، يقتضي على صاحب العمل ان يبلّغ الاجير بذلك قبل ثلاثة أيام ويحدد ساعات العمل الاضافية المطلوبة.
وكذلك من المهمّ ذكره بأنّ المشرّع اللبناني أشار إلى أنّ ساعات العمل الإضافية يجب ان لا تزيد عن عشرة بالمئة من ساعات العمل بدوام جزئي المتفق عليه بين الفريقين الا في حال موافقة الاجير على الزيادة. وأضاف بأنّ أجر الساعات الاضافية يدفع بقيمة 50% زيادة عن اجر ساعة عمل الاجير بدوام جزئي. وهذا الامر من شأنه ان يترك الحرّية للأجير في قبول او عدم قبول العمل لساعات إضافية وفق الاتفاق بينه وبين صاحب العمل.
ومن ناحية أخرى، أتاح هذا التعديل للأشخاص الذين يرتبطون بعقد عمل بدوام كامل مع صاحب العمل، الإنتقال إلى دوام جزئي وذلك لمدّة أقصاها سنتين للأجير الذي يرغب بمتابعة الدراسة ولمدة أقصاها سنة ما بعد انتهاء إجازة الامومة للمرأة العاملة، وصحيح ان هذه الامكانية تعتبر خطوة متقدمة خاصة للطالب الذي يتابع دراسته ويعمل في الوقت عينه، وللمرأة باعتبار انها لن تضطر الى ترك عملها بعد انتهاء إجازة الامومة ، الامر الذي يعتبر اكثر عدالة ومرونة لها.
الا ان المشرع بهذه المادة، حصر إمكانية المطالبة بالانتقال من عمل بدوام كامل الى دوام جزئي بهاتين الحالتين فقط ولمدة محدودة وبشرط اتفاق صاحب العمل والعامل، وكان من الاجدر ان يترك هذا الخيار متاحاً امام فئة أوسع من الأجراء.
وفي السياق ذاته، أعطى المشرع الأولوية والافضلية للأجراء بدوام جزئي الانتقال الى دوام كامل في حال توفر الشروط المطلوبة اذا أراد صاحب العمل ملء المراكز الشاغرة، وهذا الامر من شأنه ان يزيد المنافسة الشريفة بين الاجراء بدوام جزئي، وان يفتح الفرص امامهم وامام تقدّمهم المهني في حال رغبتهم بالعمل بدوام كامل.
العمل الموسمي
وبعدها، انتقل المشرع الى الإشارة الى نمط العمل الموسمي والذي يتمّ بحالة معيّنة او موسم معين كموسم التزلج بفصل الشتاء، وحدّد مدّة هذا العقد بأنّها لا تزيد عن 6 أشهر ويعتبر من العقود المحدّدة المدّة، وبالتالي يخضع للنصوص القانونية التي تنظم هذه العقود.
أمّا من ناحية الحماية، فيتبين أن الأشخاص الذين يعملون بشكل موسمي او عن بعد او بشكل جزئي، يستفيدون من الحماية التي يستفيد منها الأجراء الدائمون والذين يعملون حضورياً لجهة التنظيم والحق في المفاوضات الجماعية والسلامة والصحة المهنية وعدم التمييز في الاستخدام والمهنة. كذلك أضاف المشرّع بأنّهم يستفدون من الحقوق التي تعود للاجراء العاملين بدوان كامل وفق احكام قانون العمل والضمان الاجتماعي، وبالتالي فإنّ صاحب العمل ملزم بتسجيل كافة الاجراء في الضمان والتصريح عنهم، وأضاف القانون بالزامية حمل صاحب العمل لسجلات تظهر اسماء الاجراء، ونوع عقودهم، وعدد ساعات العمل، وأنواعه وشروطه، واخضع هذه السجلات لجهاز تفتيش العمل والوقاية والسلامة في وزراة العمل وحقهم بالاطلاع عليها، إلّا أنّه لم يحدد اي عقوبات او غرامة في حال عدم التزام صاحب العمل بمسك هذه السجلات، الامر الذي يجعل التصريح عن هؤلاء الأجراء وطبيعة عملهم برهن إرادة صاحب العمل.
نخلص الى القول بأن كل من هذه التعديلات بحاجة الى بحث معمق لفهم ابعادها وتداعياتها على الرغم من أن قانون العمل اللبناني، ورغم دوره الأساسي في تنظيم العلاقة بين أصحاب العمل والاجراء، ما زال يعاني من قصور واضح في مواكبة التغيرات الاقتصادية والاجتماعية والتكنولوجية التي طرأت خلال العقود الماضية، فثغراته في حماية الاجراء، وضعف الضمانات لهم وغيرها من الشوائب الاخرى، تؤكد ضرورة تعديله بما يضمن حقوق جميع الفئات العاملة، ويعزز العدالة الاجتماعية، ويواكب معايير العمل الدولية.
هوامش:
(1) نصت المادة1 من قانون العمل اللبناني الصادر سنة 1946 قبل التعديل على ما يلي:
” رب العمل هو كل شخص طبيعي او معنوي يستخدم باية صفة كانت، اجيراً ما في مشروع صناعي او تجاري او زراعي مقابل اجر حتى ولو كان هذا الاجر عيناً او نصيباً من الارباح.”
(2) نصت المادة 2 من قانون العمل اللبناني الصادر سنة 1946 قبل التعديل على ما يلي:
” الاجير هو كل رجل او امرأة او حدث يشتغل باجر عند رب العمل في الاحوال المبينة في المادة السابقة بموجب اتفاق فردي او اجمالي خطياً كان ام شفهياً.”
(3) نصت المادة 2 من قانون العمل اللبناني الصادر سنة 1946 قبل التعديل على ما يلي:
” الاجير هو كل رجل او امرأة او حدث يشتغل باجر عند رب العمل في الاحوال المبيّنة في المادة السابقة بموجب اتفاق فردي او اجمالي خطياً كان ام شفهياً.”
“محكمة” – الأربعاء في 2025/6/11

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!
مجلة محكمة
Privacy Overview

This website uses cookies so that we can provide you with the best user experience possible. Cookie information is stored in your browser and performs functions such as recognising you when you return to our website and helping our team to understand which sections of the website you find most interesting and useful.