مقالاتميديا

الوجه الآخر لكورونا: تخفيض الإنبعاثات ومزيد من التعافي لطبقة الأوزون/جنى أبو صالح

الدكتورة جنى أبو صالح:
“ظهر الفسادُ في البرِّ والبحر بما كسبت أيدي الناس ليُذيقهم بعض الذي عَمِلوا لعلَّهم يَرجعون” [سورة الروم الآية 41].
إستخلف الله الإنسان في الأرض لعمارة الكون وبنائه لما فيه مصلحة الإنسانية كلّها جيلاً بعد جيل وحتّى قيام الساعة، كما جاء في قوله تعالى في القرآن الكريم:[هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها[هود:61]، فالطبيعة هي من صنع الله وعدم إفسادها بموجب نظرية الإستخلاف هو مظهر من مظاهر الإرادة الإلهية، فقال تعالى: ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين ]هود:85[، فمن معالم الفساد في الأرض تغيير موازيين الحياة بما يتسبّب في انقراض أنواع عديدة من مخلوقات الله من حيوان ونبات، أو ما يتسبّب كذلك من انتشار أمراض تفتك بالإنسان وتدمّر بيئته الطبيعية وتحرمه من موارد أنعم الله بها عليه.
وفي المسيحية، وجّه البابا يوحنّا بولس الثاني عام 1989 رسالة قال فيها:” إنّ احترام البيئة مظهر من مظاهر احترام الإنسان للخالق. وإنّ قضيّة البيئة ليست قضيّة سياسية أو إقتصادية، بل إنّها مسألة أخلاقية، تتعلّق بالإنسانية كلّها”. واعتبر أنّ تدمير الإنسان للطبيعة هو استقواء على الخالق.
وقد أدركت الحضارات القديمة في كافة أنحاء الأرض الترابط الوثيق ما بين البشر والطبيعة، فالحضارة المصرية كانت على إدراك بالروابط الحيوية بين البشر والطبيعة. فمنذ سبعة آلاف سنة، كان الفرعون المصري يقف أمام الآلهة ويقول: “أنا أقسم أنّي لم رتكب خطيئة، لم ألوّث مياه النيل، لم أقطع نبتاً ولم أقتل حيواناً بغير مقتضى، لم آخذ اللبن من فم الرضيع”؛
في وقتنا الحاضر، إذا كانت القيمة للشجرة، لما تثمر، وللحيوان بما يوفّره من لحم وجلد؛ إذا كانت القيمة قد حُوِّلت إلى ثمن، فذلك يعني، كما يرى كريستوفام بواركي، أنّ مشروع الثقافة الإنسانية قد حُرِّف مع مرور القرن. ومن ثمّ فهو يرى أنّ إدراك التحدّيات التي يواجهها كوكبنا يمثّل الشرط الأوّل والأساس لقيام الثقافة الإنسانية الجديدة، التي يُنادى بها على أساس فكرة حداثة أخلاقية.
فقد أبدى الإنسان غطرسة وعدم مسؤولية تجاه الطبيعة، فاستنفذ الموارد الطبيعية، وخرّب التوازن الإيكولوجي، حتّى أنّه أصبح اليوم بسلوكه السلبي يهدّد مستقبل الحضارة، إذ يُنكر كلّ قيمة للطبيعة. وصار مصدر القيمة، على وجه الكوكب محصوراً في قيمة النشاط البشري وسعر السوق؛ فقيمة الشجرة بالخشب الذي تنتجه، وقيمة الحيوان بلحمه وجلده.
الصين مسؤولة عن 60% من (CFC-11):
يختلف استنفاد الأوزون عن تغيّر المناخ، ولكن بما أنّ كليهما يعدِّل من دورات الأرض العالمية، فلا يمكن فصلهما تماماً. ولا تزال العلاقة بين العمليتين يكتنفها الغموض، غير أنَّ بعض العلاقات قد تمّ تحديدها بالفعل وأهمّها:
1- كلتا العمليتان ترجعان في الأساس إلى انبعاثات من فعل نشاطات الإنسان.
2- تمثل العديد من المواد المستنفدة للأوزون غازات الدفيئة، ومن أهمّها الكلوروفلوروكربون والهيدروكلوروفلوروكربون، كما أنَّ غازات الهيدروفلوروكربون التي رُوّجت بوصفها بديلاً لغازات الكلوروفلوروكربون تعتبر في بعض الأحيان من أقوى غازات الدفيئة، وتؤخذ هذه الحقيقة في الإعتبار عند عقد مفاوضات واتخاذ قرارات في ما يتعلّق ببروتوكول مونتريال.
3- الأوزون في حِدّ ذاته من غازات الدفيئة، لذا فإنّ تدميره في الستراتوسفير يساعد بشكل غير مباشر على تبريد المناخ، ولكن إلى حدٍّ قليل.
4- قد يكون التغيّر العالمي في دورة الغلاف الجوّي هو السبب في البرودة الملحوظة مؤخّراً في درجات حرارة الستراتوسفير، تؤدّي درجات الحرارة المنخفضة هذه إلى تكوّن السحب القطبية في الستراتوسفير فوق القطبين بما يعزّز من التدمير الكيميائي للأوزون بشكل كبير مع تكوّن “الثقب”.
5- تتصل إصابة الإنسان من جرّاء الأشعة فوق البنفسجية المتوسّطة جزئياً بمعامل الإنعكاس، ويحدّ سياق ارتفاع الحرارة العام من الأسطح البيضاء التي تزيد من احتمالات إلحاق الضرر بالإنسان.
إنّ المركّبات الكلوروفلوروكربون هي من المواد المستنفدة للأوزون التي يخضع إنتاجها واستهلاكها للرقابة بموجب بروتوكول مونتريال. وبدعم من الصندوق المتعدّد الأطراف للبروتوكول الذي قدّمه برنامج الأمم المتحدة للبيئة وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي ومنظّمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية والبنك الدولي والوكالات الثنائية، تقوم البلدان النامية بالتخلّص التدريجي من هذه المواد الكيميائية المستنفدة للأوزون في هذا القطاع،
أفادت دراسة جديدة أنّ بروتوكول مونتريال، وهو معاهدة وقّعت عام 1987 لحماية طبقة الأوزون الرقيقة للأرض، كان له فائدة غير مقصودة تتمثّل في المساعدة في إبطاء معدّل الاحتباس الحراري، تتجاوز تلك الحاصلة من الاتفاقيات الدولية الموقّعة للحدّ من التغيّرات المناخية.
وقدّر العلماء من جامعة نيو ساوث ويلز الأسترالية أنّ حظر البروتوكول لمركبات الكربون الكلورية فلورية المدمّرة للأوزون – وتبيّن أنّها من الغازات المسبّبة للإحتباس الحراري- سيجنّب العالم احتراراً إضافياً في حدود درجة مئوية بحلول عام 2050.
الهدف الرئيس لبروتوكول مونتريال هو حماية طبقة الأوزون من خلال اتخاذ تدابير لمراقبة الإنتاج العالمي والإستهلاك الإجمالي للمواد المستنفدة للأوزون، مع الإبقاء على الهدف النهائي المتمثّل في القضاء على هذه المواد عن طريق تطوير المعارف العلمية والتكنولوجية البديلة.
تمّ التركيز في بداية تنفيذ البروتوكول على المواد الكيميائية ذات الضرر العالمي المسبّبة لاستنفاد طبقة الأوزون بما في ذلك مركبات الكلوروفلورية والهالونات (Les Halogenes) ، كما تمّ عرض جدول زمني للتخلّص التدريجي من مركبات الهيدروكلوروفلوروكربون في عام 1992 على البلدان المتقدّمة والنامية، بغرض تجميد التداول بهذه المواد بحلول عام 2030 في البلدان المتقدّمة، وفي عام 2040 في البلدان النامية، فتوصّلت الأطراف في بروتوكول مونتريال بشأن تلك المواد المستنفدة لطبقة الأوزون إلى اتفاق في اجتماعها الثاني والعشرين للأطراف في 15 تشرين الأوّل 2016 في كيغالي – رواندا للتخلّص التدريجي من مركبات الهيدروفلورية والذي دخل حِيّز النفاذ في 1 كانون الثاني 2019 . واعتبر بروتوكول مونتريال أكبر مساهمة قام بها العالم نحو الحفاظ على ارتفاع درجات الحرارة العالمية أقلّ بكثير من درجتين مئويتين، وهو الهدف الذي تمّ الإتفاق عليه في مؤتمر باريس 2015.
إلاّ أنَّ محطّات الرصد في اليابان وجمهورية كوبا التي تتميّز بالقدرة على رصد الإنبعاثات من مسافة تصل إلى 1000 كيلومتر، تمكّنت من رصد انبعاثات مصدرها مقاطعتا شاندونغ وهوبي الصينيتان، الواقعتان شرقي البلاد، وأكّدت أنَّ من 40 إلى 60% من مجموع انبعاثات ثالث كلوريد فلوريد الميثان (CFC-11 ) تُعزى إلى تلك المنطقة. وتعتبر هذه المادة بشرية المنشأ تماماً، ولا تحدث طبيعياً، نظراً لأنّه لم يتمّ رصد الإنبعاثات لسنوات عديدة، فمن الجائز دوماً أن تكون مرتبطة بالإنتاج الصناعي، ولم تُظهر عيّنات الجليد الفوقية المأخوذة من غرينلاند والقارة المتجمّدة الجنوبية ما يثبت وجود ثالث كلوريد فلوريد الميثان أو غيره من مركبات الكربون الكلوروفلورية قبل الثورة الصناعية.
وقد جاء وباء كورونا الذي فتك بالبشرية بعد صدور تقرير برنامج الأمم المتحدة للبيئة في 26- nov- 2019، الذي حثَّ جميع الدول على أن تزيد بشكل كبير من طموحها في مساهماتها المحدّدة وطنياً، كما جاء في التزامات باريس في عام 2020 وأن تتابعها بسياسات واستراتيجيات لتنفيذها، للحدّ من درجات الحرارة، وضرورة خفض الانبعاثات بنسبة 7.6 في المائة سنوياً من عام 2020 إلى عام 2030 لتحقيق الهدف المتمثّل في إبقاء ارتفاع درجات الحرارة دون مستوى 1.5 درجة مئوية و 2.7 في المائة سنوياً للهدف المتمثّل في إبقاء ارتفاع درجات الحرارة دون مستوى درجتين مئويتين.
ولتحقيق هذه التخفيضات، يجب أن تزيد مستويات الطموح في المساهمات المحدّدة وطنياً خمسة أضعاف على الأقلّ للهدف المتمثّل في إبقاء ارتفاع درجات الحرارة دون مستوى 1.5 درجة مئوية وثلاثة أضعاف للهدف المتمثّل في إبقاء ارتفاع درجات الحرارة دون مستوى درجتين مئويتين – وتعمل المساهمات المحدّدة وطنيا الحالية فقط على سدّ خُمْس وثلث فجوة الانبعاثات على التوالي.
كما أشار تقرير برنامج الأمم المتحدة للبيئة 2019 إلى أنّه ينبغي أن تنخفض انبعاثات غازات الدفيئة العالمية بنسبة 7 في المائة كلّ عام على مدار العقد المقبل حتّى تسير على الطريق الصحيح في إبقاء ارتفاع درجات الحرارة دون مستوى 1.5 درجة مئوية، وتقليل الاختلالات المناخية إلى أدنى حدّ ممكن على الأرواح، الكوكب والاقتصادات.
وتتوفّر حلول لجعل تحقيق هذا الهدف ممكنًا، لكن لا يتمّ نشره بالسرعة الكافية. حتّى لو تم تنفيذ جميع الالتزامات غير المشروطة بموجب اتفاق باريس، فمن المتوقّع أن ترتفع درجات الحرارة بمقدار 3.2 درجة مئوية، ممّا يؤدّي إلى آثار مناخية أوسع نطاقاً وأكثر تدميراً. ولتحقيق هذه التخفيضات، يجب أن تزيد مستويات الطموح في المساهمات المحدّدة وطنياً خمسة أضعاف على الأقلّ للهدف المتمثّل في إبقاء ارتفاع درجات الحرارة دون مستوى 1.5 درجة مئوية.
قال أنطونيو غوتيريس، الأمين العام للأمم المتحدة، “منذ عشر سنوات، كان تقرير فجوة الانبعاثات يدقّ ناقوس الخطر – ولمدّة عشرة أعوام زاد العالم من انبعاثاته”. لم يكن هناك وقت أكثر أهمّية للإستفادة من العلم. إنّ الفشل في الاستجابة لهذه التحذيرات واتخاذ إجراءات صارمة لعكس اتجاه الانبعاثات يعني أنّنا ما نزال نشهد موجات الحرّ والعواصف والتلوّث المميتة والكارثية”.
كما حذّرت اللجنة الحكومية الدولية المعنية بتغيّر المناخ من أنّ تجاوز درجة حرارة 1.5 درجة مئوية سيزيد من تواتر وشدّة تأثيرات المناخ، مثل التعرّض لموجات الحرّ والعواصف التي شهدتها جميع أنحاء العالم في السنوات القليلة الماضية.
وقالت إنغر أندرسن، المدير التنفيذي لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة: “فشلنا الجماعي في العمل مبكراً وبقوّة في ما يتعلّق بتغيّر المناخ يعني أنّه يجب علينا الآن أن نحقّق تخفيضات كبيرة في الانبعاثات – أكثر من 7 في المائة كلّ عام، إذا كسرناه نزولاً بالتساوي على مدى العقد المقبل.”
“نحن بحاجة إلى تحقيق انتصارات سريعة ونحن نطلق تحوّلات تغيّر المناخ المجتمعية الجذرية، أو ستجعل التأخيرات أيضًا الهدف المتمثّل في إبقاء ارتفاع درجات الحرارة دون مستوى 1.5 درجة مئوية بعيد المنال.” وأضافت:”إذا لم نقم بذلك، فإنّ هدف إبقاء ارتفاع درجات الحرارة دون مستوى 1.5 درجة مئوية سيكون بعيد المنال قبل عام 2030.”
وتمثّل دول مجموعة العشرين مجتمعة 78 في المائة من جميع الانبعاثات، ولكن خمسة فقط من أعضاء مجموعة العشرين إلتزموا بتحقيق هدف طويل الأجل للإنبعاثات الصفرية.
وعلى المدى القصير، سيتعيّن على الدول المتقدّمة خفض انبعاثاتها بشكل أسرع من الدول النامية، وذلك لأسباب ترجع إلى الإنصاف والعدالة. ومع ذلك، ستحتاج جميع البلدان إلى المساهمة بشكل أكبر في التأثيرات الجماعية.
كلّ عام، يقيّم تقرير برنامج الأمم المتحدة للبيئة، الفجوة بين الانبعاثات المتوقّعة في عام 2030 والمستويات التي تتفق مع أهداف إبقاء ارتفاع درجات الحرارة دون مستوى 1.5 درجة مئوية ودرجتين مئويتين في اتفاق باريس. ويخلّص التقرير إلى أنّ انبعاثات غازات الدفيئة قد ارتفعت بنسبة 1.5 في المائة سنويًا خلال العقد الماضي. وبلغت الانبعاثات في عام 2018، بما في ذلك من التغييرات في استخدام الأراضي مثل إزالة الغابات، ارتفاعاً جديدًا بلغ 55.7 جيجا طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون.
فليس مفاجئاً، أن تنخفض نسبة الغازات الناتجة عن عمليات إنتاج الطاقة والنقل والمواصلات وسط تباطؤ النشاط الإقتصادي على النطاق العالمي نتيجة تفشّي وباء كورونا، حيث انخفض التلوّث العالمي بنسبة 48%.
إنخفضت مستويات أكسيد النيتروجين في الصين هذا العام، وهو الغاز الضار المنبعث من محرّكات المركبات والآلات في المنشآت الصناعية، وسط تراجع قياسي في نشاط المصانع الصينية تزامناً مع القيود التي فرضتها السلطات على الإنتقالات وأنشطة الشركات مع خضوع ملايين البشر للحجر الصحّي، فحسب تحليل أجراه Carbon Brief انخفض استخدام الطاقة في الصين بنسبة 25% على مدى أسبوعين وقد ينتج عن ذلك انخفاض يبلغ 1% من الإنبعاثات الصينية هذه السنة؛
وفي نيويورك، إنخفضت حركة المرور حوالي 35% مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، وبالتالي فقد انخفضت نسبة غاز أوّل أكسيد الكربون الذي تنتجه السيّارات بنحو 50% في يومين، ووفق تقارير الباحثين في جامعة كولومبيا؛
من الممكن أن نشهد هذه السنة انحساراً للإنبعاثات، إلاّ أنّ ذلك يعتمد على الأسلوب الذي تتبعه الحكومات المختلفة لتحفيز اقتصاداتها بعد انحسار تهديد الوباء؛ ففي عامي 2008- 2009، بعيد الأزمة المالية العالمية، ارتفعت نسبة الإنبعاثات الكربونية بنسبة 5% نتيجة برامج التحفيز التي أدّت إلى ارتفاع استخدام النفط والفحم.
“محكمة” – الثلاثاء في 2020/3/31
*حفاظاً على حقوق الملكية الفكرية، يمنع منعاً باتاً نسخ أكثر من 20% من مضمون الخبر، مع وجوب ذكر إسم موقع “محكمة” الإلكتروني، وإرفاقه بالرابط التشعّبي للخبر(Hyperlink)، وذلك تحت طائلة الملاحقة القانونية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!